آخر شيء كنا نتخيله هو رثاءُ الأشجار!.
طوال سنوات، كنا نذهب إلى مقابر الغابات كي ندفن أزهارنا الميتة من دون جنازاتٍ أو معزّين.. كنا نقول في قرارة أنفسنا إن الأرض طيبة وستتكفل بإنبات الأسى على شكل مزهرياتٍ ملمّعة من الجثث مجهولة الاسم.. لقد دفنّا الخيبات مع العلاقات المحطمة والآمال التي لم تستطع أن تشبّ عن الطوق.. حفرٌ صغيرة بلا شاهدات أو أسماء، كانت بمثابة قبورٍ جميلة لا أصحاب لها أو أهل، حتى الاستغاثات حجزت أمكنتها إلى جانب القصائد و«خردة» المشاعر والسيارات المنفجرة.. كنا نذهب إلى الغابة طوعاً، ونشكر الإله على أن لنا أشجاراً لا تترك تربتها حتى لو احترقت أغصانها وصارت الأوراق ذراتٍ في نهر الرماد!.
كنا نفعل كل ذلك، طوال حربٍ كاملةٍ مع لقمة العيش والماء والكهرباء والعيون المنكسرة التي تحدّق بالحافلات فلا تلحق بها.. وكان العزاء أننا سنطيرُ يوماً مع بخار الغابات، لنُبعث مع أسطورة عشتار في الربيع، أو مع عودة تموز من براثن الموت.. فالأرض تهضم كل الخطايا وتعيد تدوير الذنوب ثم ترسلها إلى السطح على شكلِ أزهارِ أوركيدٍ مجنحةٍ تجذبُ الفراشاتِ واليعاسيب.
آخر شيء، كنا نتخيله، رثاءُ الأشجار.. فالآن علينا اختراع غابات لا تتحول إلى حطب إذا ما احترقت.. غاباتٌ بأشجارٍ لا تُصنع من جذوعها الفؤوس والتوابيت.. ألم يقل المثل يوماً: زرعوا فقطعنا.. وسنترك لأبنائنا الأرض البور!.
لا أحد يعلم ماذا يفعل المعنيون عن الثروات الحراجية.. وعن المطافىء والمرشّات والزراعات التي أصبحت حطباً في نارنا التي لا تهدأ..؟ فقط، هو الحريق الذي يتجدد كل موسم.. ولا ضير..«المهم الصحة».. عرفتوا كيف؟.