الرواية كتلوين في الدراما
علي الرّاعي
دائماً مع اقتراب «موسم الدراما» باعتبار أن الدراما التلفزيونية لدينا، هي موسم واحد في العام، تماماً، كمواسم الفلاحين، لابد من الانتباه إلى أن هذا الموسم، على الأغلب ينقصه التنويع، حتى لا يكسد النتاج، كما يحصل مع المزارعين الذين وبفعل نجاح محصول واحد من الإنتاج الزراعي، يتجه أغلبهم لزراعة النتاج الزراعي نفسه، وفي الدراما لطالما عانى هذا النتاج من المحصول ذاته، الذي على الأغلب يكون سمة الموسم، حتى إنه يستمر مواسم، وليس موسماً واحداً فقط، هكذا حصل مع الفانتازيا، والبيئة الدمشقية، ودراما العشوائيات وناس القاع، أو دراما غرف النوم، ودراما الفساد التي قاربت التحقيقات الصحفية..
والكثير من النقاد والمتابعين يعيدون طغيان المحصول ذاته على الندرة في النص الذي يقع عليه عبء التنويع في الدراما السورية، وكما هو معروف، فإذا كانت الصورة هي الحامل في السينما، أي الإبداع هنا “لعبة مخرج”، وعلى الخشبة المسرحية يكون الحوار هو الحامل الأول للعرض المسرحي، أي المسألة تقع على عاتق الممثلين، فإنّ الحامل الأساس في الدراما التلفزيونية هو النص، وهكذا لم ينفع توافر ممثلين جيدين ومخرجين مشهود لهم في إنجاح نصٍّ ضعيف، والأمثلة على ما نقول أكثر من أن تُعد.!
ومنذُ انتشار الدراما السورية، بشكلها الأبهى الذي كان على يد كاتب جريء، هو السيناريت حسن م. يوسف، كان عندما حوّل رواية الأديب الراحل حنا مينه إلى مسلسل بالاسم ذاته، هو «نهاية رجل شجاع»، والبعض اليوم يُجرب، لكن على استحياءٍ وخوف على الرواية، لعلّ العمق الثقافي والأدبي الذي في الرواية يرفع من شأن الدراما العالقة في وحول الحارة، رغم المجازفة بخسارة المتلقي الذي بنى ذائقته الفنية على بضع كلمات بائسة ينطقُ بها ممثل – برغم اجتهاده- غير إنه عادي القدرات في كل الأحوال، بضعُ كلمات تلك جعلته أشهر من علم في مشرق العالم العربي ومغربه، وهنا تكمن الخطورة مع متلقٍ كهذا، ومن هنا على صنّاع الدراما ألا يعولوا كثيراً عليه، حتى وإن “خسروا” في البداية.!
وبرغم أن الانعطافة الأهم في تاريخ الدراما السورية – كما ذكرنا- كانت مع «نهاية رجل شجاع» المأخوذ عن رواية لحنا مينه؛ ذلك مع توفر لهذا العمل: سيناريست من الطراز الرفيع، ومخرج بقدراتٍ إخراجية عالية، وأقصد حسن م يوسف، ونجدة أنزور، لكن مثل هذا الإنجاز لم يستمر طويلاً، ولم يكن المتلقي الذي استطاب العيش بعد عند أبواب الحارة، وهو الأمر الذي شجّع المخرج نجدة أنزور ليعود مرةً أخرى إلى الرواية، وهذه المرة رواية أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد)، وهو ما لم يحصده كحصاد «نهاية رجل شجاع»، وهو ما لم يحصده أيضاً مسلسلا: (حسيبة، والدوامة) المأخوذان عن روايتين أيضاً حين عرضهما، ولم يأخذا السمعة الطيبة ذاتها لـ«نهاية رجل شجاع».. مع أنّ ثمة تخوّفاً ينتاب بعض الروائيين اليوم، وهو أن الدراما وبحالتها الراهنة، فإنَّ لديها القدرة على تحطيم أعظم رواية وإخضاعها لأسلوبيتها..
ومما لا شكّ فيه أنّ الرواية اليوم قادرة على التشابك، وحتى التشبيك مع أي جنسٍ إبداعي آخر وإنتاج الجديد، هذا إذا سلمنا أن الدراما تُعد “إبداعاً”.. فكما تُلفزت رواية «الضغينة والهوى», كذلك مُسرحت«تياترو» في أزمنة سابقة من النتاج الدرامي السوري، وهنا نذكّر بتجربة قديمة بعض الشيء، وإن لم يتوافر لها حينها السيناريست المناسب، وهي تجربة المخرج لطفي لطفي، التي قامت من أولها حتى آخر مسلسل قام بإخراجه على “استثمار” الرواية في الدراما التلفزيونية، وعلى تواضع الإمكانات حينها فقد قدم لطفي دراما يعتدُّ بها إلى اليوم.. وهنا لابد من التذكير بالتحفة الدرامية السورية بنسختيها (أسعد الورّاق) المأخوذة عن قصة (الله والفقر) للأديب السوري صدقي إسماعيل.. فقد تمّ إنتاجه وأنتجه التلفزيون السوري أول مرة سنة 1975، وهو مأخوذ عن قصة للأديب صدقي إسماعيل بعنوان:«الله والفقر» من مجموعة قصصية تحمل الاسم ذاته، مكوّنة من سبع حلقات كتب السيناريو والحوار له عبد العزيز هلال وأخرجه علاء الدين كوكش.. ثمّ أعيد إنتاجه بنسخة جديدة مكونة من ثلاثين حلقة، سيناريو وحوار هوزان عكو إخراج رشا شربتجي سنة 2010، والذي تشاء الأقدار أن يكون العمل الأول والأخير للراحل هاني الروماني بدأ به، وانتهى فيه..
يعتقد الكثير من المتابعين لشأن الدراما أن الرواية تستطيع توفير نصوص جيدة للعمل الدرامي، فهي من جانب تمنحُ الدراما تنويعاً تفتقرُ إليه، ومن جانب آخر تفتحها على آفاق جديدة هي متخلفة عنها، ولا تدعها أسيرة كتّاب سيناريو وجهتهم تقليد ما ينتجهُ الآخرون، أو عمل ما يُرضي الغير..؟!!