الرئاسيات الأميركية مُثقلة الحمل.. حرب غزة تطوّق الديمقراطيين.. التخلي عن هاريس في الأولويات وسوء حظها يصبّ بخدمة ترامب
تشرين- هبا علي أحمد:
على نحو لافت وغير مسبوق في التاريخ الأميركي تبدو الرئاسيات الأميركية مُثقلة الحمل، من أوكرانيا إلى الصين وروسيا والقوى الحليفة لهما إلى حرب غزة، كلها قضايا تواجه كلا المرشحين الجمهوري والديمقراطي.
القضايا الخارجية من حرب أوكرانيا إلى غزة تلعب دوراً في توجه الناخب الأميركي لاختيار رئيسه
ورغم ثقل الدولة العميقة ودورها المركزي في اختيار الرئيس الذي يُنفذ مصالحها بالدرجة الأولى، إلا أن القضايا المذكورة لا تقلّ أهمية عن لعب دور في توجه الناخب الأميركي لاختيار رئيسه لأربع سنوات قادمة، ولا سيما حرب غزة التي لها ثقل راهناً في الداخل الأميركي، وكان لافتاً أن تكون العنوان العريض لآلاف المحتجين على سياسة الديمقراطيين في الدعم اللامحدود للعدوان الإسرائيلي على غزة، بالتزامن مع انطلاق مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو(يستمر حتى الخميس) للمصادقة رسمياً على اختيار نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس لمنافسة الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، على أن يكون تيم والتز نائباً لها.
وأيّاً يكن الوضع، ففيما يسعى الديمقراطيون إلى إظهار الوحدة بعد التغيير غير المسبوق في المرشحين، فإن حرب غزة أوجدت شرخاً في صفوفهم وفي صفوف ناخبيهم.. وهذا لا يعني أن الجمهوريين لا يدعمون الكيان الإسرائيلي، بل على العكس تماماً يُجاهر ترامب بدعمه اللامحدود، ولكن ربما من سوء حظ هاريس أن الإبادة حصلت في عهد الديمقراطيين، بالتالي فهي متهمة سلفاً وعليها تحمل التداعيات، وربما هذا ما سيخدم ترامب، وبكل الأحوال فإن الأميركيين يعرفون بأنفسهم أنهم يختارون بين السيئ والأسوأ أو بين سيئين، ولا خيار ثالثاً.
شرخ غزة
لم يكن صوت «الوحدة» الذي اتخذه مؤتمر الحزب الديمقراطي شعاراً له في هذه الدورة أعلى من صوت المحتجين، خارجاً على الدعم الأميركي لحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، وبالتالي فإن ترشيح هاريس محفوف بالتحديات والعقبات والتشكيك في أن تصل إلى النتيجة التي تأملها بالفوز على ترامب، في ظل عدم اليقين حول الناخب الأميركي الداعم للديمقراطيين أساساً. وفيما كان الديمقراطيون يتحدثون عن «الوحدة» و«إنقاذ الديمقراطية» و«الحلم الأميركي» قام متظاهرون باجتياز حواجز نصبتها الشرطة الأميركية في محيط مقر مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو احتجاجاً على دعم إدارة بايدن لـ«إسرائيل» في حربها الدموية على غزة.
محتجون يتعهدون بالتخلي عن هاريس في حال لم تتوقف حرب غزة حتى لو كان ذلك يعني تسليم البيت الأبيض لترامب
واخترق المحتجون الحواجز أمام المقر، لكنهم لم يتمكنوا من اجتياز السياج حول صالة «يونايتد سنتر»، حيث يعقد المؤتمر، ورفع المتظاهرون دمى ضخمة لبايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع إطلاق قنابل دخان على وقع أصوات الطبول والهتافات.. وهتفوا: «بايدن/هاريس، لا يمكنكما الاختباء.. نتهمكما بالإبادة الجماعية»، وتعهدوا بعدم التصويت لهاريس في تشرين الثاني المقبل في حال لم يتوقف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، حتى لو كان ذلك يعني تسليم البيت الأبيض لترامب.
وحمل الكثيرون لافتات بعنوان «التخلي عن هاريس» على غرار التخلي عن بايدن في مؤتمرات الحزب لاختيار مرشح للرئاسة. وفي وقت سابق أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن مؤتمر الحزب الديمقراطي سينطلق في شيكاغو في ظل الحرب على غزة، القضية التي أحدثت شرخاً كبيراً في صفوف الحزب.
حتى الخطاب الأخير
الشرخ الذي أوجدته حرب غزة في صفوف الديمقراطيين كان واضحاً في الخطاب الأخير لبايدن، فرغم أنه الأخير له، إلا أن ذلك لم يمنع الكثير من الديمقراطيين من الانسحاب قبل نهايته، حتى بدا بايدن منبوذاً حتى من أقرب المقربين، إذ خرج المشاركون في المؤتمر بمجموعات من أجزاء مختلفة من الساحة، متجهين نحو المخرج ومن دون انتظار نهاية الخطاب.
وقال بايدن في خطابه: الولايات المتحدة وصلت إلى نقطة مفصلية في التاريخ، مشيراً إلى أن الانتخابات الرئاسية القادمة ستحدد مصير البلاد والعالم لعقود مقبلة، مضيفاً: الديمقراطية الأميركية نفسها مهددة، لكن أفضل الأوقات في تاريخ البلاد لا تزال أمامنا، ولم تتخلف عن الركب، كما زعم بايدن «العمل على تحقيق الأمن والسلام في الشرق الأوسط وإنهاء الحرب في غزة».
ولم ينسَ بايدن أن يهاجم ترامب، قائلاً: ترامب يكذب ويقدم مصلحته على مصلحة أميركا، واصفاً إياه بأنه فاشل ومجرم مدان، كما ذكّر بتلويحه بحمّام دم في البلاد في حال خسر الانتخابات المقبلة، وتوجه إلى الحضور داعياً إياه إلى التصويت لهاريس مرة ثانية، وخاطب الديمقراطيين قائلاً: أريد منكم السيطرة على مجلس النواب وهزيمة ترامب.
أميركا وصلت إلى نقطة مفصلية في التاريخ والانتخابات الرئاسية القادمة ستحدد مصير البلاد والعالم لعقود مقبلة
ترامب «الخطير»
اللافت في المؤتمر كان حجم التركيز على ترامب وضرورة هزيمته، ورغم أنها حالة طبيعية في مواجهة الخصم، إلا أن هذا التركيز نحّى جانباً كل القضايا الداخلية التي تهم الناخب الأميركي، وتحول ترامب من «مجرم مُدان» إلى أهم القضايا وأكثرها إلحاحاً، رُبما لتخفيف وطأة الاحتجاج أملاً بتحويل الأنظار من غزة إلى «الخطر» الذي يترصد أميركا في حال فوز ترامب، لذلك لم تملك هاريس سوى الدعوة إلى «ضرورة القتال في هذه الانتخابات من أجل الانتصار».
على الخط ذاته، هاجمت هيلاري كلنتون المرشحة الديمقراطية السابقة للانتخابات ترامب، قائلة: يعد أول من يترشح لانتخابات الرئاسة وهو مدان بـ 34 تهمة جنائية، مُشددة على أن هاريس ستدافع عن «القيم الأميركية والديمقراطية في البلاد».. «المستقبل هنا! أتمنى أن تتمكن أمي وأم كامالا من رؤيته»، وذلك في إشارة إلى أنه في حال فوز هاريس بالانتخابات، فستصبح أول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة.
ماسك وترامب
في مقابل التحذيرات التي يُطلقها الديمقراطيون من فوز ترامب، يبرز في المشهد الانتخابي الميلياردير الشهير إيلون ماسك كعامل قوة مساعد لترامب، ولا سيما أن الأفكار التي يتبناها ماسك تتطابق مع ترامب وبالتالي تُناسب الكثير من الناخبين الأميركيين في هذه المرحلة، حيث بدأ منذ أشهر الترويج عبر منصة «إكس» التي استحوذ عليها قبل نحو سنتين لأفكار «يمينية محافظة» إلى حد بعيد، معطياً بذلك دفعاً أكبر لأجندة الحزب الجمهوري السياسية، كما انتقد بشكل متكرر تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن سياسة الحزب الديمقراطي في هذا المجال، وعمد مراراً وتكراراً إلى مشاركة فيديوهات وأخبار مشكوك في مصداقيتها، حسب ما أكد العديد من المحللين والسياسيين أيضاً، ما دفع بعض المراقبين إلى رسم تساؤلات حول السلاح الذي يملكه بين يديه، في إشارة إلى موقع «إكس»، ومدى تأثير ذلك في الرأي العام والناخبين الأميركيين.
وأعرب ترامب في السياق، عن أنه سيعرض على ماسك مقعداً وزارياً أو منصباً استشارياً في حال فوزه بالانتخابات، ليُلمح له الأخير بالموافقة.
يذكر أنه بموازاة المؤتمر الديمقراطي الذي سيستمر 4 أيام، سيجول ترامب على ولايات تشهد منافسة محتدمة حيث ينظم تجمعات انتخابية طوال الأسبوع في بنسلفانيا وميشيغن وكارولاينا الشمالية.