الضفة الغربية تُعيد الصراع إلى جذوره.. تصدٍّ للاحتلال وتصعيد في العمل المقاوم.. الكيان أمام تحدٍّ خطر والكوارث تتفاقم
تشرين- هبا علي أحمد:
البارز من خلال التصعيد الإسرائيلي المتواصل لليوم الخامس على التوالي في الضفة الغربية المحتلة، أن أبواب الجحيم الإضافية فُتحت على كيان الاحتلال، وإن كان القرار للعدو بتحديد عمليته العسكرية «المخيمات الصيفية» ضد الضفة، فالواضح من مسار الحدث وتصعيد العمل المقاوم أن العدو ذاته لن يُدرك تاريخ النهاية، ولاسيما مع عودة العمليات الاستشهادية التي تُمثل سلاحاً استراتيجياً للمقاومة الفلسطينية، كما إن السردية الصهيونية حول حسم الصراع، حوّلتها المقاومة إلى رهان خاسر من خلال إعادة الصراع إلى جذوره، وبالتالي وضع الكيان أمام المزيد من التحديات الأمنية والعسكرية وتدفيعه الأثمان من جراء سياسات الإبادة الممنهجة التي يُمارسها ضد الشعب الفلسطيني.
السردية الصهيونية حول حسم الصراع حوّلتها المقاومة إلى رهان خاسر من خلال إعادة الصراع إلى جذوره وبالتالي تدفيع الاحتلال الأثمان
جبهة الضفة
إذاً، فُتحت جبهة الضفة، وهي أساساً مفتوحة مُنذ ما قبل السابع من تشرين الأول من العام الماضي، كما أنها أساس الصراع وجوهره، وبيئة أساس في العمل المقاوم، ومُرشحة للانفجار الكامل، كما أنه خلال الأشهر الماضية طوّر المقاومون في الضفة إمكانياتهم وأدوات المواجهة، وكلما استشهد عدد من المقاومين انضم آخرون.
.. ومرة جديدة أخطأ العدو في حساباته، وهو إن ظن أن العدوان على غزة، وتدمير البنية التحتية وتجريف الشوارع ومداخل المدن في الضفة الغربية لتحويل المقاومة إلى عبء على الفلسطينيين، سيكون عاملاً أساسياً في انكفاء العمل المقاوم.. أتاه الرد سريعاً، إذ أدرك الكيان أن إنهاء أي حالة مقاومة في الضفة الغربية ومنع تطورها وتعاظمها وانتقالها إلى مناطق أخرى، هو من المستحيلات، فخلال ثلاثة أيام شهدت الضفة ثلاث عمليات نوعية للمقاومة، كان آخرها، عملية إطلاق نار في الخليل، صباح اليوم، أسفرت عن قُتل ثلاثة عناصر من شرطة الاحتلال، في حين انسحب منفذو العملية بسلام. وتأتي هذه العملية على الرغم من الاستنفار الإسرائيلي الأمني الكبير في المنطقة وفرضه حصاراً عليها، بعد ساعات من تنفيذ عمليتين استهدفتا مستوطنتي «غوش عتصيون» و«كرمي تسور» قرب الخليل، جنوب الضفة الغربية، تخلّلهما تفجير سيارات مفخّخة واشتباكات، ما أدّى إلى إصابة 4 إسرائيليين من بينهم قائد منطقة لواء «عتصيون».
عمليات المقاومة في الضفة سجلت تصعيداً خطراً وفتح جبهة ثالثة يُعد تحدياً مركزياً لـ«إسرائيل»
وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أنه حتى قبل عملية اليوم، فإنّ عمليات المقاومة في الضفة الغربية سجلت تصعيداً خطراً في الأيّام الأخيرة، والتطورات تُعيد «إسرائيل» إلى أيام الانتفاضة الثانية، وأضافت: بسبب الوجود الكبير لجيش الاحتلال في قطاع غزة وعلى الحدود الشماليّة مع لبنان، خشيةً من هجومٍ ثانٍ لحزب الله، فإنّ فتح جبهةٍ ثالثةٍ يُعد تحدياً مركزياً لـ«إسرائيل».
عمليات المقاومة
وتواصل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً في مدينة جنين ومخيمها، محققةً إصابات مباشرة في صفوفها، وموقعةً أفرادها بين قتلى ومصابين.
وأعلنت كتيبة جنين في «سرايا القدس» استهدافها قوات الاحتلال بزخات من الرصاص في محاور القتال، إلى جانب تمكنها من تفجير عدد من العبوات الناسفة في الآليات العسكرية الإسرائيلية في محاور القتال، مشيرةً إلى إيقاع إصابات مؤكدة، وفي عملية مشتركة أوقعت الكتيبة ومعها كتائب الشهيد «عز الدين القسّام»، قوةً إسرائيليةً راجلة في كمين محكم في محور حي الدمج، موقعةً أفرادها بين قتيل ومصاب.
وفي حي الدمج أيضاً، خاضت كتائب «شهداء الأقصى» بالأسلحة الرشاشة اشتباكات ضارية ضدّ قوات الاحتلال، وفجّرت عدداً من العبوات بالآليات العسكرية الإسرائيلية، محققةً إصابات مباشرة في صفوف الجنود، وأكدت الكتائب خوضها اشتباكات عنيفة ضدّ القوات الإسرائيلية في مدينة جنين ومخيمها، بالأسلحة الرشاشة والعبوات المتفجرة.
تجدر الإشارة إلى أن عملية «رعب المخيمات» التي أطلقتها المقاومة في الضفة لمواجهة «المخيمات الصيفية» أبلّغ رد على كيان الاحتلال، الذي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية باستهداف المخيمات بما تمثله من رمزية في جوهر القضية، ومن المعروف أن إنسان القضية موجود في المخيم، والقضية الفلسطينية نفسها في المخيم، لذلك يسعى الاحتلال إلى السيطرة على الضفة وبالتالي إلغاء المخيمات، من هنا أتى الرد الأبلغ من المقاومة عبر عمليتها ببقاء المخيمات والقضية والمقاومة.
الكوارث تدفن «إسرائيل»
بات واضحاً أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يبحث عن استمرار البقاء في السلطة، لذلك ينتقل من معركة إلى أخرى، ومن تصعيد إلى آخر، إذ يرى أن بقاءه في السلطة مرهون باستمرار هذا الصراع، كما يريد من خلال عملية الضفة، كما يرى الخبراء، إيصال أكثر من رسالة في سياق «طمأنة للجبهة الداخلية المتزعزعة، ورسالة للأميركيين والدول الأوروبية بأن أمنها مستهدف بالضفة».
نتنياهو يُخطِّط من خلال حكومته السادسة التي انطلقت قبل عشرة أيامٍ لتدمير كل مؤسسات «إسرائيل»
لكن لم يُفلح نتنياهو بطمأنة الجبهة الداخلية التي ثارت أكثر في أعقاب استعادة جثث 6 أسرى إسرائيليين في نفق بمنطقة رفح جنوب قطاع غزة، من بينهم الأسير الإسرائيلي الأميركي، هيرش غولدبرغ بولين، وأكدت المقاومة مقتلهم نتيجة استمرار القصف الإسرائيلي على غزة.
ومع استعادة الجثث، تزداد مآزق نتنياهو الاستراتيجية والنقمة الداخلية عليه، مع توجيه التهم إليه وتحميله مسؤولية موتهم، كما أن الحدث زاد من انقسام الجبهة الداخلية المنقسمة أساساً، وأثار عاصفة سياسية.
وقال منتدى الأسرى وعائلات المفقودين: إنّ الأسرى الستة الذين انتشلت جثثهم من قطاع غزة كانوا سيبقون على قيد الحياة لو توصلت حكومة بنيامين نتنياهو إلى اتفاق مع «حماس» لاستعادتهم، وتوجّه المنتدى إلى نتنياهو بالقول: “كفى أعذاراً.. لقد حان الوقت لإعادة الأسرى.
بدوره، اتّهم زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، الحكومة بقتل الأسرى، قائلاً: بدلاً من عقد صفقة يمارسون السياسة، وبدلاً من إنقاذ الأسرى يقومون بدفنهم، وبدلاً من بذل كل ما في وسعهم لإعادتهم يبذل نتنياهو كل ما في وسعه للبقاء في السلطة، مضيفاً: حكومة الكوارث تدفن «إسرائيل».
وفي الإطار ذاته، قال مسؤول إسرائيلي مشارك في مفاوضات وقف إطلاق النار لـ«تايمز أوف إسرائيل»: إنّ استعادة الجيش الإسرائيلي في نهاية الأسبوع جثث الأسرى الستة الذين كانوا على قيد الحياة حتى وقت قريب، هو أحدث دليل على أنّ الضغط العسكري من دون مبادرة دبلوماسية موازية يحكم على الأسرى بالموت.
الصراع الصهيوني ضد الفلسطينيين خاسِر وسيؤدي إلى زوال «إسرائيل» في نهاية الأمر
ويأتي ذلك وسط اعتقاد مسؤولين أمنيين إسرائيليين بأنّ أسرى آخرِين سيعودون قتلى من قطاع غزة، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إنقاذهم قريباً، حسبما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال».
وفي السياق، أشارت صحيفة «هآرتس» إلى أنّ نتنياهو يُخطِّط من خلال حكومته السادسة، التي انطلقت قبل عشرة أيّامٍ، لتدمير كل مؤسسات «إسرائيل» وتحويلها بدعمٍ من الائتلاف الذي يدعمه إلى «مملكة إسرائيل الأولى» القائمة على ديكتاتورية الفوقية اليهودية، فيما حذّرت «يديعوت أحرونوت» من أنّ المجتمع الصهيوني اليهودي بات منقسماً على نفسه و«إسرائيل» ليست مكاناً للطمأنينة، في حين قال المؤرخ العسكري الإسرائيلي مارتين فان كارفيلد: إنّ الصراع الصهيونيّ ضدّ الفلسطينيين خاسِر وسيُؤدّي إلى زوال «إسرائيل» في نهاية الأمر.