ترامب وبايدن.. فرق شكلي لحقيقة واحدة

حدثان يمكن اعتبارهما الأبرز خلال الأسبوع الماضي فيما يتعلق بسياسة الإدارة الأميركية الجديدة إزاء منطقتنا، الأول فجر الجمعة الماضي، وتمثل بإصدار الرئيس الأميركي جو بايدن شخصياً أمراً بشن قواته عدواناً على مناطق عند الحدود السورية- العراقية، والثاني نشر البيت الأبيض تقرير الاستخبارات الأميركية حول حادثة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018، والذي جاء فيه أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان يرى خاشقجي تهديداً للمملكة، ووافق على خطة للقبض على الصحفي أو قتله.

بعد انتخاب جو بايدن كرئيس للولايات المتحدة خلفاً لترامب، أثيرت الكثير من التساؤلات والآمال في الشارع السوري حول السياسة التي سينتهجها إزاء سورية، وكثرت هذه التساؤلات مع ندرة التصريحات الأميركية الرسمية حول الشأن السوري في الأسابيع القليلة التي تلت تنصيب بايدن، وتعززت آمال السوريين بشكل أكبر مع تصريح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي أن “القوات الأميركية الموجودة في سورية لم تعد مسؤولة عن حماية النفط في هذا البلد”، وامتناع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عن تأييد اعتراف إدارة ترامب بسيادة كيان الاحتلال الإسرائيلي على الجولان السوري المحتل.

إلا أن تساؤلات السوريين لم تدم طويلاً من دون إجابات، فقد استيقظوا يوم الجمعة الماضي على نبأ عدوان أميركي على مناطق في دير الزور قرب الحدود السورية- العراقية ليكون بذلك أول اعتداء أميركي على سورية بأمر من بايدن كرئيس ..

بايدن قبل أن يصبح رئيساً نشر “تغريدة” على “تويتر” في الثاني والعشرين من شهر حزيران الفائت هاجم فيها ترامب بسبب إصداره أوامر بشن الحروب قائلاً: “الأفعال المتهورة والمندفعة هي آخر شيء نحتاجه من القائد الأعلى للقوات المسلحة، لا ينبغي لأي رئيس أن يأمر بضربة عسكرية، لا نحتاج إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، لكن تصرفات ترامب تجاه سورية تزيد من احتمالية ذلك”.

في اليوم ذاته الذي حصل فيه  العدوان على سورية، قالت مصادر محلية في الحسكة: إن (عربات للقوات الأمريكية دخلت إلى سجن الثانوية الصناعية في الحسكة وخرجت بعد فترة وجيزة وعلى متنها 10 سجناء من إرهابيي “داعش” بينهم متزعمون وتوجهت ترافقها حوامات أمريكية إلى قاعدتها في مدينة الشدادي بالريف الجنوبي، تمهيداً لنقلهم إلى منطقة التنف على الحدود السورية- الأردنية إلى محيط قاعدة الاحتلال في المنطقة).

وهذا أيضاً يشكل استمراراً للسياسة الأميركية ذاتها التي انتهجها ترامب في سورية خلال ولايته، حيث قامت قواته بنقل مئات الدواعش بين المناطق السورية، ووفرت لهم الغطاء لشن اعتداءات على السوريين، ذهب ضحيتها عدد من المدنيين والعسكريين السوريين.

وفيما يتعلق بنشر تقرير المخابرات الأميركية حول قتل خاشقجي، امتنعت إدارة بايدن عن معاقبة ابن سلمان واكتفت بفرض عقوبات على قوات التدخل السريع السعودية والنائب السابق لرئاسة الاستخبارات العامة في المملكة لدورهم في مقتل خاشقجي.

ونقلت رويترز عن مسؤول كبير في إدارة بايدن، طلب عدم نشر اسمه، قوله: “إن نهج إدارة بايدن يهدف إلى خلق نقطة انطلاق جديدة للعلاقات مع المملكة من دون كسر علاقة أساسية في الشرق الأوسط.”

إدارة ترامب، من جانبها، كانت قد فرضت في العام ٢٠١٨ عقوبات على 17 فرداً ممن كانوا ضمن الفريق السعودي المتورط في مقتل خاشقجي من ضمنهم سعود القحطاني، المستشار المقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والقنصل العام السعودي في اسطنبول محمد العتيبي، وماهر المترب وهو مساعد للقحطاني ظهر في صور مع الأمير محمد بن سلمان خلال زيارات رسمية للولايات المتحدة وأوروبا خلال العام ذاته.

وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين في حينه: إنه “يجب” على السعودية اتخاذ الخطوات المناسبة لإنهاء أي استهداف للصحفيين والمعارضين السياسيين.

في النتيجة، وعلى الرغم من الحملة الإعلامية الأميركية التي رافقت نشر التقرير الاستخباراتي حول مقتل خاشقجي، إلا أن إدارة بايدن انتهجت نفس سياسة ترامب، ولكن بشكل مختلف، وقد نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى قولهم إنه خلال النقاشات التي جرت بهذا الخصوص كان هناك توافق داخل البيت الأبيض على أن ثمن الإضرار بالعلاقات مع السعودية سيكون باهظاً للغاية فيما يتعلق بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

خلال مقابلة مع قناتي الإخبارية والسورية في ٣١ تشرين الأول من العام 2019، قال الرئيس بشار الأسد: إن “ترامب هو أفضل رئيس أمريكي.. ليس لأن سياساته جيدة، ولكن لأنه الرئيس الأكثر شفافية.. كل الرؤساء الأمريكيين يرتكبون كل الموبقات السياسية وكل الجرائم، ويأخذون جائزة نوبل، ويظهرون بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان، وعن القيم الأمريكية الراقية والفريدة، والقيم الغربية بشكل عام ولكنهم عبارة عن مجموعة من المجرمين الذين يمثلون ويعبّرون عن مصالح اللوبيات الأمريكية وهي الشركات الكبرى، السلاح والنفط وغيرها”.

عندما يتعلق الأمر بسياسات الولايات المتحدة الخارجية، فالدولة العميقة هي اللاعب الأساسي، أما الرؤساء، فقد تكون هناك فروقات فيما بينهم، إلا أن هذه الفروقات شكلية فقط، أما في الأمور الأساسية فليس هناك فرق، بل طرق مختلفة في الإدارة تخفي حقيقة واحدة كشفها الرئيس الأسد في المقابلة المذكورة أعلاه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار