روايات شهود عيان..حرب نفسية وإعلامية على أهالي حلب قبل احتلال المدينة.. واصطناع أحاديث ودية لتبييض صفحات سوداء
تشرين- رحاب الإبراهيم :
منذ بدأت المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة دولياً من تركيا وأمريكا و«إسرائيل» وأوكرانيا هجومها المباغت فجر يوم الأربعاء، المتزامن مع وقف إطلاق النار بين المقاومة اللبنانية وكيان العدو الإسرائيلي، لم يفقد أهالي حلب الثقة بالجيش العربي السوري كما روج، مهما كان عتاد وأعداد المسلحين القادمين من مختلف أصقاع العالم، وهم من عرفوه في أوقات أشد صعوبة وضراوة منذ عام 2013 وحتى تحرير مدينة حلب من إرهابها الأسود، حيث كانوا على يقين مطلق بقدرة جيشهم على دحر وطرد هؤلاء الإرهابيين المرتزقة وإسقاط مخطط أسيادهم في إقامة الشرق الأوسط الجديد، الذي قوضته المقاومة اللبنانية في حربها ضد الكيان الإسرائيلي في إطار مساندتها لفلسطين ضمن معركة طوفان الأقصى.
تحول دراماتيكي حصل عند المفاجأة بدخول الإرهابيين إلى مدينة حلب، التي لم يكن يتوقع أكثر المحللين تشاؤماً إمكانية حدوث ماحدث، ما شكل صدمة قوية لأهالي حلب الرافضين بالمطلق لهذه الكيانات الإرهابية، التي تعتمد على تحقيق أهداف داعميها على بث دعايات مضللة في حرب إعلامية ونفسية تقودها كبرى الوسائل الإعلامية العربية والعالمية بماكينة فاعلة كان لها أثر كبير في دخول العاصمة الاقتصادية للمرة الثانية، حيث عمد هؤلاء الإرهابيون سواء من دخل بعد الهجوم الإرهابي بالمفخخات أو من الخلايا النائمة في المدينة ممن عمدوا إلى إخفاء وجوههم إلى أخذ لقطات مصورة سريعة لإثبات وتأكيد احتلالهم المدينة خدمة لمشغلهم، عدا عن مسارعة بعض هذه المجموعات الإرهابية إلى الدخول إلى الجوامع والتكبير في دعوة للجهاد، الذي يفترض أن يكون في فلسطين المحتلة، التي يباد شعبها في غزة على يد العدو الصهيوني، الذي يعد الوجه الآخر للجماعات الإرهابية التكفيرية.
حرب نفسية
الحدث ترك أثره النفسي على أغلب أهالي حلب المنتجين والمحبين للحياة، لم يؤدِ حكماً إلى زعزعة الثقة بجيشهم الذي عمد تكتيكياً إلى انتشار قواته حرصاً على سلامة الجنود والمدنيين، واتخاذ الإجراءات المطلوبة في الوقت المناسب لصد ودحر العصابات الإرهابية من مدينة حلب وإرجاعها إلى طابعها الإنساني والاقتصادي والاجتماعي، وليس تحويلها إلى مدينة أشباح خالية من الحياة والحركة يتجول فيها مسلحون متطرفون، وكدليل على هذه الثقة إيمان الحلبيين بأن الجيش العربي السوري سيعيد تصحيح ما حصل ويطرد الإرهابيين من مدينتهم، التي اضطرت عائلات تقدر بالآلاف إلى مغادرتها، فور سماع الخبر الصادم مع الاكتفاء بأخذ الاحتياجات الضرورية لإعانتهم على عيش مرارة التهجير مرة ثانية، بينما ظلت عائلات كثر حبيسة البيوت خشية بطش وإجرام مسلحي «النصرة» وباقي التنظيمات الإرهابية المتعددة الولاءات والانتماءات.
الحرب الإعلامية النفسية كانت الحاضر الأكبر في تسهيل دخول المسلحين إلى حلب قبل حصول أي خروقات فعلية، فيما كان يواصل الجيش العربي السوري حربه ضد تجمعاتهم، بادرت بعض المجموعات الإرهابية في الانتشار ونشر المقاطع المصورة بشكل مباشر في الأحياء والمراكز الأساسية على وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كساحة سعد الله الجابري ودوار الباسل والجميلية والفرقان وغيرها، بغية بث الرعب في نفوس الأهالي وتأكيد احتلالها وسيطرتها الكاملة على المدينة إعلامياً، بينما كانت على أرض الواقع لا تزال تحت سيطرة الدولة السورية وجيشها.
تبيض صفحاتهم
وقد شاهدنا نحن من يسكن مدينة حلب حقيقة هذا الأمر فعلياً، فمثلاً كانت كل مجموعة مؤلفة من عدد من المسلحين يدخلون إلى منطقة ما يلتقطون صوراً ومقاطع مصورة توثق أحاديثهم مع المواطنين وأصحاب المحال التجارية عند شرائهم بعض الاحتياجات بالعملة التركية أو الأميركية وخاصة الأطعمة ويبادرون إلى اصطناع أحاديث ودية لطيفة مع دفع ثمن الأشياء المشتراة في محاولة لتبييض صفحاتهم السوداء وكسب ثقة أهالي حلب والاحتماء بهم، وهو طبعاً لم يتحقق في ظل الصورة القاتمة المعروفة من قطع الرؤوس والفكر المتشدد، الذي لا يصلح أو يتماشى مع فكر الدولة العلمانية في سورية ذات النسيج الاجتماعي المتعدد.
مصادر أهلية وإعلامية في حلب فضلت عدم ذكر اسمها خوفاً من إجرام الإرهابيين، تحدثت لـ«تشرين» عن ممارسات هذه المجموعات المسلحة وتجولها في أحياء حلب والاستمرار في بث مقاطع مصورة في مختلف أنحاء المدينة لحد الآن، للتأكيد على احتلالهم العاصمة الاقتصادية تنفيذاً لرغبة مشغليهم، مشددين على أنه لولا اعتمادهم على الإعلام المشبوه والتخطيط المدعوم من داعميهم ما كانوا ليحققوا هذا الهدف الساعين له منذ سنوات طويلة، آملين أن يتمكن الجيش السوري في وقت قريب من طرد هؤلاء الإرهابيين ودحرهم وتخليص كل سورية وليس فقط حلب منهم
محاولات مكشوفة
واعتبرت المصادر أن ما يحاول أن يقوم به المسلحون من الاتصال بأهالي حلب عبر الهواتف للسؤال عن طلباتهم وتلبية احتياجاتهم وتأمين الكهرباء بصورة مستمرة وغيرها من الممارسات غير المألوفة عنهم هدفها تحسين صورتهم البشعة، ما هي إلا محاولات مكشوفة بأهالي حلب، الذين لا يتقبلونهم ويثقون بجيشهم فقط ويرجون بسطه سيطرته على كامل مدينة حلب وعودة عمل كل مؤسسات الدولة وخاصة التعليمية مع إن هذه المجموعات تفضل الجهل والفكر المتطرف على التعليم والتحضر.
وفي هذا الإطار يؤكد الكاتب والمحلل السياسي ميشيل كلاغاصي لـ«تشرين» أن ما حصل في حلب ليس وليد اللحظة وإنما مخطط له منذ سنوات بدعم تركي وأميركي وأوكراني وفرنسي، وإن كانت أميركا الحاضر الأكبر لخدمة لمصالح «إسرائيل»، حيث استطاعت ترتيب مصالحة بين المجاميع الإرهابية وخاصة «القاعدة» والادعاء أنها «معارضة سورية» بغية الحصول على حصتهم من الكعكة السورية.
استيعاب الصدمة
وأشار كلاغاصي إلى سلاح القوى المتمثل بالإعلام، الذي ساعد العناصر الإرهابية المتشددة على سرعة دخول مدينة حلب واحتلالها، مشيراً إلى أن الجيش العربي السوري، الذي يثق به كل السوريين قادر على تحرير حلب كما حررها في وقت سابق، وخاصة أنه استوعب الصدمة وبدأ في الاستعداد للهجوم المعاكس عبر استرجاع عدد من المناطق في ريف حماة بعد دخول المسلحين إليها بالاعتماد على الترويج الإعلامي ونشر سيل من الأكاذيب أيضاً.
وشدد كلاغاصي على ضرورة استرجاع مدينة حلب بأسرع وقت ممكن قبل تثبيت المجموعات الإرهابية وجودها فيها حرصاً على أرواح المدنيين وكيلا تضطر إلى دفع أثمان أكبر تستطيع تفاديها في ظل الدعم العربي والدولي لها ضد التنظيمات الإرهابية المهددة للسلام والاستقرار الإقليمي والدولي.