نصّ الرواية درامياً.. بين الإحياء والإجهاز
حنان علي
إما أن يجحفها حقها مشوهاً قاتلاً لمضمونها، أو يبث روحها من جديد منقاداً بالقراء لمطالعتها.. ما برح تحويل الرواية إلى عمل درامي نصلاً بتّاراً, إن ناء بساعد قوية وفكرّ متوقدٍ في ظلّ المعالجة الدرامية المتقنة.
مواكبة وتوازٍ ..
قلّة كتّاب السيناريو الجيدين في الساحة الفنية كثيراً ما صعّبت من اختيار الرواية التي يراد تحويلها لمسلسلٍ تلفزيوني، خاصة مع الاحتياج للقدرة الاحترافية على مواكبة الخيال الروائي، وهذه بكل تأكيد لا تخصّ السيناريست القادر على تطويع النص الروائي بمهارة فائقة.. أما المعالجة الإخراجية الموازية للرواية بصرياً وحركياً، فلا ريب ستسهم في انتشارها وزيادة نسبة مبيعاتها، ونرى بعض شركات الإنتاج الفني المشهورة في العالم الافتراضي، تشترط على كاتب السيناريو لأعمالهم الفنية الاعتماد على قصة مأخوذة عن رواية منشورة ليصيب الخير الاثنين معاً.. صحيح أن الرؤية الدرامية تختلف بشكل كبير عن رؤية الكاتب لروايته، لكن ما انفكّ هذا التلاقح يضيف متعة للقارئ بأبعاد مرئية ومسموعة لم يتوقعها أثناء القراءة.
قتل الصورة المتخيلة
بعض المعالجات الدرامية قد تعمل على إنهاك الرواية الحقيقية أو تدميرها، محجّمة من قيمتها، مخمدة لإثارتها بما يصرف القارئ عن قراءتها.. ولا ريب أنّ الأعمال الدرامية المأخوذة عن الروايات تؤثر بالدرجة الأولى على القراء المخضرمين أصحاب المخيلة الثرية، الذين تُشعرهم الشاشة بأنهم فقدوا الصورة العالقة في أذهانهم المتعددة الخيارات الجامحة بأفكارهم وتصوراتهم خارج النص المكتوب، فالمخرج قام بتصوير المشهد كما يراه ملغياً احتمالات عديدة قد تشغل أذهاناً متغايرة، أما إن قام كادر العمل الفني لأسباب إنتاجية أو فنية، بتنفيذ العمل الدرامي على نحو سيئ، فهذا بكل تأكيد يقتل شغف الجمهور بالرواية، إضافة إلى التقليل من شأنها الأدبي, فما زالت الشخصية الورقية متأثرة بالشخصية الدرامية من تقوية أو إضعاف، بمهارة أو إخفاقٍ يخلقها القائمون على العمل الفني.
اقتباسات في الذاكرة
إنّ نقل فحوى وإحساس الرواية الحقيقية من دون تشويه أو إساءة، يحمل مسؤولية لا يُستهان بها حفاظاً على الطابع الشائق للرواية الأصيلة، لكن الدراما السورية تمكنت عبر أعمالها المتميزة من الاقتباس الموفق عن روايات عربية و عالمية نذكر منها مسلسل (أسعد الوراق) الذي تمكن من تجسيد رواية “الله و الفقر” للكاتب السوري صدقي إسماعيل بإضافات درامية بسيطة, أما “جريمة في الذاكرة” العمل المنجز بطابع محلي سوري والمقتبس عن رواية “الجريمة النائمة” للكاتبة الإنكليزية أجاثا كريستي؛ فقد خلد الرواية غير مُخِلّ بتفاصيل الجريمة المذكورة فيها شخوصٌ ومواقع وأحداث واكبت بمهارة رواية “نهاية رجل شجاع” للأديب السوري حنا مينة، في مسلسل أحدث ضجة عارمة في العالم العربي.. بالمقابل جوبه مسلسل (لعبة الموت) عن رواية “النوم مع العدو” للكاتبة الأمريكية نانسي برايس بنقد لمبالغته في خلق بعض المواقف ليأتي مسلسل “حسيبة” المأخوذ من رواية سورية بذات الاسم بمساعدة هائلة في نقل واقعيّ لأحداث الرواية بموازاة مع الرؤية البصرية الممتعة, أما المخرج باسل الخطيب الذي لاقى صعوبات أثناء تصوير المسلسل المقتبس عن رواية “وداد من حلب” للكاتب السوري قحطان مهنا؛ “حدث في دمشق يا مال الشام” الذي تعسر تصويره في حلب، فقد دثّر الرواية الحلبية بحلة دمشقية فاخرة.