شعراء الموجة الأخيرة في ديوان الشعر السوري

لابدّ أن المتابع للمشهد الشعري في سورية، أصبح اليوم قادراً على قراءة ملامح نتاج الموجة الشعرية خلال العقد الأخير من السنين، التي تساوقت مع سنين الحرب على سورية، أي إنّ عمرها اليوم من عمر الحرب.. وأصحابها معظمهم من جيلي الثمانينيات والتسعينيات كمواليد، وليس كنتاج شعري، وهم ممن كان يُنظرُ إليهم قبل ما يُقارب العقد ونصف العقد على أنهم ” قطع زائدة لا تستحق أن ينظر إليها”..

اليوم غاب معظم من كان مُكرساً في الصدارة، وأمسى الراسخون في المنابر في الزوايا القصية لاسيما أجيال الستينيات والسبعينيات كنتاج شعري طبعاً، وليس كمواليد.. وفتحت” الميديا” الجديدة فضاءاتها للأجيال اليوم لتكتب نصها غير عابئة بالجزالة والإنشاء والأحفورات اللغوية، ودون أن يعنيها ركوب متن إيديولوجيا مُعينة.. فالذين كانوا راسخين بحكم التقادم؛ رحلوا بحكم قرار الطبيعة، أو أمسوا من العمر عتيّاً، الذين احتكروا المنابر واستحوذوا على التكريمات، وفي بعض المرات كانت احتفاءات مبالغاً فيها، والذين ظُلموا حقاً هم الشعراء من مواليد الستينيات والسبعينيات الذين جاؤوا إلى الحياة وكانت المنابر مزدحمة أو مستحوذا عليها، ولم يجدوا فرصتهم إلا مع الجيلين اللذين أتيا بعدهما.. وهم يشتركون معهم بالكثير من الملامح لاسيما بذلك المحتوى المُفعم بالتفاصيل اليومية، صحيح إن الجيلين السابقين اهتما بمثل هذه التفاصيل غير أن الجيلين الآخيرين أمست هذه التفاصيل لغة كاملة لديهم، وبنية لنصهم الشعري.. وعملت ما يُشبه القطيعة مع اللغة الشعرية التي كانت سائدة خلال عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.. نصوص شعرية بلغة الحميمي المُعاش والمحكي المُفصح أو الفصيح، ومغرم بالجزئيات، تطغى عليها المسائل اليومية لاسيما مفردات الحرب من: رصاص، وهاون، وقذائف، والتي تؤدي إلى النتائج في المستوى الآخر من اللغة إلى مناخات التشرد، والوحدة، والحزن، والخيبة، والخذلان.. وما يختلف في لغة نص اليوم عن لغة نص الأمس، أكثر ما يختلف في بنية اللغة، نص الأمس الذي كان نصاً (لغوياً) بامتياز يعتمد المجاز والبلاغة التقليدية من تشابيه وكناية واستعارة وغيرها، ويتوسل مفردات قاموسية باردة وغريبة ومنفرة.. فيما نص اليوم هو النص الدافئ، بلغة تُلمس بالأصابع، نص الصورة بالدرجة الأولى، والمشهد الذي يعتمد البلاغة المُضادة القائمة على: الانزياح، والإخفاء، والإضمار، والحذف، والإيحاء، والرمز بدرجة كبيرة، وهو ما اتجه بالنص صوب الإيجاز، أو ما يُغرف اليوم ب”الأدب الوجيز”، وذلك باستثماره لهذه البلاغة التي أوسعت من ضيق العبارة، فالنص وبما يحويه من صور وفرتها تقنيات البلاغة الجديدة ليس صاحبه مُضطراً لإنشاء المطولات لتوصيل غاياته الجمالية والفكرية، فهو نص الومضة وشاكلاتها من قُصارى القول، وهو على ما يبدو ما وفرته له قصيدة النثر دون غيرها من الأشكال الشعرية.. وهو أيضاً ما أبعده عن النبرة الإنشائية المنبرية التي كانت سمة الأجيال السابقة.. ومن ملامح نص اليوم في شعر الموجة الأخيرة؛ هذه الجرأة الواضحة فيما تكتبه النساء في سورية، بمعنى إن هذه الجرأة كانت أوضح فيما تقدمه النساء أكثر، حتى إن الشاعرات كدن يتفوقن على الشعراء نتاجاً وعدداً من دون توسل (وصي) كناقد أو صاحب منبر، أو غيره ليصلن، أي من دون رعاية ذكورية كما كان يُحكى به من “ثرثرة” فيما سبق. ‏
وهنا لابد من الإشارة إلى أننا نتحدث عن ملامح عامة في النص الشعري الجديد، والأكيد أننا لا نضع الجميع في سلة واحدة، وبتقديري هذا العدد الذي لا يُستهان به من الشعراء والشاعرات “دليل عافية”، رغم كل حالات الاعتراض والنزق الذي يُقابل به، ورغم التفاوت الذي قد يبرز بين تجربة وأخرى.. شعراء (الموجة الأخيرة) ميزتهم أنهم جاؤوا محمولين على نصوصهم وليسوا محمولين على أمرٍ آخر سواها، نصوص أعادت الصحوة للنص الشعري دون غيره من أنواع أدبية، بعد (لغو) نقدي تسويقي امتدّ طويلاً عن ظاهرة (الرواية ديوان العرب الجديد)، والذي كان خلفه أو حافزه جوائز الخليج العربي وغيرها، حيث تنشط الإصدارات الروائية بنشاطها، وتخفت بخفوتها. واللافت في أمر الموجة الجديدة من القول الشعري أنها لم تلقي بالاً أو يهمها أمر النقد كثيراً لاسيما النقد الأدبي الأكاديمي الذي تعالى واستعلى على نصوص جيلين قبله، وبقي يُعيد نقد نصوص شعرية ملت هي نفسها من النقد، عندما ذهب بعيداُ ليقدم دراسات نقدية من العصرين العباسي والأموي، وإن تحدّث قليلاً فلن يتجاوز النتاج الشعري لما بعد النصف الأول من القرن العشرين بعقدين، وربما وقف بعد ذلك عند شعراء الإيديولوجيا جماعة الستينيات والسبعينيات.. ويعود الفضل في قراءة ما تنتجه الموجة الأخيرة للنقد الصحفي رغم حالة العجالة والمساحة الضيقة التي يكتب من خلالها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة يُخرِج منظومة التحكيم المحلي من مصيدة المماطلة الشكلية ويفعِّل دور النظام القضائي الخاص.. التحكيم التجاري الدولي وسيلة للاندماج في الاقتصاد العالمي التطبيق بداية العام القادم.. قرار بتشغيل خريجي كليات ومعاهد السياحة في المنشآت السياحية أكثر من مليار شخص يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة.. سورية اعتبرتها قضية وطنية وأقرّت خطتها في هذا المضمار بأربعة محاور استراتيجية أعطى العديد من المزايا لأصحاب الإعاقة ولذويهم.. المرسوم رقم 19 نقل النهج من التعاطف معهم إلى منحهم حقوقاً مشروعة