بايدن في السعودية.. نجاح أم فشل ؟..الأوروبيون و الأمريكيون يحبسون أنفاسهم

مها سلطان

تحبس أوروبا أنفاسها انتظاراً لما ستؤول إليه زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية، ضمن جولته في المنطقة، والتي بدأت الأربعاء من كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومن المفترض أن تنتهي غداً السبت. بالنسبة لأوروبا، هذه الزيارة بمنزلة حكم «موت أو حياة» ربطاً بـ «نجاح أو فشل» بايدن في إقناع أكبر دولتين منتجتين للنفط (السعودية والإمارات) بضخ المزيد من النفط من جهة، وفك الارتباط مع (أوبك+) أي إبعادهما عن روسيا، من جهة ثانية.
طبعاً، يتشارك الأميركيون مع الأوروبيين في حبس الأنفاس، وفق سياق (السابقون واللاحقون) إذ إن رحى العقوبات على روسيا التي بدأت تطحن اقتصاد الأوروبيين وتنذرهم بالنكبات والأزمات، ستستمر بالدوران لتصل إلى الأميركيين، ليكونوا على ذات المصير.
*
فعلياً تأتي زيارة بايدن للسعودية (اليوم الجمعة) في منتصف الأيام العشرة التي أعلنتها روسيا كفترة زمنية لانتهاء أعمال الصيانة التي تجريها على خط أنابيب «السيل الشمالي/ نورد ستريم1» (من 11 إلى 21 الشهر الجاري) ليُصار إلى وقف كل إمدادات الغاز إلى ألمانيا، ومنها إلى دول أوروبية عديدة. أوروبا تتلقى عبر هذا الخط – الذي يمتد 1200 كم تحت بحر البلطيق- حوالى 55 مليار متر مكعب من الغاز (أكثر من 40% من حاجاتها) وهذا رقم كارثي يُوضح تماماً لماذا تضع أوروبا يدها على قلبها، تعد الأيام الخمسة المتبقية، خوفاً من «سكتة» اقتصادية، لا قيامة من بعدها.
ماذا لو قررت روسيا تمديد أعمال الصيانة، أو تقليل الإمدادات، أو وقفها بالكامل؟.. يرتعد الأوروبيون من هول هذه الأسئلة وتحدياتها، لدرجة أن بعضهم آثر أن ينسحب من المشهد، كما فعل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (وقد يلحقه المستشار الألماني أولاف شولتز) حتى لا يتم وسمهم تاريخياً كمسؤولين عن انهيار قارة بكاملها.. لكنهم يتجاهلون في الوقت ذاته أن هذا المصير مرهون بسلوكهم.
**** لا خيارات.. لا حلفاء
الأسوأ، بالنسبة للأوروبيين، أنهم في وضع (صفر خيارات) أمام روسيا. لا يستطيعون مواجهتها، ولا يستطيعون ترك أوكرانيا، لأن لأوكرانيا ما بعدها بالنسبة لروسيا. الأوروبيون متأكدون من ذلك.. منذ بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا وهم يتحدثون عن (ما بعد أوكرانيا).. روسيا لن تتوقف وهي تبني مجدها من جديد في السياسة والجغرافيا، اقتصادياً وعسكرياً.
أيضاً.. الأوروبيون في وضع (صفر حلفاء) يحاولون ما أمكن استغلال التحركات الأميركية والاحتماء بها، باعتبار أن الولايات المتحدة ستكون قريباً في حال مشابه لحالهم. وإذا ما نجت هي فهم سينجون بالتأكيد، علماً أن الولايات المتحدة لا تحاول إنقاذهم بقدر ما تحاول انقاذ نفسها.. فإذا ما نجحت تحركاتها فهم بالتالي يستطيعون الاتكاء عليها لتأخير الكارثة، عسى أن تحمل التطورات العالمية لهم (معجزة من نوع ما).. كما كان حالهم بعد الحرب العالمية الثانية، التي خرجوا منها في حالة انهيار اقتصادي كامل، ليتكئوا على الولايات المتحدة وزعامتها العالمية ويتصدروا – بمعيّتها – الساحة الدولية. لكن عالم اليوم لا يشبه بالمطلق عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.. الأوروبيون الذين اعتمدوا طوال العقود الماضية على زعامة أميركا وارتباطها معهم في «قطب» عسكري واحد «حلف الناتو» لا يملكون اليوم شيئاً وهم يرونها تدير ظهرها لهم وتعتبرهم بلا فائدة لها.. أو للعالم.
إذاً لماذا هم في حالة انتظار لنتائج زيارة بادين إلى السعودية إذا كانوا خارج أجندتها؟
لأنه في حال نجح بايدن في اقناع السعودية والإمارات بما ورد آنفاً، فإن إمدادات الطاقة (النفط والغاز) التي ستتضاعف إلى الأسواق لا بد من أن تنعكس بفوائد عليهم، لناحية وجود بدائل لإمدادات الطاقة من روسيا. صحيح أنها لن تعوض الامدادات الروسية بالكامل، لكنها ستشد عصب الأوروبيين من جديد وتسندهم في مهمة احتواء التداعيات الاقتصادية لاستمرار حرب أوكرانيا.. ولاحتمال قطع روسيا امدادت الطاقة بالكامل عنهم.

هذا يعني أن روسيا أيضاً تترقب نتائج الزيارة. أمر طبيعي ومنطقي وإن كان من غير المشكوك به أنها تقف على أرض صلبة، وتحسب خطواتها وقراراتها وفق أفضل قراءة للتطورات العالمية وما يمكن أن تقود إليه. لنلاحظ هنا أن أعمال الصيانة لخط «نورد ستريم1» جاءت عشية جولة بايدن إلى المنطقة.. هذه رسالة مفادها أنه مهما كانت نتائجها فهي لن توثر على صلابة أرضها.. وعلى قراراتها في المرحلة المقبلة. لنلاحظ أيضاً… جولة بايدن رغم أنها تتضمن قضايا أخرى مهمة جداً لدور الولايات المتحدة ومكانتها في المنطقة ودولياً، إلا أن عنوانها الأساسي السعودية. يبدو كل شيء مرتبط بالسعودية، بالطاقة وبـ«أوبك+». بايدن نفسه عنونها كذلك وفق مقالة له في صحيفة «واشنطن بوست»..

«لماذا أنا ذاهب إلى السعودية؟» وبالتالي فإن كل ما عدا ذلك هو عناوين ثانوية، بما فيها إيران و«مسألة تكوين تموضع إقليمي جديد بمواجهتها».. وبما فيها «ملف التطبيع» وتوسيعه.
**** عنوان المرحلة
.. وإذا ما ما كان عنوان جولة بايدن في المنطقة هو السعودية فإن عنوان زيارة بايدن للسعودية هو روسيا (والصين). هذا ما أكده في مقاله حرفياً (على ذمة الترجمة).. «أذهب إلى السعودية بهدف وضع الولايات المتحدة في مكان أفضل لمواجهة روسيا والصين لذلك علينا التعامل مباشرة مع الدول التي يمكن أن تؤثر في هذا الهدف.. والسعودية واحدة منها».. «موارد المنطقة من الطاقة حيوية للتخفيف من التأثير على الامدادات العالمية للحرب في أوكرانيا.. الممرات المائية في الشرق الأوسط مهمة للتجارة العالمية وسلاسل التوريد تعتمد عليها».
ليس هناك ما هو أوضح من ذلك، ولكن السؤال الذي يدور عالمياً: ما هي احتمالات أن يعود بايدن خائباً؟
رغم أنه لا بد من انتظار انتهاء الزيارة لمعرفة الجواب إلا أن هناك شبه اجماع بين المراقبين والمحللين على أن احتمالات الفشل أكبر من النجاح، ولأسباب عدة ليست كلها مرتبطة بالسعودية (والإمارات) إذ إن قرارات الدول الاعضاء في «أوبك+» لناحية زيادة الانتاج تتخذ بالاجماع.. وعلى فرض أنه تم الاتفاق في «أوبك+» على أن تزيد بعض الدول الاعضاء انتاجها فإن هذه الزيادة لن يكون لها تأثير مستدام في حال استمرت حرب أوكرانيا، لأن استمرار الحرب يعني استمرار أزمة امدادات الطاقة من روسيا ما يفرض الاستمرار في زيادة الانتاج، وهذا أمر غير ممكن لما له من تأثيرات سلبية على الأسواق، عدا عن تأثيره على الدول نفسها التي اتخذت قرار الزيادة، والمعني هنا طبعاً السعودية والإمارات.. في الكواليس يتداولون مسألة أن السعودية لا تملك ما يكفي من مخزونات النفط ، وبعض التقارير الاقتصادية تشير إلى أن السعودية مع الإمارات ربما يكون مخزونهما من النفط أقل ما تشير إليه الأرقام الرسمية التي تصدرانها.
هناك سبب آخر مهم يورده الاقتصاديون مفاده أن«دول الخليج إذا ما استخدمت طاقتها الاحتياطية إلى أقصى حد، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية.. يميل تجار النفط إلى القلق حين لا يتبقى احتياطي في السوق العالمية لتغطية الاضطرابات المحتملة» حسب تقرير لوكالة «بلومبرغ» الأميركية الاثنين الماضي.
**** سبل العودة
لنضع ما سبق جانباً، ماذا يمكن لبايدن أن يقدم للسعودية من امتيازات لتعيد حساباتها وتبتعد عن روسيا و«أوبك+»؟
يمكنه أن يقدم الكثير مما قد يؤثر ويغير ويعيد السعودية إلى سابق تموضعها، وهو «كثير» معروف، بل ومُعلن، ولا حاجة هنا لتكراره.. ولكن السؤال: في عالم اليوم، عالم التموضعات الكبرى والانزياحات الاستراتيجية سياسياً وجفرافياً، هل تشكل عودة السعودية إلى تموضعها السابق، فرقاً مؤثراً بالصورة التي تريدها الولايات المتحدة؟
وفقاً لمقال بايدن في «واشنطن بوست» مازالت السعودية كذلك.. وإذا ما عاد منها خائباً، فلن يكون لدى الأميركيين (والأوروبيين) أحزمة لشدّها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار