زنزانة الأفكار
لم تفسح الظروف الضاغطة التي مررنا بها خلال السنوات الفائتة لمعظمنا تسمية كل الأشياء بمسمياتها، ولم تسمح أن نبوح بكل ما يجول في خاطرنا، كبتنا جلّ آرائنا إزاء ما يدور حولنا حتى بدت وكأنها أسيرة زنزانات منفردة لا هامش للتململ ضمنها.
نعم أصبح لدى كل منا زنزانة نحتبس ضمنها أفكارنا ولا نتجرأ على البوح بها عبر الأثير المحيط بنا، تجنباً لتصادمها مع ما يعج به من مفاهيم، أصبح الكثير منها مشوهاً وخاطئاً يجافي كلَّ المبادئ والقيم والأخلاق التي لطالما كان يتحلى بها مجتمعنا.
القلق من ردة الفعل بالأذى المنفلت من ضعاف النفوس، جعل الكثير منا يحسب ألف حساب عندما يريد إطلاق رؤيته حول أسباب بعض المشكلات الواقعة في محيطنا ومن يقف وراءها، وإن سهونا أحياناً أو انفعلنا قد يظهر من يهمه أمرنا فينبهنا كي لا نسترسل بإسقاطاتنا ومقارناتنا وشواهدنا، ويلفت نظرنا لضرورة أن نبقى في العموميات ولا ندخل في تفاصيل الإشارة لأماكن الخلل والتجاوزات بشكل مباشر ودقيق.
من المفارقات العجيبة ما بات يحدث عندما يصادف أن تحرج بعض الموجودين في عدد من المواقع لضعفهم أو تقصيرهم إزاء تطبيق بعض القوانين والأنظمة النافذة، حيث تجد منهم من يلوح لك، وإن بشكل مبطن بعصا الخارجين على القانون، في محاولة لأن يثنيك عن محاولة الاستمرار بتعرية ترهله أو تواطؤه.
ما نتمناه ألّا يطول أجل بقائنا أسرى قلقنا وإرباكنا وخنق بوحنا إزاء الشرخ الاجتماعي الذي خلفته الحرب، وتطاول البعض بجرأة غير مسبوقة على حقوق الآخرين، وكذلك إزاء بروز ظاهرة التفاوت والتباين المعيشي الكبير بناء على معطيات مشبوهة، على أمل اتخاذ إجراءات تبدد ولو تدريجياً مبعث توجسنا.