أوكرانيا و«قهرية» الانتخابات الأميركية.. زيلينسكي مُجبر على الانتظار «حتى الهزيمة الكاملة»

تشرين – د. رحيم هادي الشمخي:
لم تخف الابتسامات ومحاولة إظهار نوع من المرح على الأجواء.. لم تخفِ الاخفاق الذي خرج به الاجتماع الذي انعقد يوم الجمعة الماضي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وكان مخصصاً لبحث مسألة السماح للنظام الأوكراني باستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد أهداف في عمق الأراضي الروسية.
وكان لا بد من الانتظار حتى مساء اليوم التالي (أي أمس السبت) حتى تخرج تصريحات تؤكد الإخفاق، على اعتبار أنه لم يكن هناك تصريحات مفيدة ما بعد الاجتماع، وعليه فإن الصواريخ بعيدة المدى/الأميركية والبريطانية والألمانية/ التي تم تزويد النظام الأوكراني بها، ستبقى حبيسة مخازنها في العاصمة كييف، فيما سيقف رئيس النظام الأوكراني فلوديمير زيلينسكي متحسراً منتظراً، ومتفرجاً على «صواريخه» عديمة الجدوى، في ظل أن أميركا وحلفاءها لا يستطيعون التمادي، إلا بحدود وضوابط قاهرة، فيما يخص روسيا في أوكرانيا.
بايدن وستارمر سيعاودان اللقاء مجدداً على هامش مشاركتهما في اجتماع الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك خلال الأيام القليلة المقبلة، وبعد أن يكونا قد أجريا مزيداً من المشاورات والبحث مع دول أخرى مثل فرنسا وإيطاليا.. فيما تبدو ألمانيا مستبعدة هنا مع تأكيدها مجدداً الافتراق عن المسار التصعيدي/الأميركي مع روسيا.
المستشار الألماني أولاف شولتس، أكد أمس السبت تمسكه بعدم السماح لنظام زيلينسكي باستخدام أسلحة بعيدة المدى، زودته بها ألمانيا، لضرب أهداف على الأراضي الروسية. وقال شولتس أمام تجمع لأنصار الحزب الديمقراطي الاجتماعي بمدينة برينزلاو: «سأبقى متمسكاً بموقفي حتى وإن قررت دول أخرى خلاف ذلك، لن أفعل ذلك لأنني أعتقد أنه سيخلق مشكلة».
وكان شولتس أكد مؤخراً أنه حان الوقت للتعامل مع أوكرانيا بطريقة مختلفة والتوجه إلى تسوية مع روسيا لإنهاء التوتر معها، وتالياً الحرب الأوكرانية.
على التوازي، فإن فرنسا بدورها تجد نفسها في موقف غير جيد في ظل الرفض الشعبي للتورط أكثر في أوكرانيا، خصوصاً في ظل المد اليميني في البلاد والذي يحاصر الرئيس إيمانويل ماكرون في كثير من السياسات الخارجية خصوصاً في أوكرانيا. الفرنسيون يرون أن الولايات المتحدة الأميركية تريد من الأوروبيين القيام بالمهمة القذرة نيابة عنها، وأن يدفعوا الثمن أيضاً نيابة عنها.
وعليه لم يبق من دول أوروبا الرئيسية سوى بريطانيا، وهذه من غير المتوقع أن تغير موقفها، حيث كان العلاقة الأميركية البريطانية دائماً مختلفة عن كل مسارات العلاقة بين أميركا وبقية الدول الأوروبية، والأسباب معروفة جداً بحكم الارتباط التاريخي بين البلدين، والسياسات المتشابهة، وحيث بريطانيا لا ترى مكانها بين الأوروبيين، وإنما مع الولايات المتحدة، وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى إنسحابها من الاتحاد الأوروبي، وتالياً فإن مواقفها في أوكرانيا ستكون على خلاف وعلى نقيض مع العديد من الدول الأوروبية.. وبما يناسب المصالح الأميركية وليس الأوروبية.
بكل الأحوال، كان الاخفاق متوقعاً لاجتماع بايدن- ستارمر في ظل أن روسيا وجهت، قبل الاجتماع، أوضح وأخطر رسائلها، وأن أي شيء لن يمنعها من ترجمة رسائلها في الميدان.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعاد التأكيد والتهديد عشية الاجتماع (يوم الخميس) بأن أي سماح/ أو استخدام أوكراني لصورايخ أميركية/بريطانية (أتاكمز، وستورم شادو) بعيدة المدى ضد أهداف في العمق الروسي يعني تغييراً جوهرياً في الصراع، إذ يعني دخول حلف الناتو رسمياً وبشكل مباشر في الميدان ضد روسيا.
وإذا ما ربطنا ذلك بما يُصرح به مسؤولون روس حول «تفعيل العقيدة النووية للجيش الروسي»… وتصريحات أخرى قبل أشهر حول إمكانية تسليح روسيا لكل الدول والحركات حول العالم (ومنها الشرق الأوسط) المعادية للولايات المتحدة، بأسلحة دفاعية وهجومية متطورة، فهذا يعني أن روسيا «لا تمزح» في مسألة وضع هذه التهديدات موضع التنفيذ وعلى الفور.
لكل ذلك، فإن على أميركا وحلفاؤها أن يفكروا ألف مرة في مسألة السماح لنظام زيلينسكي باستهداف الأراضي الروسية بصواريخ غربية بعيدة المدى. ومع ذلك وعلى ذمة الإعلام الأميركي والبريطاني فإن إدارة بايدن، سمحت أو ربما تتجه للسماح بذلك، لكن الأمر مؤجل، وهذا لناحية التنفيذ، ولأن هذا السماح سيوسع دائرة الحرب نحو مستوياتها الأخطر فإن التنفيذ سيتم ترحيله إلى الإدارة الأميركية الجديدة التي ستفزرها انتخابات الـ5 من تشرين الثاني المقبل، فإدارة بايدن وحزبه الديمقراطي لا يمكن أن يخاطرا بحرب حالياً أو بتصعيد خطير مع روسيا قبل الانتخابات. مع فارق يتمثل فيما إذا فاز دونالد ترامب وحزبه الجمهوري والذي يزعم أنه قادر على تسوية الحرب الأوكرانية في 24 ساعة (وعلى الهاتف)

بعد عودته إلى لندن، سعى ستارمر للتغطية على الاخفاق مشيراً إلى أنه أجرى مع بايدن «مناقشة بناءة» بخصوص أوكرانيا، ركزت على «الاستراتيجية» وليس على «خطوة أو تكتيك معين». مضيفاً أن الاجتماع مع بايدن لم يتناول أوكرانيا فقط بل عموم الجبهات، من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
ولم ينسى ستارمر الإشارة إلى إيران، ومزاعم تزويدها (مع كوريا الشمالية) لروسيا بأسلحة فتاكة، وهي المزاعم التي لم تخدم أميركا ومخططاتها لتوريط إيران وروسيا معاً، وتصعيد الضغوط على روسيا، رغم أن الحملة كانت شرسة جداً وما زالت مستمرة، ضد إيران على خلفية هذه المزاعم.. واشنطن أخفقت كلياً في إمتلاك الأوراق الكافية لتبرير السماح لنظام كييف باستخدام اسلحة بعيدة المدى ضد الأراضي الروسية عبر استخدام هذه المزاعم.
ومن المفيد هنا، ربما، التذكير بتصريحات البيت الأبيض يوم الخميس الماضي، أي عشية الاجتماع، حيث قال جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في إدارة بايدن، بأن الولايات المتحدة تأخذ على محمل الجد التصريحات الروسية حول عواقب السماح لنظام كييف باستخدام الصورايخ بعيدة المدى ضد روسيا. وأضاف: واشنطن تسترشد بحساباتها الخاصة عند اتخاذ القرارات، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن بلاده لم تغير نهجها بخصوص تقييد استخدام تلك الصواريخ من قبل نظام كييف.
وإذا ما أضفنا هذا التصريح إلى تصريحات المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر حول أنه «لا يوجد أسلحة غربية تصلح لأن تكون وصفة سحرية تسمح لنظام كييف بالنجاح» يكون السؤال: لماذا هذا التصعيد ضد روسيا؟
رايدر نفسه يجيب على السؤال بقوله: من وجهة نظر الولايات المتحدة يجب على أوكرانيا استخدام الأسلحة الأميركية بطريقة تضمن لها الحصول على أفضل موقف في المفاوضات المستقبلية المحتملة.
ولكن كيف.. كيف يمكنها ذلك إذا لم يسمح لها باستخدام تلك الصواريخ؟
نظام زيلينسكي حتى الآن ورغم مضي عامين ونصف العام على الحرب، لم يستطع أن يفهم كيف يفكر الغرب، أو كيف تفكر أميركا فيما يخص المواجهة مع روسيا. بل إن زيلينسكي يبدو مقيداً أكثر فأكثر بسلاسل جهل تضيّق عليه الخناق أكثر، فيعجز عن الفهم وتالياً عن الفعل.
بكل الأحوال، يبدو أنه لا بد من الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، لمعرفة ما سيكون عليه الموقف الأميركي.
وكان الإعلام الغربي تحدث مؤخراً عن أن البيت الأبيض قدم قبل أسبوع من الآن «وثيقة سرية- استراتيجية» طويلة الأمد إلى الكونغرس، حول إدارة الصراع الروسي الأوكراني.. وهي طويلة الأمد لأنها مرتبطة بنتائج الانتخابات الرئاسية، وعلى احتمال أن الفائز فيها قد يكون ترامب، أما إذا كانت كامالا هاريس،هي الفائزة، فعندها سيكون لهذه الاستراتيجية تفكير وتدبير آخر.

كاتب وأكاديمي عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار