منظمة التجارة العالمية والحمائية التجارية الأمريكية سنة 2025
تكثر الأسئلة من قبل الاقتصاديين العالميين حول مستقبل منظمة التجارة العالمية ومقرها جنيف، وخاصة بعد وصول الحزب الجمهوري الأمريكي إلى البيت الأبيض وفوز دونالد ترامب في الانتخابات، الذي سيبدأ عمله الفعلي بتاريخ ٢٠٢٥/١/٢٠.
تضم هذه المنظمة /166/ دولة تشكل أكثر من /95%/ من التجارة والناتج الإجمالي العالمي، وقد تأسست بتاريخ 1/1/1995 في مدينة مراكش المغربية، وهي امتداد اتفاقية (الجات GATT) التي تأسست سنة /1948/، وتتنوع أهدافها التجارية لكن جوهرها يتجسد في خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية وحصص التوريد والحواجز التجارية الدولية، وتصنع قراراتها من قبل (المؤتمر الوزاري)، الذي يتألف من ممثلين عن الدول الأعضاء ويعقد عادة كل سنتين وعند الضرورة، ويتخذ قرارات لضمان انسياب السلع والخدمات بين الأسواق العالمية من خلال إزالة كل الحواجز التجارية.
المنظمة أكدت أنه في سنة /2023/ تراجعت التجارة والناتج العالمي بحدود /2%/ عن المتوقع بسبب الحماية التجارية والتوترات الجيوسياسية، ولكنها تتوقع بأن حجم التجارة العالمية سيزيد سنة /2024 / بنسبة /3،4%/، فهل سيحصل هذا في ظل توجه أكثر دول العالم للحمائية وخاصة الدول المتقدمة اقتصادياً وتجارياً؟
كما أبدت المنظمة قلقها بشكل واضح من تصريحات الإدارة الامريكية الجديدة باعتماد الحمائية التجارية، وهي أكبر دولة مستوردة في العالم، وبلغت مستورداتها لسنة /2023/ أكثر من /3100/ مليار دولار، وتعني الحمائية وضع قيود أمام التجارة والمنافسة عبر حماية الإنتاج لكل دولة، وقالت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية السيدة (نجوزي وكونجو إيويالا): “إنّ الحمائية ليست طريقاً فعّالاً نحو تحسين الإدماج، لأنها يمكن أن تزيد تكاليف الإنتاج وتؤدّي إلى ردود تجارية انتقامية”، لكن أتى الرد مباشرة من قبل ترامب باعتماده شعارات ومنها (أمريكا أولاً)، وسيسعى لفرض رسوم جمركية وقيود تجارية بنسبة /10%/ على الخشب المستورد من كندا المجاورة والحليفة لأمريكا، وفرض /20%/ من الخارج الاتحاد الأوروبي، وخاصة على الحديد الصلب وغيره، وستصل إلى أكثر من /60%/ على السلع ذات المنشأ الصيني وهو الاقتصاد الثاني عالمياً بعد الاقتصاد الأمريكي، وسيمنع الصينيين من الاستثمار في أمريكا وخاصة شراء الأراضي الزراعية، وفرض قيود على الشركات الصينية.. وأكد بنك (غولدمان ساكس) بأن هذا الإجراء سيؤثر على مبيعات الشركات الصينية بنسبة /13%/، وسيفرض قيوداً أكثر من /100%/ على السلع للدول التي تضع قيوداً أمام استخدام الدولار! وستكون أمريكا هي المركز العالمي للعملات المشفرة! وسيعيد النظر في الكثير من الاتفاقيات التجارية الدولية بما فيها العلاقة مع دول حلف ( الناتو) البالغة الآن بعد /32/ دولة بعد توسعه في عهد (بايدن) وتقليل الدعم للقارة الإفريقية وإقامة اتفاقيات تجارية جديدة معها؟.
وهدد ترامب بأنه إذا لم تزد الدول الأعضاء في الناتو نسبة مساهمتها في موازنة الحلف لأكثر من /3%/ من قيمة ناتجها الإجمالي فإنه سينسحب من الحلف لأن أمريكا تتحمل القسم الأكبر من نفقات الحلف وهذا يعرقل الانطلاقة الاقتصادية والتجارية الامريكية ؟! والحلف يرفض ذلك ويركز على مساهمة كل دولة بنسبة معينة من قيمة ناتجها الإجمالي، وسيتجسد هذا في الخروج عن الإجراءات الناتوية وفي مقدمتها عدم دعم ( أوكرانيا ) ضد روسيا، ووصف الرئيس الأوكراني (زيلنسكي) بقوله: إنه من أعظم مندوبي المبيعات وأنه كلما أتى إلينا نمنحه /100/ مليار دولار، وأمريكا بحاجة لها ؟! وسيساعد في هذا علاقته الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويريد ترامب تعزيز العلاقة الاقتصادية مع روسيا، وطالب الحكومة الأوكرانية بالاعتراف بالسيادة الروسية على المناطق الشرقية من أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.
كما طالب كوريا الجنوبية الحليف القوي لأمريكا بدفع مبالغ إضافية مقابل انتشار القوات الأمريكية على أراضيها، وخاصة أن كورية هي أكبر دولة في العالم تنتج سلعة أشباه الموصلات الهامة لكل أنواع السلع وخاصة الإلكترونية والفضائية والنووية، وهي شريان الاقتصاد الكوري، وطالب بتقليل علاقتها مع الصين التي يمر بها أكثر من /40%/ من سفن الشحن الكورية وتحديداً عبر مضيق تايوان الذي تعتبره الصين تابعاً لها، ودعا للقاء الرئيس الكوري الشمالي (كيم جونغ أون)، يسعى للسيطرة على المحيطين الهندي والهادي، لكي تتحكم أمريكا بسلاسل التوريد العالمية، وكلّ هذه الإجراءات ستؤثر على التجارة العالمية وتعزز الحمائية التجارية، فكيف سيكون واقع الأسواق الدولية وحلف الناتو ومنظمة التجارة العالمية سنة /2025/؟ فهل سنشهد تغيرات تحالفية دولية كبيرة في العلاقات الدولية والتي ستؤثر لاحقاً على الصراعات الجيوسياسية؟.