المراقب لما يحدث في أسواقنا المحلية، يشعر بكثير من خيبات الأمل، ترافقها حالات إحباط كثيرة لعدم جدوى إجراءات السوق وخاصة خلال سنوات الأزمة التي حملت الكثير من المشاكل المعيشية، وقبلها معوقات تأمينها أهمها الحرب الكونية ومفاعيلها على مكونات اقتصادنا الوطني، ومفرزات أصبحت صعبة الحل منها أسعار استقرارها مفقود، و تجار سيطروا على أساسيات المعيشة، والأخطر إيجابيات التدخل الحكومي تراجعت الى مستويات بعيدة، تسجل هوامش ضعف، تركت آثارها السلبية على المعيشة اليومية بكل مفرداتها..!
أمام هذا الواقع حنين الماضي ” وما فعلته مؤسسات التدخل الإيجابي” أيام الزمن الجميل” رغم سلبياته”، إلا أننا لا نستطيع المقارنة مع الحالي، ولا ننكر الدور الإيجابي لها، وحجم تدخلها في قضايا المعيشة, وهذا الأمر ليس وليد أزمة محددة, بل يعود لعقود مضت مرت بها الدولة بأزمات شتى كان لتلك المؤسسات الدور الأبرز في حماية المواطن، وتأمين متطلباته الأساسية, ولعل أزمة “ثمانينيات” القرن الماضي وأزمات لاحقة خير شاهد وبرهان, وإن اختلفت الأدوات بعض الشيء في ظل أزمتنا الحالية والحرب الكونية التي تستهدف كل أسباب المعيشة ومكوناتها..!
وحنينا هنا الى ذاك الدور الذي نفذته مؤسسات الحماية، وكان السمة الأبرز والقوة التي حملت مفردات إيجابية التدخل، رغم محدودية الانتشار، مقابل مكونات القطاع الخاص الكبيرة، الذي يبسط أجنحته على مصراعيها في أسواقنا المحلية، مستغلاً حاجة الدولة ومواطنها لاستقرار مكونات معيشته, وتأمينها بصورة يحكمها استقرار، يخفف الأعباء المادية عن المواطن وخزينة الدولة على السواء, من دون أي تباطؤ يفسح المجال لأصحاب النفوس الضعيفة من التجار، استغلالها بصور مختلفة, معظمها تصب في خانة الاستغلال والاحتكار وتكوين الثروة على حساب الوطن والمواطن, مستغلين ” الأزمة والحاجة” وهذا ما حصل في السابق , وما يحصل الآن صورة مشابهة ” رغم هامش التدخل الكبير” لكنها أبشع وذلك باختلاف الأسباب والمسببات , وحتى الأدوات ..؟!
لكن وجود الدولة بمؤسساتها كان صمام الأمان للمواطن من جهة, وسلامة إجراءاتها من جهة أخرى، وتطبيقها على أرض الواقع, ولو بالحدود المقبولة وذلك لمحدودية هذا الانتشار المتمثل في منافذ (الاستهلاكية – الخزن- سندس- والجمعيات التعاونية وغيرها)، وما رافقها من ضعف في عملية التوسع خلال العقود الماضية, بل تراجع الأداء، واتسعت الفجوة بين الحاجة والمطلوب، في ظل اندماج للمؤسسات أعتقد لم نوفق به..!
لكن هذا ليس مبرراً لعدم الاهتمام أكثر بها، وخاصة أن الأزمة الحالية أثبتت أنها ذراع الدولة القوي، يمكن من خلالها بسط سيطرتها على السوق، وفرض الإيقاع الذي تريده, والذي يتماشى مع أهدافها الاقتصادية والاجتماعية, وهذا لن يتحقق إلا ضمن آلية واضحة، يتم من خلالها التعاطي معها بصورة ايجابية تستند إلى عدة مقومات، أهمها بالدرجة الأولى: العودة الى تلك المؤسسات، بمفردات جديدة، ومراسيم إحداث تتوافق مع تغييرات الأسواق، وقادرة على التأقلم مع كل جديد، تمتلك الحرية باتخاذ القرار، والاستقلال المالي، ومرونة الإجراءات ومحاسبتها على النتائج، وقبلها اختيار الكوادر الكفوءة للقيادة, والأهم من ذلك تحقيق الانتشار الأفقي والشاقولي لها، بحيث لا يبقى حي خالياً منها, عندها نستطيع تجسيد حالة التدخل الإيجابي المنشودة، سواء بعدة “مؤسسات أم بواحدة” وتدخل اليوم لا يحمل هذه الصورة، رغم الإمكانات الكبيرة، ومفردات القوة، لكن ما يحدث في الأسواق أكبر بكثير من الإمكانات المتوافرة، وهذا يدفعنا للحنين الى سنوات الزمن الجميل، وتعدد أدوات التدخل وزيادة المؤسسات، يد واحدة لا تصفق، والاستمرار بها انتحار سلبي..!
والمطلوبات أيادٍ كثيرة للعمل والتصفيق جماعة..!
Issa.samy68@gmail.com