عبد المنعم عمايري: نحن في زمن نفتقد فيه الأخلاق والسبب الاستهلاك والاستسهال!
حوار: ميسون شباني:
هو ابن الشخصية التي يلعبه .. حالة فنية خاصة ونموذج لا يشبه أحداً، يبتكر المختلف ويحمل فكره الخاص ومنهجه المدروس الذي تجلّى في كل دور قدمه يمكن القول إنه صنع بعداً آخر للتمثيل ..
الفنان عبد المنعم عمايري بات الرقم الصعب في الدراما وآخر صعاليكها المميزين.. هكذا وصفوه ..
تنقل من فضاءات المسرح لعوالم التلفزيون إلى السينما، نجم لا يشبه أحداً، حائز الكثير من الجوائز في كل المجالات..
(تشرين) التقت الفنان عبد المنعم عمايري وكان هذا اللقاء خلال جولة قام بها في المعهد العالي للفنون المسرحية مستعيداً بعضاً من ذكرياته التي سرد بعضاً من تفاصيلها قائلاً:
هذا المكان الذي كنت أدرس فيه كان لدي إحساس أنني سأدّرس وأخرّج دفعة من الطلاب، فقد كنت الطالب والأستاذ في آن معاً … هذا المكان صقل لي موهبتي وطوّرها..
بهذه الكلمات اختصر الفنان عمايري علاقته بالمعهد، فثراء التجارب المسرحية كان حاضراً في أروقة المعهد، فتنقل بعينيه على بوسترات مسرحياته : “صدى، فوضى، سيليكون وتكتيك .. مكان أخذ أكثر من نصف عمره، صقل موهبته وثقافته واشتغاله على نفسه، ووجهته موهبته وملكاته الإبداعية إلى خط معين للاشتغال فيه، قد تكون رهبة المكان وذكرياته فيه ورائحته التي استنشقها في كل بقعة فيه فكل زاوية فيه تذكره بأيام جميلة ربما لن تتكرر ..
– كنت أستاذاً في هذا المكان وخرّجت الكثير من الفنانين الذين باتوا نجوماً في سماء الدراما السورية والعربية هل كانوا أوفياء لك؟
– هناك بعض الأوفياء والبعض الآخر كان جاحداً جداً للأسف، أنا ممثل ولست مخرجاً فقط ومراحل الحياة تمر.. وكانوا ممثلين صغاراً ولم يصدقوا الحالة التي أصبحوا يعيشونها، أنا خريج دفعة 1995 على يدي الفنان الكبير غسان مسعود الذي قام بتدريسي عام 1992، أكثر من 30 عاماً مرت وأنا مازلت وفياً لأن الوفاء طبعي وهكذا تربيت وحتى اللحظة عندما أرى الأستاذ غسان أقف احتراماً له، وأكن له كل التقدير، لأنه ساهم بصناعتي بشكل كبير، وهذا السلوك له علاقة بالوعي، وأنا لا أعتب على أحد لأنني لا أنتظر أن يردوا المعروف لأنهم لن يستطيعوا ذلك ، لأن ما قدمته صعب جداً أن يرد، وأتمنى لهم التوفيق من كل قلبي .
المسرح أولاً
– حتى الآن لم تركب موجة النجومية ومازلت على الأرض؟
– لأننا لم ندخل إلى هذه المهنة كي نصبح مشهورين ونبحث عن المال، بل دخلنا الوسط لأجل هدف فكري وإنساني وفني، المسرح أولاً، ولا أريد أن أكون مدعياً وطوباوياً، فقد عرض علي في السنة الثالثة مسلسل “ليل الخائفين” ورفضت العمل فيه رغم كونه فرصة لي كطالب، لكن كان موضوع التلفزيون آخر اهتماماتي إلى أن تخرجت في المعهد، وكان هدفي البحث والتطوير وعندما تخرجت كانت الفضائيات في أولها، والتراكم الذي حصل من الأدوار الكثيرة والمتنوعة، أتى إلى الناس خطوة بخطوة، حتى تشكلّت صناعة عبد المنعم فكرياً ومعرفياً، ولم تأت القصة على طبق من فضة بل جاءت نتيجة تجربة لها عمر ومعرفة طويلة جداً ولم نصل إلى هذا العمر إلا نتيجة تراكم وتجربة…
المعهد لا يعلّم التمثيل!
– كنت تردد بأن المعهد لا يعلّم التمثيل! ما قصدك بذلك؟
– وظيفة المعهد هو صقل هذه الموهبة وتطوير أدوات الممثل الذي سيدخل إلى هذا المكان يطور أدواته الشعورية والحسية العصبية الصوتية وكل هذه المسائل المعرفية مجتمعة، يتم الاشتغال عليها لمدة أربع سنوات حتى يصبح الممثل جاهزاً تقنياً ومعرفياً، عندها نقول له تفضل هذا الطريق أمامك ابحث عن المخزون الحياتي وابدأ بالتقاط الناس في الشارع وعش معهم وحاول تقديم ممازجة معرفية بين المخزون المعرفي في المعهد والاشتغال على أدواته، ليصبح تلاقحاً غريباً عجيباً لخلق شخصيات من لحم ودم، والعظماء من الممثلين هم من الملتصقين في الشارع وهذا النوع هو الذي يبقى، لأن المتلقي يبحث عمن يشبهه ويحس فيه بصرف النظر عن موضوع الثقافة وغيرها، فالثقافة ليست كتباً بل لها علاقة بالحياة، فأنا لم أقدم أدواراً مثقفة ومبسترة، بل قدمت مثلاً دور أبو حاتم في مسلسل “بكرا أحلى” وهو كشاش حمام،وقدمت بياع الفلافل وسائق التكسي والأجير …وغيرها، هؤلاء جزء مني وأنا لا أتعالى عليهم وأنا لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب أنا منهم من قال إنني أختلف عنهم..
لا أبحث عن النجومية
– بتنا نرى الدراما وسامة عارضات أزياء وجمالاً مرسوماً بالمسطرة ما رأيك بنجوم كهؤلاء؟
– ولا ننسى الآن هناك موضة العضلات وشباب يضعون الرموش ودراما سيليكون ولكن هذا لا يعني أنني ضد عمليات التجميل البسيطة بمعنى لا تكون طاغية وتغير من الشكل والطبيعة، وأعتقد أن الممثل الستاندر هو الذي يستطيع أن يلعب كل الشخصيات في الوقت نفسه، ولا ننسى أن التيك توك صنع نجوماً، وأنا لا أبحث عن النجومية بهذا الاستسهال وإلّا كنت وصلت إليها ..
التمثيل مهنة من لا مهنة له.
– رأيناك تخطو باتجاه أعمال المنصات الإلكترونية والبداية كانت عبر مسلسل “قيد مجهول” ..سرّ هذا التوجه؟
– العمل سوري خالص و السدير مسعود يمتلك مشروعاً فنياً لا يقبل بأنصاف الحلول، وهو مخرج مثقف وقارئ نهم ولديه مخزون سينمائي كبير، وكذلك تقني يطور أدواته وهو يدير الممثل بطريقة استثنائية وحفر لنفسه من أول تجربة مكانة كبيرة في عالم الإخراج والتهافت الكبير عليه خير دليل، وهو يعمل بهدوء وصمت ويستطيع قيادة ممثلين كبار بطريقة وأسلوب مختلف عن الآخرين، ونحن في زمن نفتقد فيه الأخلاق والسبب الاستهلاك والاستسهال، وباتت مهنة التمثيل مهنة من لا مهنة له،
وهذا الأمر يحتاج دراسة وجهداً وتعباً وتحليلاً لتفاصيل الشخصية وإرهاصاتها بصرف النظر عن الدور، فهذه المهنة قاسية وجبارة وتحتاج جهداً كبيراً، لذلك نرى الكثيرين يخرجون بسرعة كما دخلوا، فهذه المهنة لا تحتمل أنصاف وأرباع مواهب، فإذا لم تكن موهوباً، فالأمر لا يحتاج سوى إلى كبسة زر للإلغاء، وهناك الكثير من الفنانين غير الأكاديميين هم أساتذة ونجوم كبار، ولكنهم اجتهدوا واشتغلوا على أنفسهم كي يصلوا إلى مصاف الدراما العربية والعالمية .
– جديدك في المرحلة القادمة؟
– هناك مشروع أعمل به اسمه (دفاتر الوراق) وهناك عشارية “وصايا الصبار” مع المخرج سمير حسين وهي قيد التنفيذ حالياً..