“نوافذ إبداعيّة”.. خطوةٌ على الطريق لِسبعة وعشرين فناناً
تشرين- لبنى شاكر:
“نوافذ إبداعيّة” عنوانٌ اختاره القائمون على اتحاد الفنانين التشكيليين/ فرع ريف دمشق، لِمعرضهم المُفتتح مُؤخراً في المركز الثقافي في أبو رمانة، بمشاركة سبعةٍ وعشرين فناناً من المُنتسبين الجدد إلى صفوفه، في مُحاولةٍ على ما يقوله سهيل بوحمدان رئيس الفرع في حديثٍ لـ “تشرين” إعطاءهم حافزاً للاستمرارية عبر تسليط الضوء على أعمالهم التي تستحق فرجةً مُتأنية، رغم أن عدداً من أصحابها لازالوا في أول الطريق، إلى جانب آخرين ممن في رصيدهم أعوامٌ من الخبرة وعددٌ من المعارض الفردية.
تتكئ تغريد الشيباني على أشكالٍ هندسية مكسورة ومُجزّأة تستحضر في عموميتها المدرسة التكعيبية
مُحاورة المُتفرّج
شاركت الفنانة تغريد الشيباني بلوحتين، وكانت تجاوزت العام الماضي أسلوبها الأول الذي بدأت العمل عليه عام 2017 مع “العجمي”، الحرفة الفنية اليدوية القديمة، حيث أبدعت فيها رسوماتٍ ومُنتجاتٍ مُنوّعة كالمرايا والصناديق، إلى أن كانت الانعطافة في معرضها الفردي الرابع «ترانيم الحجر والشجر»، من ميدان الصنعة نحو اللوحة التشكيلية، الأكثر ميلاً نحو اكتشاف النفس، ومنها إلى مُحاورة المُتفرّج، والأكثر تحرراً كذلك إن صح التعبير، من مهارات الحرفة والتنفيذ، والتعاطي مع المواد والتراكيب، أما في “نوافذ إبداعيّة”، فاتكأت الشيباني على أشكالٍ هندسية مكسورة ومُجزّأة، تستحضر في عموميتها، المدرسة التكعيبية، والتي ترى في الزوايا والمكعبات والخطوط المستقيمة والمنحنية، طريقةً للتعبير عن الأشياء والنظر إليها في الوقت ذاته.
حروفية تشكيلية
عبد اللطيف حلاق، ذهب عبر ثلاث لوحاتٍ إلى الحروفية بأسلوبٍ يجمع ما بين التقاليد القديمة والحداثة، بحيث عاد بالخط العربي إلى جذره الأصيل، دون أن يعني هذا تنازلاً عن الرؤية الفنيّة الأوسع للعمل.
في التجربة الأولى يمنح الأحرف المتداخلة شيئاً من المهابة التي تفرض نفسها أمام الوجه الباكي بصمت، حتى يُهيئ للناظر أن الدموع جزءٌ من الوجنتين، وفي الثانية تحمل الكلمات ألوان الوجه الذي تُحيط به، لِيصبحا موضوعاً واحداً، كأنّ العيون والشفاه والملامح تتحدث عن أصحابها، رغم الصمت والعزلة في الدواخل، واللتين التي لا تجدان معنىً للكلام، وفي اللوحة الثالثة يستحضر حلاق الدرويش الراقص عبر حروفٍ تُجاري دورانه وذراعيه المرفوعتين، وكأنها تبتهل طالبةً المدد، زاهدةً بما سواه من متع الدنيا.
اهتمّت دارين شلق بعدة عناصر بنائية من بينها المشرابية والنوافذ صغيرة الحجم مع بروزات الطوابق العلوية
بورتريهات أنثوية
في لوحتي مريم السيد، اشتغالٌ على بورتريهاتٍ أنثوية، فيها الكثير من الترميز والإشارات رغم محدودية العناصر الموجودة في العملين. في الأول يختفي نصف الوجه تقريباً ليحل محله طيرٌ جارح، ومن ثم يندمج العنق وما تبقى من الجسد، بالصدر الذي يُغطيه الريش الرمادي، وعلى ما يظهر من قوة وثقة، يبدو الجمال حاضراً كذلك في الشفتين الحمراوين، وهو ما نراه في العمل الثاني أيضاً، مع ما فيه من ضعف واستكانة، في الأيدي الأربعة التي تُغمض العين وتحاول إغلاق الفم، غير إن العناية برسم الأصابع والشعر، وامتلاء المساحة حتى الحواف، يجعلان التوقف حتمياً أمام الاجتهاد في إعطاء الوجه مساحاتٍ رحبة من التأويل، دونما تكلّف أو استعراض.
يستحضر عبد اللطيف حلاق الدرويش الراقص عبر حروفٍ تُجاري دورانه وذراعيه المرفوعتين
عمارة دمشقيّة
دارين شلق اختارت رسم العمارة الدمشقيّة القديمة في عملين، اختلف فيهما التكنيك، ففي الأول مزيجٌ لونيٌّ سميك، لِبنائين متقابلين، يلتقيان فيما يبدو سوقاً شعبياً، ويتشاركان أيضاً نباتاتٍ تطاولت بين النوافذ والجدران، كالتي تكثر في الحارات والزواريب، واللافت هنا اهتمامها بعدة عناصر بنائية من بينها المشرابية والنوافذ صغيرة الحجم مع البروزات على مستوى الطوابق العلوية، وهو ما يظهر أيضاً في العمل الثاني بألوان الإكريليك في مَشهد آخر، تتباين فيه زاوية النظر للأبنية، وما يُمكن إضافته هنا هو أن هذا الموضوع الحاضر باستمرار كإرثٍ جماليٍّ مُستدام، يُكسب رساميه قيمةً مُضافة، في مُحاولتهم البحث عن بصمة أو خصوصية، رغم مئات التجارب السابقة لآخرين.