السكون إلى عطاء !
أرقام صادمة ..ازدياد عدد المقيمين في دار المسنين أكثر من عشرة أضعاف ..بحق من ربياني صغيراً ..هل يعقل أن نأخذ بيد الأم أوالأب عندما يكبران إلى دار العجزة في حين أن الابن أوالابنة يسكنون في نفس المدينة أو البلد …؟
لقد كان الوالد العجوز وحيدا منعزلا.. يطوق إلى الصحبة والأنس ..وكان الابن مشغولا بأعماله وعائلته وأولاده وقد يمضي اليوم كله فلا يمر على غرفة أبيه إلا ليقول له “صباح الخير دون أن ينظر إليه إن كان نائما أو مستيقظا ..هكذا أصبحت الحال وكأن ذلك الوالد الذي طالما حمل ابنه فوق كتفيه وحمل الكرة الأرضية ليقدمها بين يديه أصبح بعد أن تقدم به العمر وضعفت صحته وقواه وتكاثرت عليه الأمراض بات يشكل عبئا ثقيلا على كاهل أولاده..!
فكر لو أن ابنه ينقله الى دار رعاية المسنين فقد يجد في صحبة كبار السن من أمثاله الصحبة والعزاء ..فمن يهتم لحال أب أو أم أضعفهم المرض وكثرت تأوهاتهم بالليل حتى ضاق بها ذرعا الآبناء والأحفاد ..وقد كانوا يوما يشعرون بالرعب والخوف على أبناءهم إذا سعل أحدهم أو عطس ..
في اللوحة الثانية كانت الأم تغزل الصوف وتداعب حفيدتها الصغيرة وتحكي لها الحكايات ..كانت تشعر بالفخر والاعتزاز بعائلتها التي كبرت وصار لأولادها أحفاد كان ابنها يطل عليها كل صباح يحمل كوبا من الحليب يصر أن تشربه من يديه وقبل أن يغادر يقبل يديها ويطلب منها أن تدعو له ولأولاده ثم يمضي مسرعا الى عمله ..
من كان يصدق أن كبار السن قد لا يجدون مكانا للرعاية عند أبنائهم في يوم ما وأن دور المسنين تمتلئ بهم ..ونحن شعب يحترم الكبير بالسن ويبجله ويطلب منه الدعاء والبركة وواجب الأبناء إظهار الرحمة والاحترام لمن ربياه صغيرا..
ان التأفف برعاية الوالدين المسنين ظاهرة لا تمت الى الحضارة أو الأخلاق أو العرف بأي صلة ..ومن لا يرد دين الأبوين سيجد نفسه يوما على قارعة الطريق وقد رماه أبناؤه بعد أن شاهدوه يسيء معاملة أبواه فالحياة دين ووفاء ..
ان لكبار السن حق أيضا على المجتمع فقد كان هذا العجوز شابا وقدم لمجتمعه ووطنه ما استطاع من جهد وعمل وبات حق على المجتمع رعايته واكرامه في حال عجزه وضعفه .
ان المطلوب هو تأسيس ثقافة لرعاية المسنين ونشرها بين فئات الشباب والأطفال وتزويد دور الرعاية بما تحتاجه من متطلبات لإسعاد المسنين وترفيههم وهذه ثقافة وتربية وأخلاق نزرعها اليوم لنحصدها غدا .