مؤتمر باريس وفصل لبنان عن غزة.. «الإنسانية» واجهة وإيران القطبة المخفية..
تشرين- هبا علي أحمد:
بعد أميركا- وبالتوازي معها في الوقت عينه – تدخل فرنسا على الخط مباشرة وتسوّق للمصطلحات ذاتها حول وقف إطلاق النار وجمع المساعدات الإنسانية في سياق المؤتمر الدولي لدعم لبنان الذي يُقام اليوم في العاصمة الفرنسية باريس، ولأن الغرب من بين ما عودنا عليه أن لا نتائج تُرجى من أي مؤتمر يخص ويرتبط بقضايانا، فلا داع لانتظار النتائج وترقبها ما دام السياق واضحاً ومعروفاً، فماذا يُمكن أن تقدمه فرنسا سوى ما قدمته أميركا من تشريع للعدوان على لبنان وغزة وعموم المنطقة؟ وكيف يستوي أن تدعم واشنطن الكيان في حين تُغرد فرنسا خارج السرب؟
ولأن المؤتمر المذكور يأتي في لحظة حرجة سياسية وأكثر حرجاً ميدانياً، فالنتائج معروفة، مساعدات إنسانية كاذبة لم ولن نعرف إن كانت ستصل أم لا، لكن العنوان العريض إن أعلن أو لم يُعلن هو القضاء على المقاومة و«نزع» سلاحها وفرملة انتصاراتها، ومن ثم تثبيت الميدان إلى ما وصل إليه الآن وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب، ولا سيما أن كيان الاحتلال لم ولن يستطيع تحقيق أي إنجازات ميدانية لا في غزة ولا في لبنان، وهذه حقيقة جليّة لم يعد بالإمكان إنكارها أو التنكر لها مهما زادت الجرائم الوحشية وهي في ازدياد بطبيعة الحال.
مؤتمر باريس يأتي في لحظة حرجة سياسية وأكثر حرجاً ميدانياً فماذا يُمكن أن تقدمه فرنسا سوى ما قدمته أميركا من تشريع للعدوان؟
وهكذا نستنتج أن المؤتمر الفرنسي ليس دعماً للبنان بقدر ما هو دعم لكيان الاحتلال والتستر على ما يعانيه في ميدان الجنوب اللبناني، والتستر أيضاً على فشل أميركي في إدخال تعديلات على القرار 1701، ولا سيما بعدما سقط الرهان على انهيار المقاومة وأن حزب الله باقٍ ويشتد عزيمة ومنعة وإصراراً على مواصلة نهج القادة الشهداء وعلى رأسهم سماحة السيّد الشهيد حسن نصرالله ومن سبقوه ومن التحق بركبهم المقدس.
بين واشنطن وباريس
بمجمل الأحوال لم تستطع واشنطن لجم الكيان عن عدوانه على غزة أساساً وامتدّ بعده إلى لبنان، وعلى نهجها ستكون باريس، وليس مُستبعداً أن نرى مبعوثيها قريباً في بيروت، فلا وقف لإطلاق النار قبل الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني، والمسار طويل كما أكدنا أمس في هذا الموقع، والأكيد سيتزامن مع المؤتمر وبعده قصف وحشي وممنهج على مختلف بقاع لبنان، كما تزامن ذلك مع الحراك الأميركي.
ومن جملة ما صرح به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن من مصلحة لبنان أن يكون محايداً، ويجب اتخاذ إجراءات حفظ السلام على طول الخط الأزرق، وألحق بها ضرورة وقف إطلاق النار ودعوة «إسرائيل» إلى وقف الغارات على لبنان كلازمة لا بد منها، كما اعتبر أن «إيران تدفع بحزب الله لمواجهة إسرائيل»، داعياً إلى وضع حد لحرب الآخرين على أرض لبنان.
ماكرون يربد أن يأخذ على عاتقه مواصلة مهمة فصل جبهة لبنان عن غزة وحماية الكيان ضمن جواره الإقليمي وهذا يُعيدنا إلى زيف وخداع ما يقال عن خلافاته مع نتنياهو
.. وعند ما سبق ذكره تكمن الحقيقة والقطبة المخفية، إيران، وما المؤتمر إلا لتمرير إدانة إيران وتحميلها مسؤولية كل المشكلات وزجّها في الصراع وإيصال المعركة إلى ساحتها، ولتهيئة الأرضية للاحتلال وشرعنة خطواته، كما الواضح وفي سياق الدعم للكيان يأخذ ماكرون على عاتقه مواصلة مهمة فصل جبهة لبنان عن غزة وحماية الكيان ضمن جواره الإقليمي، وهذا يُعيدنا إلى الخلافات التي ظهرت مؤخراً بين ماكرون رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لنتأكد أنها خلافات واهية شأنها شأن الخلافات المصطنعة أو التي اصطنعت بين الكيان وواشنطن على مدار العدوان على غزة.
بين الشرقي والغربي
ينقسم عالم اليوم إلى عالمين، عالم غربي بكل قواه وأتباعه وأذياله وأدواره السلبية تجاه قضايانا في الدبلوماسية والسياسة والاقتصاد.. وعالم شرقي بكل قواه المُتشكلة والصاعدة وأدوارها الإيجابية إلى حد كبير في مناصرة القضايا الدولية ولا سيما قضايانا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وعلى كل الصعد، وفيما باريس تحتضن مؤتمراً دولياً تحت ذريعة دعم لبنان، ونعرف من هي فرنسا وموقعها في دعم الكيان، تدعو روسيا من موقعها الداعم لقضايانا إلى ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة للتسوية في الشرق الأوسط، على لسان رئيسها فلاديمير بوتين، مشيراً إلى أن استعادة السلام في المنطقة لا يمكن تحقيقها من دون تصحيح الظلم التاريخي في الأراضي الفلسطينية، ومن دون ذلك فإنه من المستحيل ضمان السلام في الشرق الأوسط.
استعادة السلام في المنطقة لا تتحقق من دون تصحيح الظلم التاريخي في الأراضي الفلسطينية ومن دون ذلك من المستحيل ضمان السلام في الشرق الأوسط
ولفت بوتين إلى أن درجة تصعيد الصراع في الشرق الأوسط تضع المنطقة على شفا حرب شاملة وواسعة النطاق، مؤكداً أن التسوية في الشرق الأوسط يجب أن تتحقق على أساس المبادئ العالمية المقبولة بشكل عام، مشيراً في الوقت عينه إلى أن الكارثة الإنسانية في قطاع غزة وضع استثنائي غير مسبوق يتطلب التضامن مع الشعب الفلسطيني، وعلينا أن نبذل قصارى جهودنا لتحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وفي سياق الدور الروسي بعد اللقاء الذي جمع عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في موسكو، أمس، أثيرت التساؤلات حول هدف تلك الزيارة، بينما كشف أحد قادة الحركة أن «حماس» تريد من موسكو أن تحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس على بدء مفاوضات بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية تدير غزة بعد الحرب.
جبهات الدفاع والإسناد
أما المقاومة اللبنانية فتواصل معركة الإسناد لغزة ومقاومتها والدفاع عند لبنان وشعبه، وكل يوم ترتفع وتيرة العمليات الموثقة بالصوت والصورة والبيانات، وتصل العمليات النوعية وبأسلحة جديدة إلى مديات كبيرة وواسعة في شمال فلسطين المحتلة وباتت المصانع ضمن الدائرة، أما العملية البرية فكل يوم يُقدم جيش الاحتلال حصيلة لعدد قتلاه، هذا المُعلن عدا غير المعلن.
وتوصّف صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية الوضع قائلة: حزب الله لا يزال قادراً على إدخال «إسرائيل» في حرب استنزاف طويلة، على الرغم من الضربات الأخيرة التي تعرض لها، وبدلاً من تحقيق الهدف الإسرائيلي من العملية البرية الذي تمثل في إبعاد حزب الله وإيقاف هجماته، فإن الحزب يزيد من حدة عملياته.. يقاوم وينفذ الكمائن في القوات الإسرائيلية في الاشتباكات البرية عند جنوب لبنان، ويكثف الضربات بالطائرات من دون طيار والصواريخ في عمق «إسرائيل».
حزب الله لا يزال قادراً على إدخال «إسرائيل» في حرب استنزاف طويلة وبدلاً من إبعاده عن الحدود فإنه يقاوم وينفذ الكمائن ويكثف عملياته
أما على جبهة اليمن، فما زالت حركة «أنصار الله» تقُضّ مضاجع المستوى السياسيّ والأمنيّ أيضاً في كيان الاحتلال، بسبب الخطر الذي تُشكلّه الجماعة على «الأمن القوميّ الإسرائيليّ»، ووصفت مجلّة «ذي تايمز أوف إسرائيل» خطر اليمنيين على «إسرائيل» بأنّه قد يكون الخطر البعيد عن العين والعقل رغم ما تمثله هذه الجماعة من خطرٍ على «إسرائيل» وعلى طرق الملاحة عبر البحر الأحمر.
وفي العراق، نفّذت المقاومة العراقية عمليتين جديدتين ضد أهداف إسرائيلية في فلسطين المحتلة، استمراراً بنهجها في مقاومة الاحتلال، ونُصرةً للشعبين الفلسطيني واللبناني، وردّاً على المجازر التي يرتكبها الكيان الغاصب بحقّ المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، إذ استهدفت هدفاً حيوياً في غور الأردن المحتل وآخر شمال فلسطين المحتلة بوساطة الطيران المسيّر.