وَصم المحلية
يتبرأ بعض التشكيليين من كلمة “خطاط”، كما لو كانت فعلاً شائناً اقترفه فردٌ ما في العائلة، تحمّلت البقية عبئه طوال حياتها، والمُبرر لدى هؤلاء يأتي من الفرق بين الحرف حاملاً للمعنى اللغوي المُباشر في لوحة الخط العربي، ونظيره المنفلت من هذا القيد بوصفه مُفردةً تشكيلية حُروفية، تتحمل تعدد المعاني وتناقضها وغرابتها، وإن كان التباين قائماً اليوم، بما يُعلي من شأن الحرف في الحالة الثانية، يبدو التنكّر لأصله في الحالة الأولى، إجحافاً بحق المعنى المقروء والنص المُكتمل وقواعد الكتابة، نحو تمجيد البصري، إن صح التعبير، تماماً كما في المُتابعة الجماهيرية الكبيرة والضجة الموسمية للدراما التلفزيونية على حساب آدابٍ وفنونٍ مكتوبة.
مُناسبة الحديث عن الحروفية الموصومة بالمحلية والشرقية في شقيها المُتباعدين، أمام اتجاهاتٍ فنيةٍ أخرى، الهمس الحاصل منذ إعلان وزارة الثقافة منح جائزة الدولة التقديرية للعام الحالي في مجال الفنون، للفنان محمد غنوم، وهو واحدٌ من أبرز حُروفيي سورية، راهن منذ بداية تجربته التي تبدلت وتطورت على امتداد الخط العربي في عمق الهوية العربية البصرية، تالياً قِصر المسافة التي تفصلنا عنه كمُشاهدين، وسهولة التحاور معه، على أن ذلك يتطلب اشتغالاً لا يتوقف على الشكل واللون والحجم والموسيقا المُرافقة للحروف والمُتبدلة في كل مرة، دون الخروج عن القداسة التي يقوم عليها الحرف العربي بوصفه حاملاً لإرثٍ دينيٍّ هائل، بما فيه من قومياتٍ وأقوامٍ.
عدم الرضا الذي أبداه فنانون، يعود بنا إلى زمنٍ مضى، حين ظنّ كثرٌ منهم، أن على اللوحة المحلية إثبات نفسها عالمياً، بتبني تياراتٍ ومدارس وأساليب غربية، ويبدو أن الفكرة ما زالت مُتداولة بأشكالٍ أخرى في المشهد الثقافي عموماً، من ذلك، اللجوء إلى نصوصٍ مسرحية عالمية ومحاولة جعلها “سوريّة”، أو الاستعانة برواياتٍ عالمية وتحويلها إلى مسلسلات، والأمر ينسحب بوضوحٍ أكبر على الرسم والنحت، والآداب الوجيزة في القصيدة والقصة والهايكو ما شابه، لِتكون الإشكالية الوحيدة في هذا كله، إقصاء النَفَس المحلي والخصوصية الموجودة، بحجة الانفتاح على فنون العالم، ثم يقف البعض على الأطلال ويبكي مُتحسراً على ما كان بين أيدينا وخسرناه .