تداعيات قمم التطبيع على الأمن القومي العربي
د.رحيم هادي الشمخي
في ظل ما يعنيه النظام الإقليمي العربي منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 وتداعيات ما يسمى «الربيع العربي» وما خلّفه من حروب في أكثر من بلد عربي، تحوّل الكيان الصهيوني من عدو للأمة العربية إلى ” صديق وحليف استراتيجي” في نظر بعض الأنظمة العربية التي أقامت معه علاقات دبلوماسية كاملة، حيث أسهم هذا الوضع الإقليمي في جعل هذا الكيان الصهيوني يحتل محوراً مركزياً في حرب الاستنزاف التي تخوضها كل من أمريكا والسعودية ضد إيران والأمة العربية، ووضع الكيان الصهيوني في موقع “الرئيس والريادي” لهذا الشرق الأوسط الجديد ، سواء من خلال الدفاع عن دول الخليج العربي مما يحصل في اليمن أو إتاحة الفرصة أمامه لزيادة وزنه فيما يتعلق بوساطته بين روسيا وأوكرانيا بجانب مساعدة مصر في إيجاد حلول لمشاكلها المتمثلة في الأمن الغذائي عقب حرب أوكرانيا، ومساعيها للحصول على مساعدة مالية واقتصادية من أمريكا وقروض من صندوق النقد الدولي.
ولقد تعزز الاختراق الامبريالي الأمريكي للمشرق العربي مع قيام الكيان الصهيوني وولادة مولود جديد أصبح يسمى (الأمن الصهيوني) ملازمة للأمن الأمريكي، وتزايد أخطار الكيان الصهيوني مع تنامي قواه التي تأتي ضمن إطار التحوّل النوعي في العلاقات الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي دوره في المخطط الأمريكي في المنطقة العربية بشكل رئيس، وضمن إطار حشد الكيان الصهيوني كل قواه التي أفسحت لها اتفاقيات (كامب ديفيد) والعلاقات التطبيعية اللاحقة مع بعض الأنظمة العربية، في المجال فرصة مهمة جداً لتحقيق أهدافه الرئيسية وهي:
أولاً: تثبيت قاعدة الكيان الصهيوني واستثمار مواقع وعلاقات (السوق الشرق أوسطية)، وثانياً: محاولة طمس الهوية العربية، حيث يطلق الغرب الأوروبي الرأسمالي الاستعماري الإمبريالي على الوطن العربي اسم (العالم العربي) وذلك في نظرته التكتيكية والإبداعية والاستهلاكية والاقتلاعية للعرب، على الرغم من معرفته أن العرب يشكلون أمة واحدة، وشعباً واحداً يعيش على امتداد مساحة جغرافية واحدة، ويتكلم لغة عربية، وهويته هي الهوية العربية، أما المشرق العربي فيسميه (الشرق الأوسط) والتسمية أتت من دائرة المعارف الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، والمقصود بالشرق الأوسط المنطقة التي تضم: (مصر، العراق، سورية، السودان، قبرص، لبنان، الأردن، البحرين، الإمارات، اليمن، الكويت، فلسطين المحتلة، عُمان، قطر، إيران وتركيا).
ونتيجة هذا الاختراق الصهيوني لقمة النقب التي حضرها فريق (جو بايدن) والتي دعا إلى عقدها الكيان الصهيوني، حيث اجتمع وزراء خارجية ست دول وهي (مصر، أمريكا، الإمارات، البحرين، المغرب، والكيان الصهيوني) في جنوب فلسطين المحتلة في فندق بمنطقة (سيرته مولر) يومي 27 و28 آذار الماضي .
جاء انعقاد قمة النقب في ظل وضع دولي محتدم بالصراعات الجيوسياسية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي على الأرض الأوكرانية، حيث يتخوف العرب من تداعيات هذه الحرب على أمنهم الغذائي، وفي مناخ إقليمي، يعمل فيه الكيان الصهيوني بشكل أوسع تحالفاً بينه وبين بعض الدول العربية التي طبّعت العلاقات معه ضد ما يسمى (الخطر الإيراني) الداهم، ولاسيما مع اقتراب توقيع الاتفاق النووي الجديد بين إيران ومجموعة الست، وبذلك يرى المحللون أن (البلدوزر الخليجي) يمهد لشرق أوسط جديد أمريكي- صهيوني- يشبه مشروع (سايكس- بيكو) لتقسيم المنطقة بشكل جديد.
إن قمة النقب الأخيرة تؤسس للشرق الأوسط الجديد كمجال حيوي للكيان الصهيوني كإمبريالية إقليمية تزامنت مع جولة وزير خارجية أمريكا التي شملت الكيان الصهيوني وبعض البلدان العربية لإجراء استشارات مع الشركاء حول عدد من الأولويات الإقليمية والدولية بما في ذلك الازمة الروسية – الأوكرانية ، والأكبر من هذا فإن هدف الوزير الأمريكي من القمة كان واضحاً هو الآخر، يتمثل في حشد مزيد من الدعم لسياسات بلاده في مواجهة روسيا في الحرب الأوكرانية وتهدئة مخاوف «إسرائيل» بشأن الاتفاق النووي، فالكلام والتطبيع شيئان متلازمان ويعنيان الانتقال من حالة الحرب والعداء والمقاطعة للكيان الصهيوني إلى عكس هذه الحالات جميعها، لكي يكتشف العرب في ظل التبشير بمفهوم (الشرق أوسطية) أنهم كانوا على خطأ طوال المرحلة التاريخية السابقة، وكانوا يعيشون في ضلال، وليكتشفوا أيضاً أن الكيان الصهيوني هو البوابة الحقيقية والمنفذ الوحيد المناسب للتصدير إلى أوروبا، حيث أصبحت «إسرائيل» هي القناة الوحيدة لتصدير التكنولوجيا إلى بعض الدول العربية، وتلقين علمائها ومهندسيها وفلاحيها، وعلى الصعيد السياسي والعسكري هو الحليف الاستراتيجي لمواجهة الخطر الداهم من محور المقاومة.