عرف اجتماعي بات يشكل عبئاً.. “النقطة” عادة بالية فقدت أهدافها مع الضغوط المعيشية..!

تشرين – حسيبة صالح:
النقوط والهدايا ركن أساسي في مناسبات السوريين المختلفة من (زفاف – ميلاد – نجاح)، ينتشر في الأوساط الشعبية والأرياف أكثر من المدن، والغاية الرئيسية منه هي إظهار الحب والامتنان والاهتمام، فهي عطايا من القلوب وضمان لاستمرار العلاقات الاجتماعية والمحافظة عليها، ولكل مناسبة هدية تختلف بالشكل والمضمون وتترك أثراً طيباً يبعث المحبة.
ضمن الظروف الاقتصادية الصعبة في الوقت الراهن أصبحت تقاليد الهدايا تزيد من الضغط المالي على العائلات، ولكن رغم التحديات الاقتصادية تستمر العادات والتقاليد في البقاء، فهي في الغالب من الهوية الثقافية والاجتماعية وتساعد في تعزيز الروابط بين الأفراد والعائلات وهي وسيلة للحفاظ على الأمل والتفاؤل.

رمزية
تقول ثناء رسوق لـ”تشرين”: تربينا على أن يسأل الأقارب في المناسبات مثل الزواج عما يحتاجه العروسان لتجهيز منزل الزوجية، وإهدائهم ما يحتاجون إليه سواءً كان قطعاً من الأثاث أو الأجهزة الكهربائية أو حتى مبلغ من المال، ليشتروا به ما يحتاجون إليه، ولكن بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة تحولت الهدايا في أغلبها إلى هدايا رمزية مثل (طقم فناجين – صحون)، وهذه الهدايا نوع من أنواع المحبة والتضامن.

خبير اجتماعي: في عصرنا غدت الهدايا موضة اجتماعية وعملية استعراض يزهو بها الغني وتثقل كاهل الفقير

سداد ودين
“سداد ودين”، هكذا تطلق رنا قصاب على هدايا الزواج والنجاح أو غيرهما، وتضيف قصاب: هي عادة قديمة ومتوارثة تعني أهديك اليوم لتهديني غداً، وتختلف قيمة الهدايا حسب الشريحة الاجتماعية، وحسب القرابة، وهي في الآخر نوع من الترابط في العلاقات الإنسانية، ولكن في هذه الظروف أصبحت هذه العادات تشكل عبئاً كبيراً، مثلاً كان زفاف أخي في السنة الماضية اضطررت لبيع غسالتي من أجل “النقوط”، وبما أنني أعمل خيّاطة، اشتريت أقمشة البرادي والشراشف وقمت بخياطتها لأساهم بشيء بسيط في تخفيف عبء نفقات الزواج على أخي.

التخرج والنجاح
مناسبات التخرج والنجاح العائلات تشعر بضرورة تقديم الهدايا تعبيراً عن الفخر والاعتزاز، تشتكي منى الهاشم لـ”تشرين”: ولكن أصبحت هذه المناسبات عبئاً إضافياً على ميزانيتنا المحدودة، كما أصبح في هذه المناسبات الكثير من البذخ حتى الهدايا مثل الشوكولا والكاتو، والتي كانت تعتبر هدايا بسيطة صارت أسعارها مرتفعة جداً، فسعر قالب كاتو يعبر عن مناسبة النجاح سعره حوالي ٥٠٠ ألف ليرة سورية.
ودعت الهاشم إلى التركيز على المكافآت المعنوية مثل الثناء والتقدير والاحتفال بطرق بسيطة، هذه الطرق ممكن أن تكون مؤثرة في تعزيز الواقع الداخلي والرضا الشخصي.

“تهادوا تحابوا”
وفي السياق يبين الدكتور وجيه الشيخ دكتور علم الاجتماع في كلية العلوم السياسية في دمشق لـ”تشرين”، أن تبادل الهدايا في المناسبات الاجتماعية المختلفة، يعد من العادات والأعراف الاجتماعية المتوارثة عبر الأجيال، فقد اعتاد الناس عبر مراحل التاريخ المختلفة تقديم الهدايا والنظر إليها كضمان لاستمرار العلاقات الاجتماعية والمحافظة عليها كشكل من أشكال التفاعل الاجتماعي المحمل بالمعاني التي تعمل على تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع وإحدى الوسائل المهمة في تحقيق التضافر والتعاضد.
ويضيف الشيخ: الواقع أن الهدايا مهما كان نوعها رمزية كانت أم مادية تبعث السرور في قلوب الناس والنظر إليها يختلف باختلاف الأذواق والثقافات والعادات الاجتماعية، وينسب إلى الجاحظ قوله: (الهدية تجلب المودة وتزرع المحبة وتخفي الضغينة ويصير البعيد قريباً والعدو صديقاً والثقيل خفيفاً)، وقد ورد في الحديث الشريف (تهادوا تحابّوا)، وذلك للتدليل على أهمية الهدية وتأثيرها في عملية الترابط والتماسك الاجتماعي.
ويؤكد الشيخ أن من الهدايا ما هو رمزي، يحمل دلالة ومعنى كتقديم الورود مثلاً ومنها ما هو مادي كالمقتنيات من السلع والمال والعطور وغيرها.. تطور الحياة الاجتماعية وتزايد تعقيداتها عدت الهدايا الالتزامات اجتماعية وواجبات تقتضي التنفيذ، فتقديمها لم يعد طوعياً واختيارياً وتابعاً لإمكانية الشخص وقناعته، إنما أصبح تقديمها ملزماً ومفروضاً تمليه الأعراف والعادات والتعامل بالمثل، في عصرنا غدت الهدايا موضة اجتماعية وعملية استعراض يزهو بها الغني، وتثقل كاهل الفقير وتشعره بحالة من الإحباط يجد نفسه فيها عاجزاً بين واقع قاس ومرير، وبين متطلبات اجتماعية لا يقدر على تحقيقها، ويزيد هذا الشعور بالإحباط إذا ما لازم هذا الفرد الشعور بأنه مدين لغيره ممن قدم له الهدايا ولا يقدر على الرد بالمقابل وهذا الشعور الذي يرافقه تأنيب الضمير في العادة يجعل الفرد عرضة للتأزم الفكري والنفسي وحتى الجسدي تنعكس آثاره على حياته العامة والخاصة.
ويؤكد الشيخ من المنطق القول أنه لا يجوز أن تتحول عملية تقديم الهدايا في المناسبات مهما كان نوعها، إلى حالة اجتماعية من التباهي والزهو والافتخار عند من يملك، وحالة على نقيضها عند من لا يملك، تشعره بالكره والحقد والسخط، وعند ذلك تتحول مسألة الهدايا من حالة صحية تساهم في عملية التماسك والترابط الاجتماعي إلى حالة مرضية تترك آثاراً ضارة على الصعيد الفردي والاجتماعي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار