مجانين ومبروكون وضحايا.. أهل الهمم في مسلسلاتٍ تلفزيونيّةٍ مُسيئة
تشرين- لبنى شاكر :
لا خِلاف على أن علاء الدين زيبق ( 1987- 2017)، والذي مرّت مُؤخراً ذكرى رحيله، كان بطلاً بمعنى الكلمة، تشهد له النتائج التي حققها محلياً وعالمياً في السباحة ورمي الكرة الحديدية، أبرزها فوزه في أولمبياد شنغهاي عام 2007 لذوي الاحتياجات الخاصة، غير أن مُشاركته في مسلسل “وراء الشمس” للمؤلف محمد العاص والمخرج سمير حسين عام 2010، عرّفت الجمهور السوري به بشكلٍ مُغاير، فلم يسبق في حينها التعاطي مع أهل الهمم بجدية، تتجاوز الطريقة التي درجت زمناً طويلاً في إظهارهم على هيئة شخصياتٍ ساذجة وغير مفهومة للآخرين، تُثير الضحك أو الهلع أو التعاطف، كونهم غالباً “مجانين، مبروكين، دراويش، ضحية للعنف والتحرش وما شابه”، في حين قليلاً ما قُدِّموا كجزءٍ من المجتمع كما هم فعلاً.
“وراء الشمس” واحدٌ من أهم الأعمال التي سلطت الضوء على مُصابي متلازمة داون
أحقية الحياة
في “وراء الشمس” الذي عدّ ولا يزال، واحداً من أهم الأعمال الدرامية التي سلطت الضوء على مُصابي متلازمة داون، تأكيدٌ على أحقية هؤلاء في الحياة، من خلال حكاية أبٍ وأمٍ يعرفان أن جنينهما “مريض” تبعاً للتعبير المُستخدم شعبياً، ويختلفان حول الإبقاء عليه أو التخلص منه، وهي إشكالية معروفة تستحق بحثاً واسعاً، إذ إن آباءً وأمهاتٍ تكثر أعدادهم، يختارون إجهاض الجنين تفادياً للإحراج أمام الناس بسبب شكله وتصرفاته المُتوقعة أو المسؤولية التي سيتوجب عليهما القيام بها تجاه الصغير غير القادر على خدمة نفسه، والذي سيحتاج من يُعينه مهما تقدّم به العمر.
اللافت أيضاً في العمل إظهاره عدة نماذج من ذوي الاحتياجات الخاصة “أصحاب متلازمة داون أو اضطراب التوحد”، أحدهم ابن لعائلةٍ ميسورة الحال والآخر صاحب مهنة من عائلة مُعدمة، مع الانتباه إلى اختلاف متطلبات هذه الشرائح باختلاف الأعمار والظروف والبيئات، مُحوِّلاً التعاطف إلى مواجهةٍ حقيقية وأسئلةٍ لا بدّ من رصد إجاباتها.
مسلسلات تلفزيونية عديدة دعمت الصورة الذهنية الخاطئة التي كوّنها المجتمع عن ذوي الهمم
خط درامي فرعي
في السياق ذاته، نستحضر مسلسل “مقابلة مع السيد آدم” والذي أخرجه فادي سليم وكتبه بالشراكة مع فادي كيوان عام 2020، وفيه نموذجٌ سبق أن اشتغلت عليه الدراما في التعاطي مع أهل الهمم ضمن خط درامي فرعي رديفٍ لأول أساسي بهدف كسب المزيد من التأييد للقضية المطروحة أيّاً كانت، إذ إنه لا مبرر آخر لتقديم طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل المذكور سوى هذه الغاية، حيث يتم اختطافها للضغط على أبيها الطبيب الشرعي، لتغيير تقرير كتبه في جريمة قتل، وعلى أية حال، بالتأكيد كنا سنتعاطف مع أي طفل في الموقف نفسه، لكن اختيار طفلة بهذه المواصفات لم يخدم أي موضوع يخص حالتها بقدر ما استجدى التعاطف مع الأب المفجوع برحيل ابنته بعد التلاعب بأدويتها.
حاولت الدراما التلفزيونية مقاربة عوالم أصحاب الاحتياجات الخاصة الذين تتباين أوضاعهم
دعم الصورة الذهنية
ينسحب هذا التعاطي، على مسلسلات تلفزيونية عديدة، لم تُضف للصورة الذهنية التي كوّنها المجتمع عن ذوي الهمم من أصحاب الإعاقات الجسدية كالصم والمكفوفين ومحدودي الحركة، ونظرائهم ممن يُعانون من صعوبات أخرى كعسر الكلام والقراءة ومشكلات الذاكرة، بل ربما ساهمت في دعمها، ففي أحسن الأحوال هم عاجزون ومثيرون للشفقة، يحتاجون المساعدة دائماً ولا أُفق أمامهم، في وقت كانت مؤسسات حكومية وخاصة تعمل لتفسح لهم فرص التعليم والعمل، وتدافع عن حقوقهم في قضايا جوهرية كالزواج والتملّك والتنقّل، وهو ما ظهرت نتائجه بشكلٍ جليٍّ في الأعوام الأخيرة، بحيث لم تعد تفاصيل حياتهم سراً أو عاراً، يُسيء إلى العائلة ويستوجب الإخفاء والمُواربة كما كان الأمر سابقاً، ومن ثم حاولت الدراما التلفزيونية مقاربة عوالم هذه الفئات التي تتباين مُتطلباتها وأوضاعها، لكن في المحصلة لا تزال التساؤلات وإشارات التوجس قائمة تجاه أصحاب الاحتياجات الخاصة، ما يُؤكد الحاجة إلى مزيدٍ من طروحاتٍ واعيّة، تمحو أثر الاستثمارات المجانيّة المُسيئة في التجارب الفائتة.