أنا وردتكم الدمشقية فمن وجدني فليضعني في أول مزهرية

تشرين:
القصة جميلة وتود سماعها أكثر من مرة لتغوص في بحار العطر والجمال وتطلق لخيالك العنان وتزرعها في قلبك وترتوي برحيقها إنها الوردة الدمشقية اسمها العلمي «لاروزا داماسينا» أخذت اسمها من موطنها الأصلي دمشق «الشام» حتى إن العلماء الأوروبيين لم يستطيعوا الاتفاق على اسم لها ، فقالوا تبقى وردة دمشق ودخل اسمها المعاجم والقواميس والمختبرات على أنها lavose Damasin الوردة الدمشقية ثم انتقلت زراعتها من دمشق إلى معظم بلاد العالم القديم بوساطة اليونانيين والرومان وقدماء المصريين ثم إلى أوروبا في العصور الوسطى خلال حروب الفرنجة، وتركزت زراعتها في فرنسا وبلغاريا، كما نقلها الحجاج المسلمون إلى المغرب العربي وتركيا وإيران، وانطلقت الوردة الجورية وأخواتها من السوسن والياسمين من دمشق إلى جميع أنحاء العالم منذ مئات السنين وكانت أوروبا المقصد الأول لها ولا تزال رسوم الوردة الشامية موجودة على بلاط قصر الحمراء في غرناطة كما يوجد في بلغاريا وادٍ مملوء بها ويقول عنها البلغاريون إنها قطعة هاجرت من دمشق واستقرت لدينا.‏
سجلت الوردة الشامية على قوائم التراث الإنساني لليونيسكو عام 2019، حيث تتكرس زراعتها على مساحات أوسع وفي مناطق وبلدات أكثر عاماً بعد عام من المراح إلى حماة وحلب وغيرها، لتبقى تلك الوردة صورة من صور سورية التراثية ومصدراً إنتاجياً وحياتياً لزارعيها.
ومؤخراً شاركت السيدة أسماء الأسد بطقوس بدء موسم قطاف الوردة الشامية بجبال القلمون في ريف دمشق، دعماً منها للتقاليد المتوارثة.
وفي سياق رحلة الوردة الدمشقية تجد أنها ذكرت في الملحمة التاريخية الشهيرة الألياذة والأوديسا وقال عنها رواة الأساطير إن وردة دمشق جاءت من الجنة ولقبتها الشاعرة الإغريقية سافو بملكة الأزهار وذكرها شكسبير في إحدى مسرحياته جميلة كجمال وردة دمشق.
ويقال إنّ البطل صلاح الدين الأيوبي قد طهر مدينة القدس بماء الوردة الدمشقية المصفى حين دخلها محرراً كما لا يمكن للزائر إلى متحف الماتاف الشهير في لندن أن تفلت من يديه رؤية لوحة للفنان تشارلز روبرتسوت من القرن التاسع عشر وهي تصور الوردة الدمشقية في أجمل تشكيلة فنية تعبّر عن مدى تأثير هذه الوردة على الفنان الشهير ليحتضنها في النهاية متحف عالمي يزخر بأروع ما جمع في العالم من إبداعات فنية.‏
‏ تعدّ الوردة الشامية شجيرة معمرة واسعة التحمل للظروف البيئية ولا تحتاج إلّا إلى سقاية تكميلية واحدة أو سقايتين في أحسن الأحوال.‏
تبدأ زراعتها في شهر كانون الأول من نهاية العام حتى شهر آذار ويبدأ موسم القطاف في الخامس عشر من شهر أيار وحتي الخامس من شهر حزيران وتحتاج الغراس الى خمس سنوات تقريباً لتبدأ بإنتاج مردود اقصادي وتعدّ منطقة المراح في القلمون بريف دمشق الأشهر في زراعة الوردة الشامية وهي تبعد عن دمشق حوالي 60 كم، حيث تواجد حوالي 600 ألف شتلة موزعة على 1500 دونم في منطقة القلمون، كما تعدّ مناطق باب النيرب في حلب وحماة ومنطقة عرنة في جبل الشيخ، حيث تعد أيضاً من المناطق المشهورة بزراعتها ويأمل المزارعون في تلك المناطق من وزارة الزراعة عدّ الوردة الشامية شجرة مثمرة وإلغاء تصنيفها كشجرة حراجية وذلك للاستفادة من قروض يمكن أن تقدم للمزارعين لشراء الشتول وتوفير الأراضي المناسبة.‏
وتعد الوردة الشامية المزروعة بعلاً هي الأجود وتزرع رياً أيضاً
ونقلب المزيد من صفحات التاريخ لنجد أن وردة الشام كانت موجودة بين أزهار حدائق بابل المعلقة، كما كانت موجودة في حدائق الفراعنة وبعد سقوط الدولة الأموية نقلها العباسيون إلى بغداد، لكن الأمويين لم يتخلوا عن وردتهم الغالية فحملوها معهم إلى الأندلس، وعندما ذهب عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس واستتب له الأمر طلب غراساً منها وزرعها هناك، وفي عودة للشرق نجد أن إعجاب الخليفة المتوكل بها وصل إلى درجة جعلها خاصة بقصره ومنع الناس من زراعتها في قصورهم وبيوتهم، فقال أنا ملك الملوك وهذه الملكة الوردة.‏
وتستمر رحلة وردة الشام لتصل إلى عصر غزوات الفرنجة وكان جاء مع الغزو الكونت الفرنسي يتبو الرابع وكان مولعاً بالورود ودفعه ولعه وولهه بجمال وردة فحملها معه وحمل بذورها وعاد إلى فرنسا ليزرعها في كل مكان توجه إليه واجتازت الوردة بحر المانش لتدخل القصر الملكي البريطاني ووقعت الأسرة المالكة البريطانية مشدوهة أمام جمال هذه الوردة زكية الرائحة ودعت إلى اجتماع ملكي اتخذ فيه قرار عدّ هذه الوردة من الشعارات الأساسية للعائلة المالكة.

يعدّ العالم والطبيب العربي ابن سينا أول من اكتشف الفائدة العطرية والتقطيرية لهذه الشجيرة في مطلع القرن الحادي عشر ووصفها العلماء والباحثون بأنها معين لا ينضب من المنتجات الطبية والغذائية ومستحضرات التجميل الطبيعية، فماء الورد الطبيعي هو بالأصل مقطر الوردة الشامية، حيث يفيد البشرة وينقيها ويتمتع بقدرة عالية على ترميمها ويغذيها ويساعد على إزالة التجاعيد والسواد حول العيون إضافة للترطيب والتعقيم يضفي نكهة للأغذية والحلويات بينما يعمل ماء الزهر الذي عدّ الوردة الشامية الأساس في تركيبه فهو مفيد في حالات المغص ومسكن ومهدىء للجهاز الهضمي، أما زهورات الوردة الشامية المجففة فهي الأفضل طبيعياً في حالات الزكام والإنفلونزا وآلام الحلق والبلعوم ومنظمة لعمل جهاز الهضم والبول: ناهيك بشراب ومربيات الورد المصنوعة من الورد الشامي.‏
ولكن المنتج الأهم لوردة دمشق هو زيت الورد الذي وصفه الصينيون بأنه أغلى من الذهب وأبقى من النفط يعادل أو يزيد سعر الغرام الواحد منه على سعر الغرام من الذهب، ويقدر سعر الكيلو الواحد من زيت الورد بحوالي /12/ ألف دولار.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار