للأسد نصيب الأسد.. البعد السيميائي للانتخابات السورية

لصناديق الاقتراع في عرس سورية الانتخابي دلالات لا تُقرأ بمعايير سياسية محضة، هنا الصناديق تقول أكثر مما تقوله السياسة، لأنّها لا تقف عند فرز أصوات لا مناص من أن يكون للأسد حصة الأسد منها بعد عشرية البطولة والانتصار.

فوز الرئيس الأسد بديهية تاريخية واجتماعية وسياسية، لأنّ العكس مستحيل استحالة الفكاك بين الشيء وذاتيته، بديهية لأنّ الذاتي لا يعلل بتعبير ابن سينا، فالمشهد مدرك بحدس عارم، وما أدركه الحدس لن يدركه البرهان، سواء البرهان الأرسطي أو برهان غليون!.

إنّ البعد الرمزي الذي هو الأهم والأشمل، يتعلّق بتواجد الأسد بدوما، التي كانت قبل فترة ترزح تحت نير الإرهاب.. سنوات من غسيل الدّماغ والتواطؤ الإعلامي، قبل أن نشهد الأهالي يتدفقون بالزغاريد نحو صناديق الاقتراع ليعبروا عن إرادة الشعب السوري التي غيبتها عشرية المغالطة.

أدرك عموم الشعب السوري بأنّ فوز الأسد هو فوز الانتصار والصمود وتعبير أخلاقي عن الوفاء، يعبر الشعب السوري عن شهامته بهذا النوع من التصويت، وهو بهذا المعنى يصعب أن تستوعبه الدوائر الغربية، لأنّها لن تفهم الأبعاد الرمزية والتاريخية للانتخابات السورية في منعطف التحولات العالمية، إنهم لن يفهموا من تلك الانتخابات بأنها تتفوق حتى على الانتخابات الغربية في اختيار البطل القومي.

لا يوجد في الانتخابات السورية اليوم سوى عنصر واحد: الوفاء للبطل والقيادة التي صمدت في حرب كونية لا تبقي ولا تذر، في هذا المفرق يجب أن تمضي المقارنة، ذلك لأنّ الذين تشككوا في الانتخابات السورية من العرب، لن ترقى انتخاباتهم لمستوى انتخاب البطل، وهو انتخاب لا يضارعه سوى الانتخاب الطبيعي.

كما أنّ من شكك فيها من الدوائر الغربية، هم يشككون في انتخابات تعبر عن نفسها باعتبارها ظاهرة يتداخل فيها السياسي بالتاريخي والطبيعي في اختيار الأصلح، ناهيك عن أنّهم لن يغفروا للأسد أن حال بينهم والتهام سورية.. إنّها انتخابات لا تهمّ سورية وحدها، بل هي انتخابات تهمّ مستقبل النظام الدّولي، حيث من لم تهزمه الإمبريالية في الحرب لن تهزمه في اللعبة الانتخابية.

فوز الأسد دعامة لاستقرار النظام العالمي، نظام لا يمكن أن تقرر فيه الدول الأقوى مصير الدول الأضعف، إنه انتصار على نظام دولي دارويني قوامه سياسات التّدخّل والتلاعب بمصائر الأمم. وهو أيضا فوز للعرب، لأنّه شكّل قلعة عربية صامدة في زمن انهيار الكيانات، وهو فوز للحقيقة التي سيكون لها ما بعدها، حيث فاز الأسد الذي تباكى تماسيح العالم من أجل إسقاطه ليستفردوا بسورية عبر وكلائهم الذين صالوا وجالوا خلال عشر سنوات الأخيرة بلا جدوى، وهو فوز للشعب الذي صمد وصبر ليعبر عن إرادته ووفائه لمن لم يخن سورية في عزّ المعركة، وهو فوز للجيش العربي السوري وللشهداء الذي سقوا بدمائهم مشاتل وطن فيّاح، لم ينتصر مرة واحدة فحسب، بل انتصر مرّات كثيرة في كل حدث وتحدٍ وموقف، في ملحمة ستحتلّ مكانها الأنسب في سجلّ تاريخ الكفاح الوطني للشعوب والأمم الحرّة.

للأسد ميزات، ليس آخرها أنّه كان طيلة عشر سنوات من التحدي والتآمر على سورية يتحلّى برباطة جأش لم تتغيّر، وهو بذلك كان يعبّر عن الثقافة السورية وتاريخها العريق، وذكاء أبنائها، كان يخوض معركة وهو يحمل في لاوعيه المكثّف صورة سورية كمهد قديم للحضارات، كقلعة صمود شهدت ميلاد الوعي القومي العربي، كبيئة للديانات والإسلام المعتدل الذي حاربوه بالتّطرّف والإرهاب.

الذين صوتوا للأسد وهم الغالبية التي سبقتها زغاريد أمهات الشهداء، هم صوتوا لسورية حرة مستقلة أبية.. وسوف تساهم هذه الانتخابات في غلق الباب في وجه مسلسل التجديف ضدّ الحقيقة في سورية. هذه حقيقة لم تعد تخفى إلاّ على من تلبسهم ذُهان الثأر والكراهية لسورية وبطلها القومي.. هذه انتخابات شعب وفيّ، مهما حاولت وسائل الإعلام المعادية أن تكثر من قيمة المنشقين، فإنّ الانتخابات التي يخشونا، تعبر عن إرادة الشعب، إذ لا أحد اليوم يملك أن يجبر الشعب على الانخراط في هذا العرس الانتخابي، لاسيما وقد رأينا كيف تعرضت الحشود السورية الناخبة في بلدان أخرى، كما في لبنان، لقطاع الطرق، في مشهد يعزز من ديمقراطية سورية مقابل عصائب الاستبداد الائتلافية اللاّهثة من أجل حيازة السلطة ولو على حساب دمار سورية ونزوح شعبها.

انتخابات سورية هي منعطف كبير في تاريخ سورية المعاصر، وعليه وجب قراءتها أبعد من دلالتها السياسية، ففي تقديري هي حدث سيميائي.

هنا لا مكان للاختزال، فالسيميائية هي الضامن لمقاربة شمولية عند تداخل الحقول وزوايا المقاربة، وهو نفسه ما حدا بدي سوسور إلى إعلان هذه الشمولية في طول البحث عن الأنظمة الدلالية، حيث يؤكد على أنّ دراسته لشتى الحقول العلمية لا يمكن أن تقوم إلا على أساس اعتبارها أنظمة سيميولوجية.

الانتخابات في سورية ليست حدثاً سياسياً، فالحرب وسعت من دلالات الحدث السوري، وكل شيء بات له مدخل في الحدث السوري، حتى القيادة والبطولة بوصفها مدخلاً لسيمياء الأيقونة، وهي مزيج من كل الخصائص الموضوعية التي تفضي في سياق ما إلى تجاوز الواقعي والاستلهام من الخيال، كتأكيد التّفوّق.

إن انتخاب الأسد يتعدى اليوم مجرد ترجيح انتخابي للمستحق، بل هو تأكيد لأيقونة انتصار، وهي لا تتوقف على صناديق الاقتراع إلاّ تأكيداً للانتخاب الطبيعي، هيمنة صورة بطل يصنع منه الوفاء بعداً لحكم أيقوني iconocratie، القائد الذي ارتقى بالموقف إلى مستوى المجد، ليس برباطة جأش فقط، بل بما يمكن أن نسمّيه فنّ الصّمود.

كاتب من المغرب

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار