«الخروج إلى الداخل» صدمة النفس البشرية بالواقع المعاش 

ميسون شباني:

أعباء الحياة وضغوطاتها، إرهاصات نفسية تتراوح بين السعادة والألم، الفرح، الحزن.. عتبات مختلفة في دواخل النفس البشرية تنعكس على العلاقات الإنسانية عبر شخصيات تجد نفسها في واقع مأزوم، وتحاول هذه الشخوص البحث في الأسباب التي أوصلتها إلى هذا الوضع، ما يدخلها في متاهات خطرة حافلة بالعبث والفوضى والاختلال النفسي والعاطفي، ومحاولة مقاومة ما يحصل…هذا ما تحاول الكاتبة والمخرجة لوتس مسعود رصده عبر فيلمها الاحترافي القصير (الخروج إلى الداخل) من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وتمثيل كل من: يزن الخليل، تيسير ادريس، ريموندا عبود، حمادة سليم، أمير برازي، وأمينة عباس.

يحكي الفيلم قصة شاب ثلاثيني يخرج من مصحة نفسية في بداية الفيلم كي يعود إلى منزله بعد انتهاء فترة علاجه في المصحة وتعافيه، وخلال هذا اليوم الذي يقضيه الشاب في العاصمة قبل أن يعود إلى منزله بسبب عدم تواجد أحد هناك وعند ذهابه للمرة الأولى، يكتشف ما آلت إليه هذه المدينة من فوضى وأحداث جنونية لا تمت للمنطق بصلة من جهة وأحوال القاطنين في المدينة وتصرفاتهم وأفعالهم وحتى طريقة كلامهم من جهة أخرى والتي تجعل هذه المدينة بكل ما فيها تجمعاً كبيراً لأشخاص لا ملاذ لهم للفرار من هذا الجنون كله سوى المصحة التي خرج منها الشاب في بداية الفيلم.

حالة متكاملة

حول الفيلم والاشتغال على الشخصيات ببعدها النفسي والإنساني، تقول لوتس لـ”تشرين”: إن الشخصيات هي عبارة عن حالات أكثر مما هي شخصيات بحد ذاتها، ونحن لا نقدم حالة شخصية محددة، بل نقدم حالة متكاملة وصل إليها الناس نتيجة العشوائية والعبث .. ورصدت هذه الحالات عبر شخصية (آرام) والذي كان بالنسبة لي وسيلة لتسليط الضوء على شريحة وحالة كاملة بهذا البلد رصدت عبره عدم القدرة على التأقلم مع متغيرات غير منطقية ومؤلمة وقاسية لكل واحد فينا مع ظروف عبثية تشبه طبيعة الفيلم مع بعض مشاهده وبعض مراحله ونقلته عبر آرام وغيره من الشخصيات الذين لم أعتمد في كتابتهم على أسلوب تقليدي في بناء الشخصية بل كانت كل شخصية أكتبها استخدمها كوسيلة كي تكون هي انعكاس لحالات وظواهر موجودة في المجتمع وهناك شخصيات إذا تمت قراءتها ببعد ثانٍ فهي عبارة عن ظروف نمر بها ونعيشها..

مادة مغرية فنياً

وعن أهمية الغوص بالنفس البشرية سينمائياً تقول لوتس: أنا من الأشخاص المنحازين إلى الإنسان في الفن ككل إن كان بالسينما أو المسرح أو التلفزيون، مع المواضيع التي تدخل في كواليس النفس البشرية وتحاول سبر أغوارها، فالإنسان أكتر مادة مغرية وغنية يمكن استخدامها فنياً، ومهما دخلنا في جوانب هذا الكائن ككيان كامل يبقى مليئاً وغنياً بعوالم وجوانب ومشكلات وهموم وقضايا أكبر من أن تنتهي، وأنا تغريني الأفلام التي تتحدث عن الإنسان ومكنوناته النفسية والبشرية، وأهم شيء البحث في جوانب ودواخل هذا الإنسان كي نطرحها ونعالجها بطرق معينة سواء عبر السينما أو التلفزيون.

هامش من الدقة والحساسية

وبخصوص صعوبة هذا النوع تضيف لوتس: نحن نسير على خيط رفيع من جهة الدقة في توصيف هذا النوع من الحالات النفسية، فلا نستطيع القول إن مجرد دخوله إلى المصحة النفسية تسبب بذلك بل الخروج منها هو ما تسبب بذلك، وتستكمل بأن الخوض فنياً في تجربة الكتابة عن حالة نفسية معينة يجب أن يكون مطلعاً على مظاهر هذه الحالة نتائجها وعواقبها وأسبابها حتى يستطيع أن يكتب فعلاً لهذه الشخصية فأي كلمة يجب أن تكون مسوغة من منطق هذه الشخصية وليس منطقياً ككاتبة، لذلك فهو صعب بهذا الهامش من الدقة والخطورة والحساسية العالية التعاطي مع هذا النوع من الشخصيات مع أفعالها وردود أفعالها ومع كل شيء حولها، فالجانب الفني له علاقة بطرح هكذا حالة والتي تتسم بالدقة والحساسية، وأعتقد أن طرح قضية نفسية بهذه الحساسية قد تكون مملة للبعض، لذا حاولت أن أطرح هذا الشيء بشكل قريب من الجمهور وبشكل ممتع وليشعر المتلقي بأنه قريب منه بأسلوب السهل الممتنع.

وعن مدى نجاح ما كتبته ورقياً في تنفيذه بصرياً؟ تجيب لوتس: سبب اندفاعي لإخراجه كان من منطلق أنني شكلت تصوراً في مخيلتي أثناء كتابته بكل تفاصيله، وحاولت عند تنفيذه أن أنفذ هذا الشيء كما تصورته وأن أترجم كل ما فكرته وأن أنفذه بصرياً، وحالياً نحن بالمونتاج الذي هو إخراج ثانٍ للفيلم وأتمنى أن يراه المشاهد بعين المخرج والكاتب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار