شباب من الجبهات إلى مزيد من الآفاق: حكايات أمل في سوريا الجديدة

الحرية-حنان علي:
في زوايا الذاكرة الجماعية، تتعاقب الحكايات المؤلمة لشباب عالقين بين مطرقة الواقع وسندان المصير. أفنوا جُلَّ أعمارهم منخرطين في حروب شعواء، حتى باتوا مجرد أرقام على قوائم نظامٍ ظالم، تاركين خلفهم أحلامهم وذكرياتهم، وحيواتهم التي تسربت كحبات رمل بين أصابع الزمن، فاقدين طموحاتهم وآمالهم، في عالم جُبِلَ على الفوضى والضياع.
اليوم وبعد قرار إدارة سوريا الجديدة بإلغاء الخدمة الإلزامية، نشهد روح الحياة، والشروع في بناء مستقبلٍ لا يمسّه القلق من كابوس الحروب، فإذا ما انتظر الشباب في طوابير التجنيد الطوعي نراهم مشرقين بالابتهاج بقرار إنسانيّ نبيل يطلق سراح العقول والأمنيات.
تدريجياً، تشرع الحياة بالعودة إلى طبيعتها. شباب تمزقت أرواحهم بفعل سنوات من التشتت، باتوا اليوم قادرين على العودة إلى أوطانهم، حيث ينتظرهم الأمل. بعد سنوات من فقدان التواصل مع الأهل والأصدقاء. عائلات تجمع شملها وكلمات تتشكل من الدموع والحنين.

شهادات من قلب المعاناة
“كنت أرى أصدقائي يُساقون قسراً إلى الجبهات، بينما يؤرقني الخوف على مستقبلنا”، يقول ماهر ابراهيم، طالب في كلية الهندسة المعلوماتية في أوائل العشرينات من عمره، والذي عانى من فقدان العديد من أصدقائه في المعارك. “أشعر بأنني صرت إنساناً بحقّ، لن أحمل السلاح بعد الآن في وجه أخوتي لأسباب واهية، بات من المتاح لنا كشباب سوريين تأسيس مستقبل واعد بإذن الله”. وبسؤاله عن فكرة السفر التي شغلت معظم الشباب في عمره، أجاب ماهر :” لن أغادر سوريا أما مشروعي فسأنفذه في هذه البلاد”.

فرصة للعودة
مع إلغاء الخدمة الإلزامية، أشرقت بوادر الأمل في حياة هؤلاء الشباب. فقد أُتيح لهم العودة إلى بلدانهم بعد سنوات من التهجير والفقد.
“أشعر بأن ثمة ضوء في نهاية النفق. لقد مُنحنا الفرصة كي نعيش حياتنا كما نريد، بعيداً عن ويلات الحروب” . يقول الشاب الثلاثيني محمد النصار، الذي سافر للعمل في السعودية تاركاً عائلته وأطفاله الثلاثة خلفه بغية تجميع قيمة (البدل)، “بعدما بدت العودة أشبه بالمستحيل، بات بإمكاني الآن العيش مثلي مثل كل أب يشارك أسرته يومياتها ويكبر أبناءه أمام ناظريه”.

إنقاذ المستقبل
“القرار أنقذ الشباب مستقبل هذا الوطن” يقول الخيّاط كمال طالب وهو أب لشابين، “قمت ببيع البيت والذهب في سبيل جمع تكاليف وصول ابني الأكبر إلى أوروبا، لا أسوء من مشاعر أبوين يدفعان أولادهما لخوض مخاطر البحر” . وبسؤاله عن فكرة دعوة ولده للرجوع إلى سوريا أكد الأب الذي يصل ليله بنهاره خلف آلة الخياطة: “لا يرغب أب بقضاء بقية عمره بعيداً عن أبنائه”.

نقلة نوعية
“بفضل الله، لم أخسر ابني”. يقول السيد محمد مرعي فريسان صاحب دكان لبيع الخضار، ” كنا بين خيارين إما الغربة المُذلة أو التحاقه بالخدمة الإلزامية، لقد خلّصنا القرار الجديد من تغريبة الشاب عن عائلتنا التي تتطلب دعمه ومساندته مادياً ومعنوياً، وأتاح له الفرصة لبناء مستقبله داخل بلده وبين أهله” لينهي حديثه ممتناً: (الحمدلله صارت الأمور أفضل بكثير)”.
أما السيدة منال إبراهيم باشا، التي يبلغ ابنها من العمر 17 عاماً، وكان على وشك الالتحاق بالخدمة الإلزامية. فتخبرنا كم كانت كلماته تُدمي قلبها كلما أفصح عن مخاوفه بالعودة محملاً بنعشه فوق الأكتاف. ومع دموع الفرح تقول: “لا أعطي فرحتي لأحد، (دخيلك يا رب نصرتنا على الظلم)”، وتستعرض التجدد في حياة ابنها، حيث بدأت التحضيرات للبحث عن عروس له.
قصص ليست مجرد تفاصيل عن الألم والفقد، بل تعبير عن الرجاء والتغيير. فبعد سنوات من الوجع، تتشكل ملامح حياة جديدة، ومعانٍ جديدة ومستقبل مفعم بالإمكانيات والآمال العريضة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار