هوليوود تسرق تراث الشعوب وتعيد تصميغه بالكراهية ضدهم!
تشرين- جواد ديوب:
تبهرنا شركات الإنتاج السينمائي العملاقة بإنتاجاتها الضخمة، حيث إنها تجيّش طواقمها الفنية وأساطيل كتّاب السيناريو المخضرمين والشباب بالإضافة إلى أجيال جديدة من نجوم ونجمات باتوا يحومون في خيالاتنا وأحلامنا بل وينافسوننا على كسب الحظوة عند أحبائنا.
معمل خطير
ولأن السينما هي إحدى إبداعات العقل البشري يمكنها أيضاً أن تتحول إلى “معملٍ” خطيرٍ لتشويه السمعة الطيبة التي يحاول البشر تركها في وعي أجيالهم القادمة كي لا يقعوا في مصائد من صنع أيديهم. فبعض الأفلام التي تنتجها هوليوود بكثير من “الاعتناء” في سبيل ضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من المشاهدين في أصقاع الأرض باتت جزءاً من لعبة سينمائية خطرة وحساسة، إذ إن البناء الأساسي لسيناريوهات تلك الأفلام، والعديد من مفرداتها ورموزها يرتكز على تراث إنساني لقوميات مختلفة في العالم، تقتنصها آلة هوليوود وتنسبها لنفسها وللعقل الأكبر أميركا، وتقدمّها للعالم على أنها من خلق الفرد الأميركي المتفوق بكل شيء حتى في مشاعره الإنسانية تجاه البشرية جمعاء.
أذكر هنا مثالاً لا حصراً، فيلماً بعنوان “جيرونيمو”، وهذا الاسم “جيرونيمو” مأخوذ من البطل الهندي الأحمر الذي حارب ضد المستعمرين البيض، وهو اسم أطلقته أميركا على العملية الاستخباراتية العسكرية التي قتل فيها أسامة بن لادن في ذاك الوقت.حتى إن اسم القبيلة التي ينتمي إليها جيرونيمو هي قبيلة “الأباتشي” اسمٌ أطلقته أميركا على أحدث طائراتها المقاتلة.وهذا تشويه لتراث سكان أمريكا الأصليين، وترسيخ لشعورٍ سلبيٍّ تجاههم كما فعلت يومياً وعلى مدار قرون مع الأفارقة الأمريكان رغم كل محاولات السينمائيين المناهضين للتفرقة العنصرية والأفلام التي حاولت إنصاف العرق الأسود عبر ما يشبه اعترافاتٍ متأخرة من قبل البيض للتكفير عن الإذلال التاريخي الذي ألحقوه بأبناء بلدهم ومنها أفلام مهمة ومؤثرة مثل: “المُساعِدة/ The Help”
و”12 عاماً من العبودية Twelve years a slave”
و”دجانغو الطليق/ Django Unchained”.
القوة الناعمة!
الخطر في المسألة هو أن الأمريكان يشتغلون كثيراً ويومياً وبشكل متعدد النواحي على ترسيخ الأفكار والشخصيات بشكل يجعلها غير قابلة للنسيان منطلقين من أحدث نظريات السيطرة على الذاكرة الجمعية للبشرية أي مبدأ “القوة الناعمة” فحسب هذه النظرية يقول أحد الساسة الأمريكان: “إن كل دولار يُنفق على تغيير وعي الشعوب أفضل من آلاف الدولارات على تصنيع الأسلحة وبيعها لهم” .
فهوليوود تقتبس بعناد من كنوز حضارات عالمية وتعمل بخبثٍ مضمر على جعلها ترسخ في الذاكرة العالمية على أنها من إنتاج العقل الأمريكي المبدع حتى لو تم ذلك على حساب “الأحقية التاريخية” للآخرين..وهذا أخطر مما يبدو أنه مجرد سرقة أغنية تراثية من هنا أو قصة شعبية من هناك، لأن ذلك يُعدُّ “اختطافاً” لتراث بأكمله وتحويله بكيمياءٍ شرسة إلى مُلْك لهم، وبما يجعل الجمهور العالمي (كمشاهدين ومستمعين وقارئين) يستعيدها في ذاكرته وفي يومياته وحتى في خيالاته على أنها أميركية الأصل أو أنها من (تراث الولايات المتحدة الأمريكية حديثة النشأة قياساً لعمر حضارات الكوكب الأخرى) نذكر مثلاً: شخصية “السوبرمان” وشخصية “طرزان” (مأخوذة من قصة حي بن يقظان) و”المرأة القطّة”(من الحضارة الفرعونية)، و”كونغ فو باندا” (من الحضارة الصينية)… وغيرها من قصص خيالية مثل “الجميلة والوحش” إذ نعلم أنّ الخيط الأول الذي ارتكزت عليه تلك الشخصيات هو حكاياتٌ عربية مثل “ألف ليلة وليلة” أو حكايات شعبية تراثية من أعماق الخزان التراثي لأعراقٍ ومجتمعات بشرية قديمة كالفراعنة وبلاد فارس والحضارة اليابانية والأساطير الهندية والصينية.. حضاراتٌ تغارُ منها أمريكا وتتمنى لو تبيدها نكايةً بعراقتها!
صورة العرب
ولعلّ من المهم التذكير بما كتبه الدكتور جاك شاهين، بروفيسور الإعلام في جامعة جنوب ألينوي بالولايات المتحدة، في كتابه “العرب السيئون… كيف تشوِّهُ هوليوود شعباً” يقول فيه “إن صورة العرب في هوليوود بقيت نفس الصورة التي رسمها الأوروبيون والمستشرقون عن أن العرب شعبُ صحراء وخيام وراقصاتٍ شبه عاريات، وشعوذات سحر (…) وهذه الصورة لم تتغير حتى في أفلام الكرتون، ومنها فيلم علاء الدين الذي يقول في الأغنية الافتتاحية: أنا قادم من بلاد يقطعون فيها أذنك إذا لم يعجبهم وجهك”!.وخطورة هذا التنميط تكمن أيضاً في أن “هوليوود هي مصدر قويّ للترفيه في العالم وتصل أفلامها إلى أكثر من مئة وخمسين دولة معاً، لذا فإنك إن رأيت شخصية عربيٍّ شرير في فيلم من هوليوود فإنه يؤثر على ثلاثة مستويات؛ في الرأي العام العالمي، وفي تبنّي السياسة الخارجية لبلدٍ ما تجاه العرب، وفي العرب أنفسهم وخاصة العربي المسلم بأنها تجعله يخجل من إرثه وتاريخه.
لعل هذا هو الجزءُ الواقعيٌّ الأكثر سلبيةً من “الفن السابع” الذي غيّر وجهَ العالم وغيّر وجوهنا أيضاً وجعلنا ندرك أخطاءنا وخطايانا، وساعدنا على التخلص من شوائب أرواحنا، حتى إنه كان تعويذةً نلجأ إليها كلما عجزنا كبشر عن تحمّل قسوة الواقع وبشاعة الجرائم البشرية التي ترتكب باسم السياسة والأديان.