الكتابة في عالمٍ بلا قلب

ذات مرة سألت الشاعر الإسباني «أنطونيو غامونيدا»: هل ترى أن هذا الكون يتجه لأن يكون أقل شاعرية؟. فأجاب: للأسف.. هكذا يتجه، وفسّر ذلك بأن التكنولوجيا الحديثة هي التي تقود الإنسان، وليس العكس، وهذه التكنولوجيا بلا قلب، وهو الأمر الذي يتجه بالأشياء لأن تكون أقل شاعرية، بل ربما يزيد الأمور وحشيّة، والتي تكون آثارها حروباً وظلماً ..!
أما عن ضرورة القصيدة فيقول: نعم ضرورية، على الأقل، لأجل هؤلاء «القلّة» الذين يسعدون بها، وهم مصّرون على أن يبقوا حولها، ذلك لأنها لاتزال تُشكّل شيئاً من السعادة وتكثفها داخل شعورهم، وأعتقد أهمية القصيدة هنا في هذا التحول أو التخفيف من معاناة البشر وتحرير السعادة الكامنة في دواخلهم، وهذا أمر مهم جداً للقصيدة، ويجب عدم التقليل من شأنه.. على الأقل لأجل هذه القلّة.
ومن جهتي أرى إنه لا يزال في إمكان الشعر أن يقول الكثير، فمازالت القصيدة تختصرُ الشوق البشري, بدءاً من تململ رغيف حتى فضاء الحرية، وعندما يُغربل الشعر عن غير الشعر، فإنّ الباقي وحده يكفي حد الإدهاش، ولن ييبس الشعر في قومٍ حتى ييبس القوم أنفسهم، فما بقي الزمن بقي الشعر.
والقصة القصيرة شأنها شأن الشعر كلاهما بوحٌ بهمومٍ، بوح تلقائي فني، إلا أن تلقائية القصة القصيرة أقرب، وأكثر ألفة وأسهل منالاً من تلقائية الشعر، كما أنّ قدرتها على الاستفادة من الموروث الشعبي الحكائي أكبر من تأنق الشعر، ولا يُقاس نجاح أيّ منهما، أو سبقه بالشيوع، وإنما السبق في كون أي منهما لا يغنّي غناء أخيه، فالقصة والقصيدة؛ وإن تداخلتا وتقاطعتا في أكثر من منعطفٍ شعري، أو على مفرقٍ حكائي؛ ستبقيان إلى آخر مدى من الجماليات الروحية بما تُحققانه من متعة..
القصة القصيرة لن تكون في أزمة ما لم تملُّ ذاكرة الشعوب الحكايا، والخشية أن تكون هذه الشعوب قد ملت الحكايا فعلاً، وإلّا كيف يُمكن للمُتابع تفسير اضمحلال هذا الجنس الإبداعي اليوم؟!!
إذ يُلاحظ اليوم وكأنّ القصة القصيرة التي كانت لها الأنواع الكثيرة تتراوح بين الأقصوصة والقصة، وما بينهما الكثير من الأنواع القصصية؛ تكاد اليوم تنقرض، أو هي على الأقل تتوزع بالأجناس الإبداعية الأخرى في الرواية وحتى القصيدة ولافتة هذه (الحكائية) التي طغت على الشعر اليوم، وكأن – القصيدة- قد ملت وحدتها فأرادت الظهور متسللةً في أنواع إبداعية أخرى.
فيما تبقى القصيدة جزءاً حقيقياً من الشاعر.. القصيدة التي تقولُ كل ما يعتمل في داخله، ومهما حاول مراراً أن يُخفي ما في داخله، فهي تتوغل مسلحةً بمجازاتها عميقاً عميقاً.. ذلك الشعر الذي لا يعرف الكذب؛ فهو يمضي عميقاً في أماكن جراحنا ويقيم.. وهو وحده من ينتبه إلى المرايا وهي تتكسر داخلنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
سورية تدين اتهام الاحتلال لـ«أونروا» بالإرهاب وتؤكد أنه يأتي ضمن محاولاته لإنهاء دورها وافق على تأمين 5 آلاف طن من بذار البطاطا.. مجلس الوزراء يعتمد الإطار الوطني الناظم لتبسيط إجراءات الخدمات العامة 1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة