عن انتشار اللامعنى ..!!

ثمة من يؤكد، أن تعريف الثقافة في المطلق غير ممكن، وحتى إذا أمكن، فهو غير مفيد، غير أن هناك رؤية أخرى – وهي ليست تعريفاً- ترى أن الإنسان يبدو معلّقاً في شبكة الدلالات التي ينسجها، ومن حيث المقاربة، فالاحتراز الأساسي، هو تجاه الربط السببي بين الفكر والواقع، هذا الاحتراز يبرر مفهومين لهما وزن خاص – على ما يرى الباحث التونسي الطاهر لبيب – التمفصل بين مستويات الواقع، بما فيها الثقافي والاجتماعي، والوسائط التي تتدخل في اتجاه تفكيك هذه المستويات، والتي يمكن أن نعدّ المثقفين تقليدياً من أهم صانعي لحمتها.
في هذا الإطار يبدو من الممكن القول إن المرحلة الراهنة – عالمياً بشكلٍ عام، وعربياً بشكلٍ خاص وأكثر حدة – هي مرحلة تفكك العلاقة بين الثقافة والمجتمع، والتي انحلت، أو تفككت وسائطها، وقد انجرّ على ذلك ما سماه لبيب بـ«تعليق أو تعطيل الدلالة..!»
والمقصود بتفكك العلاقة بين الثقافي والاجتماعي، هو انحلال الوسائط التعبيرية التقليدية بينهما، والتي كانت تشدّ أحدهما إلى الآخر عبر الفعل الاجتماعي، وإن ما نسميه تعليق الدلالة أو تعطيلها، يعني انحلال الوسائط التي من خلالها يكتسب الفعل الاجتماعي دلالته، جعل هذه الدلالة من دون مقابل محدد في الواقع الاجتماعي، أي بتر العلاقة بين الدال والمدلول، والناس، وبرأي الطاهر لبيب، يقدمون الفعل حسب الدلالة التي يسندونها إلى هذا الفعل، والدلالة رهان اجتماعي كبير، ولذلك فإن ما يُسمى اليوم رقابة ليس بالضرورة قمعاً للفكر في ذاته، ولكنه قمع للدلالة التي يمكن أن تتبناها الفئات الاجتماعية، فتحفزها على الفهم والتفسير، وإن محاصرة الدلالة هنا، هي وسيلة لتعطيل الفعل.
وأما عوامل تفكك العلاقة بين الثقافة والمجتمع، فتبدأ من “الانتروبولوجي” المحلي الذي كان يُظن أنه أكثر الثقافي خصوصية، وارتباطاً بشخصية القاعدية والواسعة، وتشمل هنا كل أنماط الحياة وسيمائياتها، والجديد أن الثقافة التي كانت تستوعب عبر أشكال مختلفة من التحصن والمقاومة ما تعدّه وارداً عليها، أصبحت تبحث عن تعريف لها، وعمّا تبقى من حصافتها في منظومة هلامية تطمح إلى أن يكون لها موقع فيها. ومادام الحديث عن التفكك، وعن تعليق الدلالة، فقد يكون انزلاق المعنى أو انزياحه من أهم النتائج، لأن انحلال الوسائط التي كانت تتدخل لضبط المعنى الاجتماعي، نتج عنها إسقاط الدلالة المعلقة على مدلولها، ومن هنا كان هذا التسيّب اللامحدود، وغير المسبوق للمفاهيم، الأمر الذي أدى إلى ظاهرة التواطؤ على تبادل اللامعنى، وهو الأمر الذي يحتاج اليوم إلى بحوث في معنى اللامعنى، أي المعنى الاجتماعي لانتشار اللامعنى..!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
سورية تدين اتهام الاحتلال لـ«أونروا» بالإرهاب وتؤكد أنه يأتي ضمن محاولاته لإنهاء دورها وافق على تأمين 5 آلاف طن من بذار البطاطا.. مجلس الوزراء يعتمد الإطار الوطني الناظم لتبسيط إجراءات الخدمات العامة 1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة