رؤى لمثقفين سوريين نحو سوريا حرة ومزدهرة.. ذكريات موجعة: دروس من الماضي لبناء مستقبل سوريّ أفضل
الحرية- حنان علي:
في خضم التحديات التي تواجهها سوريا اليوم، تبرز أهمية استحضار دروس الماضي كخطوة أساسية نحو بناء مستقبل أفضل. إن الذكريات المؤلمة التي عاشها الشعب السوري ليست مجرد صفحات في كتاب التاريخ، بل هي تجارب غنية تحمل في طياتها دروساً قيمة في التآلف وتجاوز الأخطاء. من خلال استكشاف آراء فنانين وشعراء ومفكرين، يتضح أن الطريق نحو سوريا حرة ومزدهرة يتطلب إعادة تقييم القيم والممارسات التي سادت لعقود.. فهل نحن مستعدون لفتح صفحة جديدة في تاريخنا، مستلهمين من الأوجاع والعثرات لبناء مستقبل مشرق؟
الإبداع تحت الضغط: كيف تؤثر الممارسات الخاطئة على الفن والأدب؟
لا نفع للأحقاد
في حديثه عن الأخطاء والممارسات التي يجب تجنبها لبناء سوريا الجديدة، أكد ضيف صحيفة الحرية، الفنان التشكيلي موفق مخول على أهمية المحبة والغفران بالقول: “لتجاوز الأخطاء السابقة وبناء سوريا الجديدة، يجب أن نحب بعضنا البعض ونتعلم من تجاربنا المؤلمة في الماضي.” واستذكرَ مخول الرعب الذي عاشه السوريون منذ الثمانينيات، مشيراً إلى الخوف الذي كان يسيطر عليهم عند مرور سيارات الأمن أو الاستدعاء لأحد الأفرع أو عند تلقي مكالمات هاتفية في الليل.
الوطن فوق الطوائف
وأشار مخول إلى أن الوطن أهم من الطوائف، وأنه يجب العمل على بناء سوريا حرة قائمة على الحب والتعاون. وأكد على ضرورة عدم التفريط في 1400 عام من التعايش المشترك، مشدداً على أن الوقت قد حان لبدء صفحة جديدة بعد سنوات من الذل والخوف.
إخماد الحلم
وعند سؤالها عن تأثير الممارسات الخاطئة على الإبداع، قالت الشاعرة أمل هندي لصحيفة الحرية: “يبدو السؤال سهلاً في البداية، لكن الأمر يتعقد عند التفكير فيه.” وأوضحت أن الممارسات الخاطئة تطفئ الحلم وتبدد نور الطريق، مشيرة إلى أن كل مجالات الإبداع كانت تنضغط تحت سقف منخفض، ما يحرم المبدعين من حرية التعبير.
قيود الإبداع
وأشارت هندي إلى أن هذه القيود قد تؤدي إلى فقدان نصوص أدبية كان من الممكن أن تقدم إضافة حقيقية للأدب والحياة. كما انتقدت السلوكيات التي ترفع نصوصاً مكتوبة على مقاس السلطات السابقة وتستبعد ما لا يتلاقى مع رؤيتها. وأكدت على أهمية إعادة السماء المفتوحة لمخيلة المبدع، مشددة على أن حرية التفكير والتعبير هي جذر الإبداع.
لا تقديس للسلطة
في سياق الحديث عن التجاوزات التي عانى منها الشعب السوري لعقود، يوضح الأديب إبراهيم ياسين: إن “ثمة أخطاء وممارسات كانت هي السائدة في العهد البائد، وكان من نتائجها الواقع الكارثي الذي عاشه وعانى منه، أشد المعاناة، شعبنا العربي السوري لأزمنة طويلة، وفي مقدمتها نظام الوصاية فكراً وسلوكاً. ذلك النظام الذي مارسته الطبقة الحاكمة والمستبدة على طبقات الشعب بمختلف شرائحه، فالنظام السياسي هو الذي يعمل، الذي يفكر ويقرر، وما على السواد الأعظم من الشعب سوى التأييد والتصفيق بمناسبة أو بدون مناسبة.”
ثقافة التهليل
كما رأى ياسين ضرورة الابتعاد عن الاتكالية، وعن كل المظاهر الاحتفالية الكاذبة، وثقافة الشعارات والعناوين العريضة الزائفة، والمهرجانات الخطابية الفارغة، التي لا همّ لها سوى تقديس الحاكم الفرد الذي طالما أوهمنا أنه “ظل الله على الأرض.”
لا تقديس للنظام: ضرورة إعادة تقييم الشعارات السياسية
وأشار ياسين إلى أهمية إطلاق الطاقات المبدعة في مختلف مناحي الحياة لبناء وطن عزيز وحر. وأكد على ضرورة أن تكون الحياة في الوطن جديرة بالحياة فعلاً لا قولاً.
شعارات براقة
أما المهندس محمد المفتاح فقد أبدى وجهة نظره حول ضرورة تقييم نتائج الشعارات التي تبناها النظام البائد. وتساءل بالقول: “ماذا تحقق فعلياً من شعار حزب البعث السوري ‘وحدة حرية اشتراكية’ على مدى ستة عقود؟” مؤكداً أن هذه الشعارات ما لبثت سوى عبارات جوفاء، حيث فشلت الوحدة رغم المحاولات المتعددة إما لسبب التباعد الجغرافي أو نتيجة لاختلاف النظام السياسي أما الحرية فجزم المفتاح ” لا حرية عندما تكون يد الأجهزة الأمنية والمخابرات طليقة دون حسيب أو رقيب.
وبالتالي، كانت الحرية شعاراً أجوف من دون قاعدة”
بدورها الاشتراكية وفق ضيف صحيفتنا فشلت في العديد من الجوانب المجتمعية، رغم بعض النجاحات المحدودة في مجال الإصلاح الزراعي. وأكد أن أغلب القيادات البعثية تحولت إلى قوى رأسمالية، ما يدل على إخفاق الشعارات الثلاثة بشكل عام.
مختتماً بالقول :” في المحصلة، الشعارات الثلاثة كانت بشكل عام حبراً على ورق” …!
من الشعارات إلى الواقع: تقييم إنجازات النظام السابق
أهمية التنوير
وبسؤاله عن أهمية التنوير في المجتمع السوري، يختتم الدكتور حيان سعيد تحقيقنا برؤيته : “في رأيي، إن نقل ثقافة التنوير هو الأمر الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة. حيث تكمن المشكلة في أن العديد من المبادرات التي تدعو إلى العلمانية والمدنية قد تجد قبولاً لدى المثقفين. لكن المواطن العادي يستقي معلوماته من مصادر في محيطه وبيئته، ما يجعل من الصعب عليه قبول هذه الأفكار وتقبلها. لذا، يتطلب الأمر جهداً جماعياً لتوسيع وتعزيز الوعي العام.”.. ويضيف سعيد: “لذلك، أرى أن النقاط التي تطرحها القوى الليبرالية نخبوية، ولا توجد إمكانية حقيقية لتطبيقها على الأرض دون مرحلة تنويرية تسبقها، حتى نتمكن من تحقيق التغيير المطلوب.”
أفكار طوباوية
وبسؤاله عن كيفية التطبيق، يوضح سعيد: “الفكر الطائفي نتاج للبيئة المجتمعية، ولا يمكن اجتثاثه بمجرد ترديد عبارة ‘الشعب السوري واحد’ دون فهم عميق لظروفه. كانت العقلية الغربية مشابهة لعقليتنا في العصور الوسطى، لكن دخول عصر التنوير بفضل فلاسفة مثل: ديكارت وكانط ساهم في تعزيز القيم والحرية والتسامح.. ويشير الدكتور سعيد في النهاية إلى أن “مقالات كانط، بأسلوبها المبسط، أطلقت ‘سلطة العقل’ في أوروبا، ما أدى إلى نقد الاستعمار وتأسيس منهج علمي. لذا، دون تحقيق هذه المرحلة، ستبقى الأفكار الطوباوية مجرد أحلام بعيدة عن الواقع.”