45 يوماً لتنظيف الشرق الأوسط..؟!‏

تشرين – د. رحيم هادي الشمخي:

تتعدد السيناريوهات والهدف واحد، ويشمل كل المنطقة، هذا تكرار لازم وواجب دائماً وأبداً ‏مع كل مرحلة من مراحل المخطط الأميركي- الإسرائيلي لتغيير وجه الشرق الأوسط الذي ‏تبجح به متزعم حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. واليوم يردده الرئيس الأميركي ‏المنتخب دونالد ترامب، مهدداً متوعداً بالويل والثبور وعظائم الأمور والشر المقيم والدواهي ‏الستين، إذا لم ترضخ أطراف المنطقة المعنية «غزة، لبنان، سورية، إيران» وتعلن ‏استسلامها، وتسليم أمرها للمحتل الإسرائيلي.‏
على الأكيد أن الجميع بات عارفاً ومدركاً لهذا المخطط وأهدافه والذي تحول إلى العلنية ‏بصورة أشد وحشية مع الهجمة الإرهابية التي تتعرض لها سورية بمناطقها الشمالية، لكن ‏التكرار لازم وواجب بمواجهة أبواق التآمر والفتنة التي تواصل تلميع هذا المخطط وتسويقه ‏من خلال وضعه في سياق صراع داخلي في المنطقة بين مسارين متناقضين معاديين، ‏وتغليف هذا السياق بأيديولوجيات طائفية للعب على الوعي الشعبي وتأجيجه باتجاه الاقتتال.. ‏واستمرار الاقتتال إلى ما لا نهاية حتى لو تحقق هذا المخطط لا بد من استمرار الاقتتال ‏لضمان تسيد هذا المخطط وإدامته ومن خلفه تسيد العدو الإسرائيلي.‏
وما لا تكشفه هذه الأبواق، تكشفه وسائل إعلام العدو، في تقاسمٍ للمهمة، والمهمة وفق إعلام ‏العدو هي «تنظيف الشرق الأوسط من إيران» وهي نفسها مهمة «تغيير وجه الشرق ‏الأوسط» وإن اختلفت التسميات، ولفعل ذلك لا بد من استهداف كل دول وأطراف محور ‏المقاومة، وهذا ما يحدث منذ عام ونصف العام، علماً أن الاستهداف قائم منذ ثلاثة عقود على ‏الأقل، بمستوييه الميداني-الإرهابي، والسياسي- ابتزاز وضغوط.. وتضاف إليهما الحرب ‏الاقتصادية- حصار وعقوبات، وهي بمجملها حرب اقتصادية تدخل في سياق الابتزاز ‏والضغط.‏
لكن محور المقاومة لم يسلّم رغم اشتداد الاستهداف، بالمقابل تحالف العدوان ليس في وارد ‏التوقف وهو بانتظار تسلم ترامب مهامة في 20 كانون الثاني المقبل، للانتقال إلى مرحلة ‏أعمق وأوسع تصعيداً وهو ما يمهد له ترامب بتهديداته المتلاحقة، وقبلها بتعييناته الإدارية ‏والعسكرية.‏
تقول قناة «كان» الإسرائيلية، نقلاً عما تسميه مصادر دبلوماسية: هناك اتفاق تم إبرامه بين ‏ترامب والرئيس الحالي جو بايدن ودول أوروبية، على تولي الإدارة الحالية، أي إدارة بايدن، ‏مهمة تنظيف الشرق الأوسط من إيران، وأنه لا بد أن تكون المهمة منجزة بالكامل خلال الـ45 ‏يوماً المتبقية على ولاية بايدن، لأن ترامب وفق الاتفاق من المفترض أن يبدأ عصراً جديداً من ‏الاستقرار ليتفرغ لمسألة استئناف مسار التطبيع، والعمل على تطبيق خطة أميركية سابقة ‏تحت مسمى السلام الاقتصادي، وصولاً إلى إسقاط «حل الدولتين» لأنه غير واقعي كما يقول ‏ترامب. ‏
القناة الإسرائيلية تضيف وفق المصادر نفسها: سيتم العمل على ذلك بالوسائل المناسبة، لا سيما ‏في لبنان وسورية، وحينما يتسلم ترامب الرئاسة تدخل المنطقة عصراً جديداً من الاستقرار ‏تمهيداً للسلام والتطبيع.. إذا سارت الرياح كما تشتهي أطراف الاتفاق».‏
لكن نجاح المهمة مشكوك فيه جداً، فكيف إذا كان المطلوب إنجاحها في 45 يوماً؟.. ولأن ‏النجاح مشكوك فيه، بل هو يقارب درجة المستحيل، فإن ترامب يصعد تهديداته بجحيم جديد ‏أكبر من الجحيم الذي أشعله الكيان الإسرائيلي بدعم مطلق من ولاية بايدن.. حتى إن تهديداته ‏وصلت إلى مجموعة «بريكس» نفسها ومحاربتها بجحيم تعريفات جمركية تصل إلى مئة ‏بالمئة إذا ما فكرت بهز عرش الدولار العالمي عبر اعتماد عملة موحدة ونظام دفع دولي بديل.‏
ووفق ترامب فإن كل الخطط جاهزة في الأدراج بانتظار بدء الولاية، وهي خطط تشمل كل دول ‏العالم وليس منطقتنا فقط، لكن الأولوية لتبريد المنطقة، حتى يتسنى له تسخين مناطق عالمية ‏أخرى أشد أولوية وخطورة على الولايات المتحدة الأميركية.‏
ورغم أن جبهتي غزة ولبنان لم يتم تبريدهما بشكل كامل، كان لابد من إشعال جبهة ضد ‏سورية بمشاركة مباشرة من المحتل التركي.. وبالعموم لن يتمكن ترامب ولا غيره أياً تكن ‏الخطط وأياً يكن الجحيم الذي يهدد به، لن يتمكن من تبريد جبهتي غزة ولبنان، كما لن يتمكن من ‏حصد نتائج إيرانية- لبنانية- فلسطينية (إقليمية) في سورية.. هو يستطيع أن يعمم الدم والدمار ‏والخرب، لكنه لن ينتزع استسلاماً، خصوصاً في سورية وهي المحطة الأساس في مخطط ‏الشرق الأوسط الجديد.. وستنتهي هذه الهجمة الإرهابية على سورية برد الإرهابيين وردعهم.. وقد ‏يبقى المحتل الأميركي في الجوار، ومعه المحتل التركي، لكن سورية لن تسلّم.‏

ويخطئ ترامب مسبقاً في قراءة نتائج ميدان غزة ولبنان، كما يخطئ أكثر في ميدان سورية لناحية ‏ما تشكله بالنسبة لمحور المقاومة و(الجوار عموماً)، وهذه الهجمة الإرهابية الحالية ليست ‏الأخطر كما يقال، فقد مر الأخطر منها خلال السنوات الـ14 الماضية من عمر الحرب ‏الإرهابية على سورية والتي بدأت مطلع عام 2011. ربما كانت المرحلة الحالية هي الأشد ‏خطورة في المخطط الأميركي – الإسرائيلي، لكنها مرحلة لا تتناسب مع تطور الميادين وما ‏أفرزته وأنتجته على كل المستويات، خصوصاً على المستوى الوعي الشعبي مع انكشاف ‏كامل للمخطط وللمخططين والمتآمرين والمتواطئين. ‏
لقد تغيرت المنطقة 180 درجة في السنوات الأربع الماضية، لكن ترامب لم يتغير، فهو كما يبدو ‏سيعيد نسخ ولايته السابقة على قاعدة أن التهديدات والمبالغة فيها، ما زالت تنفع، وكذلك على قاعدة ‏أن الحلفاء ما زالوا على حالهم في تفضيلهم أميركا على ما عداها.. لكن الحلفاء تغيروا.. وقاعدة ‌‏«ادفعوا لنحميكم» لم تعد موجودة.. ربما بات على ترامب أن يدفع، وفي المنطقة هناك قاعدة ‏جديدة للقوى الجديدة الصاعدة هي قاعدة التكافؤ في الفرص والمنافع، في المكانة والنفوذ، في ‏العمل والإنتاج، بل أكثير من ذلك هذه القاعدة تعطي الحلفاء الكثير من المزايا والامتيازات ‏المتقدمة جداً، انطلاقاً من كون الحلفاء يقبعون على أهم وأكبر احتياطيات الثروة، وعلى موقع ‏جغرافي يجعلهم أسياداً، فلماذا يكونون أتباعاً، إلا إذا قدم لهم ترامب مقابلاً مجزياً جداً وبما يفوق ‏ما تقدمه تلك القوى، عندها سيكون لمخطط الشرق الأوسط الجديد حديث آخر، ولكنه حكماً ‏ليس كما تريده أميركا أو كيانها.‏
وحتى ذلك الوقت، تبقى العين على سورية و(العراق وإيران)، وعلى ماذا سينجلي غبار ‏المعارك الدائرة مع المجموعات الإرهابية وداعميها.

كاتب وأكاديمي عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إيرواني: هجوم التنظيمات الإرهابية على حلب اعتداء سافر على سيادة سورية نيبينزيا: ندين الهجوم الإرهابي على حلب.. مندوب الصين: تقديم المساعدة لسورية للقضاء على الإرهاب المجموعة العربية في الأمم المتحدة تدين الهجوم الإرهابي على حلب وتؤكد ضرورة مكافحة الإرهاب بكل أشكاله السفير الضحاك: الهجوم الإرهابي على شمال سورية تم بضوء أخضر وأمر عمليات تركي إسرائيلي مشترك الاتحاد الوطني لطلبة سورية يفتح باب الاستضافة للطلاب القادمين من حلب وإجراءات عناية فائقة صباغ يتلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره الجزائري أكد فيه تضامن بلاده مع سورية في مواجهة التهديدات الإرهابية وزيرا التربية والتعليم العالي: التحاق التلاميذ والطلبة الوافدين من حلب جراء الإرهاب بمدارس إقامتهم الحالية وبالجامعات التي يرغبونها صناعة دمشق وريفها تقترح تشكيل لجنة تَدخّل من الجهات المعنية واتحاد غرف الصناعة لحل مشاكل الاستيراد والإسراع بتخليصها بهدف الاستمرار بالعملية الإنتاجية السوداني يبلغ أردوغان: العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة في سورية مجلس الشعب يتابع مناقشة تقرير لجنة الموازنة والحسابات حول مشروع موازنة ‌‏2025