ضبابية المشهد الكروي تفرض نفسها.. فهل من مخرج حقيقي من المأزق؟

قبل موقعة منتخبنا الوطني لكرة القدم مع المنتخب العراقي الشقيق ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة لنهائيات مونديال قطر 2022 لا بدّ من لملمة الجراح ونسيان الماضي برغم مرارته لعل وعسى ينجح منتخبنا في تحقيق نتيجة إيجابية تثلج صدور جمهورنا وتطفئ سعير النار الذي اكتوى فيها خلال رحلة المنتخب في هذه التصفيات وتعرض خلالها لثلاث خسارات مقابل تعادل واحد، الأمر الذي أشعل الشارع الرياضي وأغضبه من هذا الأداء المتواضع والمستوى الهزيل وأطاح باتحاد الكرة وتشكيل لجنة أمور مستعجلة لتسيير الأمور، لا شك في أن قوة أي لعبة تستند في الشكل والمضمون على قوة اتحادها وهذا أمر متعارف عليه ولكن بغياب الاتحاد الحالي المستقيل تزعزعت الأمور وهذه القصة كانت المشهد الأخير الحزين في ساحتنا الكروية على مبدأ المثل القائل «آخر الدواء الكي» ، لذلك كان القرار بتشكيل لجنة مؤقتة لتسيير أمور اتحاد الكرة التي يكاد لايتم تشكيلها حتى تفاجئ الشارع الكروي باستقالة أحد أعضائها وسط تجاذب الأطراف حول تبرئة نفسها عن المسؤول مما حصل لمنتخبنا بين اتحاد الكرة المستقيل وأنصاره والمكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام الذي عقد رئيسه فراس معلا مؤتمراً صحفياً لتبرئته، وهذا ما أدخل الشارع الكروي في ضبابية المشهد حول مصير المنتخب الأول في التصفيات القادمة وزاد من صعوبة المشهد الكروي خروج منتخب الأولمبي من التصفيات الآسيوية وسارت التكهنات حول مصير المنتخب الأول الذي قد يلاقي المصير نفسه.
أسئلة كثيرة كانت تراودنا ونحن نستطلع الآراء حول ما المطلوب من اللجنة المؤقتة الحالية؟.. وهل التأخير في انعقاد المؤتمر قد يؤثر في المستوى؟.. وما مدى تأثر الأندية واللعبة معاً في ظل غياب قيادة حقيقية للعبة ؟
جملة من الأسئلة كانت محور اللقاءات القادمة التي أجرتها « تشرين» مع خبراء اللعبة قديمها وحديثها:
واقع مؤلم
البداية كانت مع كابتن منتخبنا الوطني في الثمانينيات محمد دهمان الذي وصف حالة كرتنا بالمؤلم بقوله: ما زال واقعنا الكروي المتردي مؤلماً وموجعاً و يؤكد أننا لم نرتقِ بمستوانا فوق الوسط، ونحن بحاجة لإعادة هيكلية أسلوب اللعب في الملعب تنظيمياً وإدارياً وفنياً، والأهم من ذلك أن نرسم خططاً مستقبلية لسنوات طويلة، لكي نملك لاعبين جيدين ومميزين في جميع المنتخبات، وهنا أؤكد أنه لا يوجد انتظام واستمرار في عمل المدربين لكي يوظفوا إمكانات لاعبينا في الملعب بالشكل الأمثل، وهذا يؤدي إلى عدم إبراز هويتنا الكروية سواء على مستوى الرجال أو المنتخب الأولمبي أم الشباب فمن المفروض أن نعيد هيكلة التنظيم ونظام التدريب وخاصة للقواعد .
كما أننا في مجال اتحاد كرة القدم ما زالت الاتحادات المتعاقبة تعمل من دون خطة عمل فهي تفتقر في عملها لرسم الخطط المستقبلية، أي لم تستطع الاتحادات السابقة إحضار مدرب جيد والطلب منه لكي يحضر ويحصد الألقاب، وأن تكون سريعة ومباشرة وهذا خطأ الجميع ولو أن الاتحادات أدركت منذ البدء وعملت على تأهيل فئات الناشئين والشباب والأولمبي بالشكل المطلوب لكنا وصلنا إلى منتخب رجال جيد قادر على مواجهة المنتخبات القوية والمنافسة في البطولات والمحافل الدولية، ولذلك وقبل كل شيء علينا إيلاء مسألة المحاسبة الأهمية الكبرى ومحاسبة المسؤولين محاسبة مباشرة قبل أي عمل آخر، وللأسف فاللجنة المؤقتة في الوقت الحالي غير قادرة على فعل شيء ويبقى الأهم أننا نحتاج إلى اتحاد كرة قدم جديد ذي خبرة وخالٍ من الفاسدين .
وتابع دهمان حديثه: ‏ لا شك أن كرة القدم تعيش هذه الفترة حالة استثنائية استوجبت تشكيل لجنة لتسيير الأمور وهي تقوم بواجبها، وتطوير كرة القدم يحتاج بالضرورة خبرات أبناء اللعبة الحقيقيين وأصحاب الاختصاص وهذا غير متوافر في الوقت الحالي، لذلك أجد أن هذا الواقع لا يسهم في تطوير اللعبة إنما في تسيير أمورها واتحاد الكرة هو الأب والراعي لكل الأندية وأقول؛ يجب أن تكون من أولوياته إيجاد نظام حقيقي وفعلي ومتوازن يتكيف مع واقع الأندية التي تعاني من الحالة المالية الصعبة فمن دون مال أو نظام حديث ومدروس بعناية لا معنى حقيقياً للاحتراف. ‏

و اللجنة المؤقتة لتسيير الأمور لا تستطيع بأي شكل من الأشكال القيام بأي عملية تطويرية لأن مهمتها محصورة فقط بإنجاز البطولات الرسمية دوري وكأس ومتابعة التحضير للانتخابات القادمة، وللأسف فإن الواقع الحالي لا يسرّ، ليس الاتحاد المستقيل فحسب بل ينطبق ذلك على كل الاتحادات السابقة لأنها لم تقدم للأندية شيئاً وما زاد الطين بلة هو قرار نظام الاحتراف بشكله الحالي من دون تقديم أي مساعدة مادية أو معنوية للأندية الفقيرة التي تضررت وظلمت بهذا الواقع البعيد كل البعد عن الاحترافية، والمطلوب من اتحاد الكرة القادم المزعم تشكيله أن يضم خبراء كرويين حقيقيين من أجل وضع نظام جديد للاحتراف وإقامة دورات تدريبية مستمرة وعلى أعلى المستويات واستبعاد كل من ثبت فشله في قيادة اللعبة، و الإسراع بالانتخابات مع شرط وضع استراتيجيات تضمن النجاح في العمل والتعاقد مع مدربين على مستوى عالٍ أسوة بالدول المجاورة و الخليجية.
الأسلوب الخاطئ
أما لاعب كرة الاتحاد جهاد أشرفي فكان له رأي آخر بقوله: من أسباب تراجع نتائج منتخباتنا الوطنية رجالاً وشباباً وأولمبي وناشئين يعود لفشل الدوري الكروي والأسلوب الذي يدار فيه، فالمستوى الهابط للأندية المشاركة أفرز هذا المستوى الهابط الذي نشاهده في منتخباتنا، وهذه نتيجة حتمية، فعندما نعلن الاحتراف الكروي من دون تخطيط، وعدم وضع برامج تدريبية مدروسة، وعدم دعم الأندية بالمال الكافي أو بالأحرى أن يعتمد كل نادٍ على نفسه وعلى استثماراته فبكل تأكيد لن نصل إلى نتيجة مرضية، و نحن ذاهبون من فشل إلى آخر، وإذا ما أضفنا ضعف الناحية التنظيمية والعقلية القديمة المشرفة على كرتنا في صناع القرار وإبعاد أهل الاختصاص عن عملهم لحسابات المصالح والمحسوبيات الذي يعمل بها منذ زمن طويل فبكل تأكيد سنحصد ما نزرعه من خيبات كروية متكررة، كما أن التغيرات التي تحصل كل فتره وأخرى في اتحاد الكرة أو الأندية لا تنصب في مصلحة الكره السورية، لأن الاستقرار ضروري للوصول إلى النتائج المرجوة.
ومن دون ذلك لن يسهم أي اتحاد كرة في تطوير اللعبة لأنه مقيد ولن يستطيع التطوير، والأسباب كثيرة منها أن اتحاد الكرة لا يقدم أي شيء للأندية لأنه مقيد بقرارات ليست بيده، وقد حاول اتحاد الكرة الحالي والذين سبقوه تشكيل لجان عديدة ومنها لجنة التطوير ولكنها للأسف بقيت حبراً على الورق بسبب عدم توافر الإمكانات المادية الكافية، و تبقى القرارات المتعلقة بالجانب المادي خاضعة لموافقة المكتب التنفيذي و يبقى دور اتحاد الكرة مختصراً على تنظيم جدول الدوري والكأس والأمور الفنية الأخرى فقط ، وفي رأيي الشخصي هذه الأسباب هي وراء فشل كرتنا أندية ومنتخبات.
حقل تجارب
أما الحكم الدولي محمد سالم فأرجع تراجع نتائجنا إلى ضعف التدريب وعدم محاسبة المقصرين بقوله: ستظل كرتنا السورية للأسف حقل تجارب لاتحاداتنا المتغيرة بلا وقفة حسابية لفشلها بوضع الخطط المستقبلية وتنفيذها، فلم نرَ اتحاد كرة أكمل الدورة الانتخابية، والوجوه التي تنتخب أو تعين لا تتغير، والبعض ليس من كوادر اللعبة، وشروط الترشح للانتخابات دائماً تخدم محافظة على حساب محافظة أخرى، والفاشل الذي يتم عزله يعود من جديد بلا وقفة حسابية، أما اللجان الرئيسة فحدّث ولا حرج فكلها من الأصدقاء و أغلبيتها من الضعفاء في الخبرة، ويعودون من جديد إلى مواقع عملهم السابقة، مع غياب الروزنامة الدائمة، وجدول الدوري المضغوط من دون جدوى فنية أو مادية، ونظام الاحتراف الكروي أعرج أدى لعجز ميزانيات الأندية وتغيير إداراتها، فأين التخطيط والخطط والمحاسبة في ظل هذا التخبط وفقدان العمل الممنهج ؟
حتى جداول المراقبين إدارياً وتحكيمياً غير منضبطة ، وهذه الفترة ما هي إلا تحضير مسبق للانتخابات القادمة، إنها الفوضى بكل شيء، كل اتحادات الكروية العربية سبقتنا بتطوير كرتها إلا نحن الذين نختلف إلى الآن هل نعتمد المدرب المحلي أم الأجنبي ؟ والدائرة للأسف تدور لهدم كل ما تبقى من مواهبنا الشابة التي تنتظر من يأخذ بيدها إلى الأفضل.
فالواقع الحالي لا يساهم في التطوير لعدم وجود اتحاد مستقر وله برامجه الثابتة والمستقرة، أما المؤقت فيعمل ضمن مدة محددة لا يعرف في أي وقت ينتهي عمله، ويجب على اتحاد الكرة أن يعمل بالإشراف الجدي على كل مفاصل اللعبة، ولكل الفئات والمنتخبات، وأن يقوم بدعم الأندية والمنتخبات بشكل يساهم في تطوير اللعبة ويعمل بحيادية كاملة بين كل الأندية ويتحمل المسؤوليات كلها، ويكون اختياره للأجهزة الفنية للمنتخبات واللاعبين بشكل منصف وممن يملكون الجدارة في مهامهم.. والتأخير بعقد مؤتمر اتحاد الكرة يؤثر في تطوير اللعبة، حيث إن المؤتمر له قراراته التي من شأنها تطوير اللعبة ووضع الحلول اللازمة وانتخاب اتحاد كرة جدير بقيادة دفة اللعبة. ‏
تحقيق العدالة

أما اللاعب جهاد شيط فتحدث عن جملة من المتطلبات التي لابد من أن تكون على طاولة الاتحاد القادم منها توزيع حصص رعاية الدوري بين الأندية بالتساوي بحيث تحقق العدالة فلا يزداد النادي الميسور غنى ويتم ترك النادي الفقير يتخبط، وهو يبحث عن تأمين رواتب لاعبيه والشحاذة من أجل تأمين مصاريف للسفر أو لحاجات أساسية العناية بفرق القواعد التي أصابها الإهمال من جميع الإدارات بعد أن كانت مبارياتها سابقاً تجذب الجماهير للمستوى الرفيع الذي كانت تحفل به دوريات الفئات العمرية، ويجب إعادة النظر بنظام الدوريات لما تفرزه من مواهب تبشر بمستقبل زاهر وتسهم برفد الأندية بلاعبين وترحم ميزانياتها بدلاً من الشح المادي الذي يصيبها، فالكرة السورية من الآخر تحتاج بداية لبنية تحتية صلبة قادرة على مواجهة التحديات والصعوبات، ووضع مدربين أكفاء لقواعد الكرة في الأندية والمنتخبات، والأهم من ذلك توفير الاستقرار للأندية ودعمها بالأموال اللازمة لتكون قادرة على الاستمرار وتتفوق وتقدم اللاعبين الموهوبين لدعم المنتخبات .
ضعف وترهل
صافي شعار من كوادر نادي الحرية قال: الكرة السورية تعيش حالة كبيرة من التخبط وفقدان التوازن ولا توجد كلمات تشرح الترهل والضعف الذي تعيشه جميع المنتخبات.. ضعف فني إداري وخيارات خاطئة وغير صحيحة.. والحديث عن اتحاد الكره يحتاج صفحات وصفحات كثيرة.. ولم نشاهد تخطيطاً ولا تنسيقاً حيث كان العمل ارتجالياً من دون ضوابط وعديم الفعالية برغم كل الطاقات والمقدرات المتاحة، وخاصة أننا نملك مجموعه كبيرة من اللاعبين المميزين على مستوى الوطن العربي.. لكننا لم نستطع خلق توليفه وانسجام فيما بينهم.. التغيير في الكوادر كان له تأثير سلبي على الأداء.. أما عن حجمنا فأقول ليس هذا حجمنا فقد ظهرنا أصغر بكثير من المتوقع .
وأخيراً ‏
وفي النهاية أملنا كبير بالوصول إلى قيادة ذات كفاءة لإدارة اتحاد كرة القدم، وهذه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق أعضاء المؤتمر وأملنا كبير في أن يبتعد عن المحسوبيات والمنفعة الشخصية لأنها في النهاية تصل بصاحبها إلى الهاوية، فمن ‏الضروري وجود دماء جديدة في تشكيلة اتحاد كرة القدم المزمع انتخابه فتكرار الأسماء لن يمنح كرتنا إلا المزيد من المراوحة ولن نقول التراجع، فكرتنا يلزمها التغيير في عقلية الإدارة وأن لم يحدث هذا فسنبقى نبكي على الأطلال ونتذكر ولن نتطلع إلى آفاق جديدة.
فكرتنا تمتلك مقومات التطوير من مواهب وخامات ومنشآت حضارية وعلى اتحاد كرة القدم الجديد أن يعمل بجد ووفاء لتعود كرة القدم السورية إلى توهجها وتألقها عربياً وآسيوياً ودولياً، ولا مانع من التعاقد مع أجهزة فنية أجنبية تمتلك الخبرة الجيدة للارتقاء بالمنتخبات الوطنية ويجب أن يتوجه الاتحاد الجديد إلى الشركات التجارية والاقتصادية السورية بضرورة رعاية ودعم المنتخب ليكون بسمة الكرة السورية وكذلك دعم الأندية الفقيرة التي تتعاقد مع مدربين ومحترفين منتهيّ الصلاحية وهم بالاسم فقط محترفون.
فالتأخير في انتخابات اتحاد الكرة ليس في مصلحة أحد، فوجود اتحاد منتخب سيكون موقفه وقراراته وخططه أكثر نجاحاً على الصعيد العلمي والعملي لأنهم أصحاب قرار ويمتلكون مفاتيح التطوير من دعم فني ومالي وتنظيمي، فالأندية تحتاج الكثير من الدعم على الصعيد المالي والإداري والتنظيمي و الاتحاد الجديد يجب أن يقدم هذا الدعم لكي تتطور كرتنا وذلك من خلال إقامة ندوات ودورات تدريبية وإدارية لجميع كوادر الأندية التي طبقت الاحتراف ولكن كوادرها ما زالت هاوية، ونأمل أيضاً من الاتحاد الجديد أن يعامل جميع الأندية بشكل متساوٍ وعادل ولا يفرق بين نادٍ وآخر لأنهم جميعاً أندية الوطن، وعلى الاتحاد الجديد أن يدرس الاحتراف في ملاعبنا ليكون أكثر انسجاماً مع واقعنا المالي والإداري والتنظيمي والاجتماعي، والعمل مع الأندية لتأمين موارد مالية جديدة من خلال شركات التسويق الإعلاني المتخصصة، ويجب أن ينال النادي كامل حقوقه المالية من النقل التلفزيوني خاصة أن اتحاد الكرة يبيع حقوق النقل بأرقام كبيرة ويجب توزيعها بشكل عادل للأندية التي تحولت إداراتها للبحث عن المال بأي طريقة والانشغال عن الجانب الإداري والفني والتنظيمي، و أن يكون للمنتخب ميزانية ثابتة وضخمة تدعمه ليكون دائماً مستعداً للمشاركة في أي مباراة ودية دولية أو مسابقة عربية وقارية لأن المنتخب واجهة كرة القدم السورية. ‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار