زراعة التضخم

حتى الآن يمكننا القول إن جميع ما قامت به الجهات المتخذة للقرارات خلال الأشهر القليلة الماضية، كان محرضاً على التضخم والارتفاع المتواصل للأسعار، برغم أن النوايا المعلنة هي إعادة توجيه الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجاً وغيرها من المبررات مثل تحريك أو تعديل أو تصحيح أسعار المواد المدعومة بغية القضاء على أسواقها السوداء أو لتمويل عمليات شرائها وتسريع توزيعها للمواطنين.
التضخم الناجم عن هذه القرارات التهم كل الزيادات التي طرأت (والتي ستطرأ مثل الترفيعة القادمة) على رواتب وأجور العاملين في الدولة، وجعلها تتراجع في قدرتها على تأمين الحاجيات الأساسية، وذلك لأن التركيز كان على تأمين الإيرادات العامة بغض النظر عن منعكساتها على الحياة اليومية والاقتصاد الذي يعاني أصلاً من كثير من المشكلات أقلها يسبب التضخم بنسب عالية.
الأمر المستغرب هو تركيز متخذي القرار على الأدوات المالية وابتعادهم عن الأدوات النقدية التي يمكن المناورة باستخدامها في مثل ظروفنا كمعدلات الفائدة التي تستخدمها الدول لكبح جماح التضخم عن طريق زيادة أسعارها لامتصاص الكتلة النقدية الزائدة في السوق، وكذلك أذونات الخزينة .
إن اقتصار الإجراءات على الطريقة الأسهل في زيادة إيرادات الخزينة سيضعنا في دوامة مستمرة من ارتفاع الأسعار (التضخم) ومن ثم انخفاض سعر الصرف وبعدها رفع الرواتب بعد زيادة أسعار المواد المدعومة لتستجيب الأسواق وترتفع الأسعار مجدداً وهكذا.
لذلك ما هو المبرر لغياب الكثير من الأدوات والمالية والنقدية المتوافرة في أيدي الجهات المتخذة للقرارات، وعلى سبيل المثال لماذا لا يتم رفع أسعار الفائدة وسحب النقد من السوق وإعادة توجيهه إلى قطاعات منتجة زراعية وصناعية؟
قطاع الزراعة يحتاج إلى كتلة كبيرة من الأموال لإعادة النهوض به وترميم بناه التحتية وتأمين مستلزمات الإنتاج للفلاحين الذين باتوا يجدون صعوبات كبيرة في تأمين البذار والأسمدة والأعلاف والمحروقات، لذلك يمكن استخدام الأموال المتكدسة في مصارفنا العامة لتمويل هذا القطاع وإنقاذه وبالتالي دعمنا جميعاً، ولاسيما في مجال تربية الدواجن والأبقار وزراعة القمح.
كذلك الأمر في الصناعة يمكن توجيه الأموال نحو الصناعات الغذائية والصناعات النسيجية ما يشكل دفعة إيجابية في اقتصادنا، حتى وإن سبب ذلك بعض الخسائر المالية لمصارفنا لكن يمكن تعويضه لاحقاً بعد سير عجلة الإنتاج بالشكل الصحيح بعد ابتعادنا عن سياسات زراعة التضخم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار