إن لم تكن حرباً كبرى فلتكن فتنة كبرى.. مخطط إسرائيلي-أميركي لوضع إيران بمواجهة جمهور المقاومة.. الكيان يستعد لعدوان بري على لبنان برعاية أميركية كاملة
تشرين- مها سلطان:
إن لم تكن حرباً كبرى، فلتكن فتنة كبرى.. هكذا يردد الكيان الإسرائيلي ومن خلفه الداعم الأميركي وإن من دون إعلان، وهو عملياً لا يحتاج إلى إعلان ولا يحتاج إلى توجيهات، فكلٌّ يعرف دوره المرسوم مسبقاً، وهو يمارسه منذ ثلاثة عقود على الأقل، وكلٌّ معروف بالاسم، ومفضوح باللسان، ومذموم بإثم الخيانة، وملعون بالفتنة «والفتنة أشد من القتل».
أبواق الفتنة تنعق ليل نهار لجر محور المقاومة ومعه المنطقة إلى حرب كبرى باتت مطلوبة بشدة لعدو يعترف بأنه لا يزال مأزوماً رغم وحشيته بالقتل والتدمير
كان يكفي الإيحاء لتنطلق أبواق الفتنة تنعق ليل نهار، طولاً وعرضاً، فإن لم نستطع جر محور المقاومة، ومعه المنطقة إلى حرب كبرى، باتت مطلوبة بشدة لعدو يعترف بأنه لا يزال مأزوماً رغم ما يمارسه من وحشية القتل والاغتيالات.. فإننا نستطيع جره إلى فتنة تبدو كل عواملها قائمة في لحظة انكسار إنساني كبير مُعمم يتوهم العدو بأنه يستطيع إغراق محور المقاومة في وهدته بعد استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله بعدوان إسرائيلي على الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت يوم الجمعة الماضي.
إلى كل أطراف محور المقاومة انطلقت أبواق الفتنة، وإن كان التركيز أكبر على إيران في محاولة لإيجاد ونشر مسار غضب وإدانة وضغط يُحاصر إيران ويدفعها نحو خيارات في غير محلها، وبما يوفر الذريعة للعدو الإسرائيلي والأميركي لجر المنطقة إلى حرب كبرى مُفصّلة بميادينها على مقاس مخططاته.. وغير خاف أن العدو يستثمر في اللعب على الحالة العاطفية للشارع العربي، ولجمهور المقاومة بصورة خاصة، لبث حالة وهن نفسي باتجاه سحب الثقة من جدوى المقاومة، وتالياً من أطرافها.
إيران لها موقعها ومكانتها وقراراتها محسوبة بدقة شديدة لما لها من تأثير مباشر على كل الإقليم فالمسؤولية كبيرة جداً في أشد ظروف المنطقة حساسية وخطراً
لكن ما استطاع رهط الفتنة تمريره في الماضي لا يستطيعون تمريره اليوم، ليست المنطقة وحدها من تغير في العقدين الماضيين، وإنما شعوبها أيضاً، التي بأغلبها لم تعد تؤخذ بالعاطفة، وتالياً بالفتنة، وإن كان رهط الفتنة يركزون على إيران ويريدون جرها إلى أن تكون «ساحة» وليس دولة، فهم لن يستطيعوا ذلك بالمطلق، لأن إيران دولة وسياساتها في المقاومة وموقعها في محور المقاومة قائمان على هذا المبدأ الأهم في قوام الدولة وقوتها ومنعتها، وعندما تتخذ قراراتها، في الرد والصد، فهي تتخذها بناء على أنها دولة محسوب حسابها في الإقليم، ولقراراتها تأثير مباشر على كل الإقليم وليس عليها فقط، لذلك فإن كل رد يجب أن يكون محسوباً بدقة بكل تفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة، فالمسؤولية هنا كبيرة جداً بأشد ظروف المنطقة حساسية وخطراً، وأكبر محنها في التاريخ الحديث.
ليس دفاعاً
لن نقول هذا ليس دفاعاً عن إيران وإنما نظرة واقعية لمسار تطورات المنطقة وما تستدعيه من ردود.. بل نقول هو دفاع أكيد مُستحق عن إيران بمواجهة عدو يريد اتخاذها «فتنة» للسيطرة على المنطقة بالتوحش والهمجية بالقتل والتدمير.
وحتى لو لم نكن نريد الدفاع عن إيران، بمعنى لا نريد أن نتهم بما ليس فينا، فنحن ندافع عن أنفسنا في دول مستهدفة بالقتل والدمار والاحتلال وهو ما يعلنه العدو الإسرائيلي كل يوم.. نحن ندافع عن أنفسنا ودولنا في وجه فتنة يريدونها بحجم منطقة، لا تبقي ولا تذر، والمنطقة كلها في الفتنة سواء، لذلك وجب الدفاع، ليس عن إيران فقط، بل عن كل الدول المستهدفة، لأنها كلها تدخل في هدف العدو بث الفتنة والشقاق، فإذا لم تكن إيران، كانت سورية، وإذا لم تكن سورية كانت العراق أو اليمن أو لبنان.. وهكذا.
المنطقة كلها في الفتنة سواء لذلك وجب الدفاع ليس عن إيران فقط بل عن كل الدول المستهدفة فيها فإذا لم تكن إيران كانت سورية وإذا لم تكن سورية كانت العراق أو اليمن أو لبنان
العدو الإسرائيلي نفسه يعلن يومياً أن «المهمة لم تكتمل» ويهدد بعدوان بري، يتعمد ألا يحدده بجغرافيا ولا بزمان، ويتوعد بالمزيد من الجرائم والاغتيالات، بينما يزعم الأميركي أنه يضغط وينصح، فيما هو يزود هذا العدو بكل وسائل القتل والفتك والتدمير «من دون خطوط حمراء»، ويؤمن له الحماية الدولية من الحساب والعقاب.
عمليات العدوان والاغتيالات الإسرائيلية تتسع بصورة أكبر وأخطر في لبنان وسورية واليمن، ومع تهديدات الكيان بقرب التوغل البري ضد لبنان لا يزال هذا الكيان ومعه الداعم الأميركي يمارسان الفجور نفسه بمطالبة إيران «بعدم استغلال ما يجري» بمعنى عدم الرد، وكلاهما يخشى بلا شك أي رد إيراني ويتحسب له، لكنهما في الوقت ذاته يمارسان الحرب النفسية ذاتها ضد إيران وساحات الإسناد.
ذروة الاستفزاز
وسائل الإعلام الأميركية ركزت في اليومين الماضيين على طلب الكيان الإسرائيلي من الإدارة الأميركية التدخل لمنع إيران من الرد على جريمة اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله، لكن هذا الإعلام لم يركز بالمقابل على مسألة أنه كيف يمكن للكيان توجيه مثل هذا الطلب وهو الذي يعمل ليل نهار على استجرار رد من إيران، بل يتعمد الوصول بكل عدوان إلى ذروة الاستفزاز في سبيل دفع إيران إلى رد غير محسوب.
هذه الوسائل نفسها تشير إلى كيف يرفض بنيامين نتنياهو، متزعم حكومة الكيان، مقترحات الرئيس الأميركي جو بايدن بخصوص التهدئة ووقف النار في غزة ثم في لبنان، ولو بصورة مؤقتة، لكنها بالمقابل لا تدعو إلى محاسبة نتنياهو وحكومته على هذه الإهانة والتصغير لرئيس أكبر قوة في العالم، إلا إذا كان ما يجري متفق عليه خلف الأبواب المغلقة، وهو كذلك وفق بيانات الدعم الأميركي المتواصلة للكيان وجرائمه.
ومن أجل ذلك أعلنت إدارة بايدن أمس عزمها على تعزيز الدعم الجوي الدفاعي ورفع جاهزية قواتها في الشرق الأوسط عقب إعلان حزب الله رسمياً استشهاد قائده سماحة السيد حسن نصر لله.
وحسب بيان لوزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» فإن أميركا ستستمر في الحفاظ على قدر كبير من القدرات في المنطقة وتعديل وضع القوات بشكل ديناميكي بناء على الوضع الأمني المتطور.
وكالعادة لا بد من الزج بإيران وتوجيه التهديد لها بأنه «إذا استغلت إيران أو شركاؤها هذا اللحظة لاستهداف موظفين أو مصالح أميركية في المنطقة فإن الولايات المتحدة ستتخذ كل الاجراءات اللازمة للدفاع».
وزعم البيان أن هدف الولايات المتحدة يتمثل في «نزع فتيل الصراعات الجارية في غزة ولبنان من خلال الوسائل الدبلوماسية».
وكان بايدن قال أمس إنه سيتحدث مع نتنياهو من دون أن يحدد موعداً لذلك، وأضاف بايدن في تصريحات صحفية: «سأخبركم بما سأقوله له حينما أتحدث معه».. وعندما سئل عما إذا كان يمكن تفادي اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط رد بايدن: «لا بد من ذلك، يتعين علينا حقاً تفاديها».
بالتزامن كان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، يقول: إن الولايات المتحدة تواصل الحديث مع الإسرائيليين بشأن الخطوة الصحيحة التالية في لبنان، لكنه لم ينس بالمقابل أن يعيد التأكيد على «دعم أميركا الصلب لإسرائيل والذي لن يتغير»، مشيراً إلى إيران قائلاً: نسمع تصريحات تخرج من طهران وننتظر حتى نرى ماذا ستفعل.
حرب أم تهدئة؟
وفيما ينتظر جون كيربي، تستمر التحليلات على قدم وساق بإعطاء توقعات وتكهنات حول المرحلة المقبلة، حرب أم تهدئة، من دون تأكيد اتجاه محدد، باستثناء أن الكيان الإسرائيلي سيقدم حتماً على عدوان بري ضد لبنان، وهو ما تؤكده وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولكن من دون التفصيل في زمانه ومداه.
صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، نشرت مقالاً للكاتب ماكس بوت قال فيه: من غير المرجح أن يمثل اغتيال نصر الله ضربة قاضية لحزب الله، لأن حزب جذوره مغروسة عميقاً في نسيج المجتمع اللبناني. ويذكّر الكاتب الأميركي بأن «إسرائيل ابتهجت باغتيال عباس الموسوي في تسعينيات القرن الماضي، وتوقع البعض أن حزب الله سيموت بموت قائده.. لكن نصر الله أثبت أنه أكثر فاعلية من الموسوي، إذ حوّل الحزب إلى أقوى قوة عسكرية غير نظامية في العالم». ويضيف: من الممكن جداً أن يُظهر خليفة نصر الله القادم (قريبه السيد هاشم صفي الدين) مهارة مماثلة لسلفه.
ويرى الكاتب الأميركي أنه رغم الضربات التي تلقاها حزب الله فإنه لا يزال بعيداً كل البعد عن الهزيمة، ولا تزال ترسانته الصاروخية فاعلة ولديه عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين جيداً والمتحمسين للقتال.
بالمقابل يرى باتريك وينتور المحرر في صحيفة «الغارديان» البريطانية أن اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله يترك إيران بلا شك أمام خيار مصيري، ويرى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن «كان ذا بصيرة نافذة حين قال الجمعة الماضية: إن الأيام المقبلة ستحدد المسار المستقبلي للشرق الأوسط.. وإنه مع تأكيد اغتيال نصر الله، فقد أصبحت المنطقة على حافة هاوية، كان بلينكن يسعى إلى تجنبها». حسب زعم الكاتب البريطاني.