ملف «تشرين».. «تهجير سكان غزة إلى سيناء».. وثيقة تكشف تأسيس حركة تسمى “مقر الاستيطان- قطاع غزة”
تشرين- يسرى المصري :
وما أدراك ما خفايا الإعلان عن تهجير سكان غزة إلى سيناء.. الأمر لم يكن مجرد كلام تتناقله مواقع التواصل وإنما وثائق بدأ الكشف عنها تباعاً، وثمة أسئلة لا بد منها، فهذا الكم الكبير من التدمير للأبراج السكنية ومحو أحياء بأكملها والمستشفيات والمساجد والكنائس.. أليست بقصد تهجير سكان غزة ؟! أليس بمستغرب أن يُعاد الحديث عن هذا الموضوع رغم الرفض المصري قطعياً لهذا الموضوع؟
مؤخراً كشفت وثيقة، قالت صحيفة Calcalist (الإسرائيلية ) إنها حصلت عليها، أن وزيرة الاستخبارات (الإسرائيلية)، جيلا غامليل، اقترحت نقل سكان قطاع غزة إلى سيناء في مصر بنهاية الحرب، مؤكدة بذلك على مساعي «تل أبيب» لتهجير سكان القطاع، وهو ما يُقابل برفض فلسطيني وعربي واسع. الصحيفة ذكرت أن الوثيقة التي حصلت عليها تحمل شعار وزارة الاستخبارات، وتستخدم في المناقشات الداخلية بين الوزارات الحكومية.
الوثيقة السرية تم تسريبها بقصد وبنيات مريبة، حيث أشارت الصحيفة إلى أنه ليس من المفترض أن تصل الوثيقة إلى عامة الجمهور، لكنها وصلت إلى مجموعة تعمل حالياً على تأسيس حركة تسمى “مقر الاستيطان- قطاع غزة”، وهدفها إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة.
التطرف الإسرائيلي ليس بجديد والدعوات لتهجير الفلسطينيين حلم لطالما راود إسرائيل، وسعت إليه، ولذلك فمن المحتمل أن هذه الوثيقة، التي ربما لن تؤثر في سياسة (الحكومة)، كُتبت لدعم الحركات المتطرفة الإسرائيلية وأهدافها، وبالتالي وصلت إليها أيضاً، وفي كل الأحوال يعد هذا استمراراً مباشراً للسياسة المتطرفة التي تعتمد عليها الحكومة منذ تشكيلها.
دول المنطقة لم تعد تقبلُ بفرض إسرائيل وأميركا خياراتهما وأولوياتهما مقابل الأولويات المحلية
وحسب خطط إسرائيل البعيدة المدى.. تتناول وثيقة (غامليل 3 ) بدائل لفترة ما بعد الحرب، لكن البديل “الذي سيؤدي إلى نتائج استراتيجية إيجابية وطويلة الأمد” هو نقل سكان غزة إلى سيناء.
وقالت الصحيفة: إن هذه الخطوة ستأتي على 3 مراحل: “إنشاء مدن خيام في سيناء جنوب غرب قطاع غزة، ثم إنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وأخيراً بناء مدن في شمال سيناء”.
وأضافت الصحيفة: “في الوقت نفسه تقام منطقة عازلة بعرض عدة كيلومترات داخل مصر جنوب الحدود مع إسرائيل، حتى لا يتمكن السكان المهجّرون من العودة”، فضلاً عن ذلك تدعو الوثيقة إلى التعاون مع أكبر عدد ممكن من الدول حتى تتمكن من استقبال الفلسطينيين المهجّرين من غزة وتزويدهم بالمساعدات.
وتتضمن الوثيقة أيضاً انتقاداً للرقابة الدولية، وتنص على أن هذه الخطوة أفضل من الخيارات الأخرى، لأن القتال بعد تهجير السكان سيقلل من أعداد (الضحايا)، وزعمت الوثيقة أيضاً أنه حتى قبل الحرب “أعرب العديد من سكان غزة عن رغبتهم في الهجرة”، حسب تعبيرها.
من جهتها أعربت مصر، عبر تصريح عالي اللهجة لرئيسها، عن رفض قاطع، وكشفت عبر أكثر من قناة أن مساعي إسرائيل لتهجير سكان قطاع غزة قُوبلت برفض مصري وأردني رسمي وشعبي، حيث قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: إن “خطوة كهذه ستحوّل سيناء إلى قاعدة لشنّ هجمات على إسرائيل”. ومع ذلك، وفقاً لوثيقة غامليل، “فمصر ملزمة بموجب القانون الدولي بالسماح بدخول السكان الفارين إليها”، حسب قولها.
ومع استمرار القصف والهجمات القاتلة على سكان غزة صدرت المزيد من الخفايا، وتم الإعلان عن مشروع التهجير عبر وزير الطاقة (الإسرائيلي) وعضو مجلس الوزراء السياسي “الكابنيت” يسرائيل كاتس، الذي دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى فتح معبر رفح مع قطاع غزة وإدخال سكان القطاع إلى سيناء وإسكانهم.
وأضاف كاتس خلال مقابلة مع صحيفة “بيلد” الألمانية، نقلتها صحيفة “يسرائيل هايوم” الإسرائيلية: “نفضل أن يفتح السيسي رئيس مصر، معبر رفح الحدودي والسماح لسكان غزة بأن يبقوا في سيناء أطول فترة ممكنة”.
وبالرغم من رفض الرئيس المصري هذه الفكرة علناً في أكثر من مناسبة، إلا أن الوزير (الإسرائيلي) قال: إن هناك اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل ولهذا قبلت إسرائيل قرار رفضه، مضيفاً: “إن جنوب قطاع غزة – في إشارة إلى مدينة رفح المصرية – توجد منطقة بمساحة لا قنابل فيها، ومن يبقى على قيد الحياة يجب عليه أن يذهب إلى هناك من دون أن يصاب بأذى، وهذا هو المكان الذي يجب أن تذهب إليه المساعدات الإنسانية”.
من جانبه، حذّر وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، من أن أي تحرك من إسرائيل لفرض تهجير جديد على الفلسطينيين سيدفع المنطقة كلها نحو “الهاوية”.
موقع صحيفة “الغد” الأردنية نقل عن الصفدي قوله أيضاً: إن “تهجير الفلسطينيين خط أحمر، وسنتصدى له، وإن الحرب المستعرة على غزة يجب أن تتوقف”.
كذلك أعلنت السعودية عن رفضها القاطع لدعوات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من غزة.
إعادة صياغة مستقبل غزة
وحول اعادة صياغة مستقبل غزة، نشرت صحيفة «التايمز» مقالاً لوزير الخارجية البريطاني السابق، وليام هيغ، بعنوان “الدول العربية يجب أن تشارك في إعادة صياغة مستقبل غزة”.
ولفت هيغ إلى أن هناك اتجاهاً يرى أنَّه على الجميع اليوم أن يحكّم العقل، ويفكّر في الأمور بمنطق المصلحة العالميّة، خاصةً أنَّ أمامنا تحدياتٍ عالميةً لا يمكن مواجهتُها بشكل منفرد أو عبر التنافس مثل تغيّر المناخ، واحتياجات تمويل التنمية العالميّة. في ظلّ هذا التوجه يمكن أن تنشأ قوى وأطراف دولية ترى أنَّه لابدَّ من إجبار (إسرائيل) على الخضوع أو الوصول إلى تسويات وحلول وسط، وإلا ستكون أميركا والنظام العالمي وليس الدولي، هو الثمن الذي سيدفعه الجميع.
إنَّ اتجاهات إسرائيل اليوم تحرم بعض الدول من الاندماج في المجتمع الدوليّ بعرقلة أي انفتاح عليها، وتمنع المِنطقة من الاندماج والتكامل الداخلي، وبالتالي إيجاد فرص للنمو والاستقرار بدلًا من كونها – أي المنطقة- عاملًا لعدم الاستقرار العالميّ، بما يمنع المنطقة من الاندماج العالمي، وأداء دورها بسلاسة ويُسر ضمن المنظومة العالميَّة.
ورأى هيغ أنّ ما يحدث اليوم يتطلب من (إسرائيل) البدْء بعملية ترتيب موسّعة، فمن الصعب أن تكون الأمور ميسّرة، حيث تحتاج (إسرائيل) لإعادة بناء منظومتِها الأمنية في أبعادها الثلاثة: (الأمن الداخلي، واستعادة الثقة في النظام والمنظومة وإنهاء الخلافات السياسية، وإعادة تنظيم المناطق الفلسطينية)، إلى جانب جهودٍ كبيرة للغاية، نعتقد أنَّها ليست في قدرة (إسرائيل) اليوم. فإعادة بناء منظومة الأمن الإسرائيلي اليوم هي عمليَّة طويلة الأمد قد تأخذُ على الأقل من سنة إلى 5 سنوات، لأن على (إسرائيل) أن تفهم بشكل أدقّ التحولات في المنطقة حولها، حيث لم تعد المنطقة بسهولة تقبلُ بفرض (إسرائيل) وأميركا خياراتهما وأولوياتهما، في مقابل الأولويات المحلية التي لم تعد تمتلك فائضَ جهد أو قدرات للتعامل مع كل ذلك.
دول المِنطقة باتت ترى في التكامل الإقليمي من مداخل اقتصادية- أساسًا- خياراً أساسياً، وتحاول لمْلمة ما يمكن لملمتُه لتجاوز الانهيار التام. لا أملَ لأي دولة في المنطقة الآن للنجاة من خلال عمل منفرد رغم كل الخلافات القائمة.
ومن ناحية أخرى، فإنَّ استيعاب تكلفة الأمن الرخيص بالاعتماد على أميركا اليوم لم يعد خياراً أساسياً، لأنّ أميركا الآن باتت تبحث عمن يضيف إلى قوتها لا أن يستنزفها أكثر. مشكلات من هذا النوع قد تؤدي للتساؤُل عن حدود قوتها في توفير الأمن لشركائِها، فهناك حدود لقدرتها على تجديد قدراتها وتعويض هذه المدفوعات والخدمات من خلال النظام الدولي القائم الذي بات المنافسون الصاعدون فيه أكثر خَنقاً له.
وخلص هيغ إلى أن قدرة الفلسطينيينَ على الصمود في غزة، ومواجهة اجتياح بَري هما من سيرسم مستقبل المنطقة . وفي الوقت ذاته توسيع دائرة الحرب سواء في داخل (إسرائيل) أم عبر مسارات جديدة.
من ناحية أخرى، فإنَ موقف المجتمع الدولي والقوى في المنطقة من خيارات (إسرائيل): خيار الحسم أو التمسك بحلّ الدولتين أو قبول فرض (إسرائيل) رؤيتَها، قد يمثل تحدياً كبيراً لفرص الاستقرار في الشرق الأوسط وما حوله، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه وبقاء القضايا معلقة.. هذه المواقف هي محدد مهم. ولدى العرب فرصة اليوم لتوظيف الحدث لمصلحة رؤية حلّ الدولتَين كحل يمكن من خلاله إنقاذ المنطقة من الدخول في دُوّامة صراع يهدد محاولات المنطقة لتجنُّبَ الانهيار والبحث عن طريق للتعافي من خلال مسارات التعامل الإقليمي الذي سيصبح صعباً أو يصعب ضمان استمراريته في حالة فرض (إسرائيل) رؤيتَها التي ستتحوّل إلى عبء كبير على دول المنطقة.
ويقول هيغ: “الشرق الأوسط الجديد المطلوب يقتضي تدمير الافتراضات القديمة والتمسك بالفرصة، وتجنب العداوات التاريخية والخلافات التي لا يمكن حلها بين الأجيال”.
ويختم هيغ بالقول: إن ما يجب طرحه هو مدى إمكانية وجود وقت إضافي، ومشاركة الدول العربية في اتخاذ القرارات بالنسبة لغزة، لأن حل المشكلة لم يعد ممكناً للغرب بمفرده، والعالم العربي الآن يمر بفترة تغيرات كبرى تمكنه من القيام بدور أكبر في حل القضية الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: