المنطقة و«ربما» بلينكن ومسار تفاوض بلا نهاية لمحاصرة رد إيران وحزب الله.. التكهّن يسيطر وإذا وقعت الحرب الموسعة فلن يكون بالإمكان احتواؤها
تشرين – مها سلطان:
عندما يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن المفاوضات الجارية حالياً «ربما» تكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق حول الرهائن والأسرى لوقف إطلاق النار في غزة.. فهذا يعني أن المسار يتجه نحو استمرار تمديد التفاوض، ولن يكون الاستئناف الثاني للمفاوضات يوم الأربعاء المقبل، هو الاستئناف الأخير، إذ إن الجميع مقتنع بأن المفاوضات – مهما تم تمديدها – لن تفضي إلى شيء، وما هي إلا عملية تضييع وتقطيع وقت، أو لنقل ما هي إلا عملية محاصرة الرد الإيراني بالمزيد من جولات التفاوض، أي تأخيره إلى المدى الزمني الذي يجعله بلا معنى، أو بفائدة محدودة.
المسار يتجه نحو استمرار تمديد التفاوض فيما هناك قناعة عامة بأن المفاوضات مهما تم تمديدها لن تفضي إلى شيء وما هي إلى عملية تضييع وقت لمحاصرة الرد الإيراني
المسألة هنا في كلمة «ربما» التي يستخدمها بلينكن، فهي تفتح – بلا نهاية – مسار التفاوض، ولو كان الأميركي جاداً أو قادراً أو عازماً «لا فرق» على أن تكون للمفاوضات نتيجة إيجابية لما استخدم «ربما»، وكان بإمكانه أن يقول بصورة مباشرة إن المفاوضات الحالية هي الفرصة الأخيرة، لكن بلينكن عندما قال «ربما» أفسح للكيان الإسرائيلي كل الوقت لمزيد من القتل والتدمير، ولفرض الشروط المستحيلة، وصولاً إلى توسيع دائرة النار في المنطقة «إضافة إلى هدف محاصرة الرد الإيراني».. فالكيان الإسرائيلي لم ينهِ «المهمة» بعد.
هذه الـ«ربما» لا تتعلق بالكيان الإسرائيلي فقط، بل بجميع الأطراف، فالنهايات لم تعد أميركا تفرضها، قرار السلم والحرب خرج من يدها، أو كما يقال لم تعد 99 بالمئة من أوراق المنطقة بيدها.
وعليه، فإن كل المسؤولين الأميركيين الذين يزرعون المنطقة ذهاباً وإياباً طوال الأشهر العشرة الماضية، ومنهم بلينكن في جولته الحالية التاسعة إلى المنطقة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الثاني الماضي، كلهم بلا طائل، فالحرب تواصل أخذ كامل أبعادها باتجاه الحرب الموسعة مهما كان من شأن التأجيل والتأخير، الذي يتم استحضاره، وأحياناً بصورة قسرية.. وأياً يكن من شأن محاولات محاصرة الرد الإيراني فهو قادم حتماً وبعدها يكون لكل حادث حديث، هذا ونحن لم نتحدث بعد عن رد المقاومة اللبنانية/حزب الله.
كل المسؤولين الأميركيين الذين يزرعون المنطقة ذهاباً وإياباً ومنهم بلينكن كلهم بلا طائل فالحرب تواصل أخذ كامل أبعادها باتجاه الحرب الموسعة
اللافت أن أميركا تستمر في إظهار أن الرد الإيراني سيكون حتماً فاتحة لحرب موسعة في المنطقة، خصوصاً إذا ما ترافق مع رد المقاومة اللبنانية، ورغم أنه لا جدال في أن الردين سيكونان كبيرين وعلى أعلى مستوى تأثير، فإنهما ليس بالضرورة أن يؤديا إلى ما تحاول أميركا جر الجميع إليه، إلا إذا كانت أميركا تحاول القول إن هذين الردين لا بد أن يستدعيا «رداً» من الكيان الإسرائيلي، وهو الرد الذي سيشعل المنطقة، وليس الرد الإيراني أو رد حزب الله.
هذا لا يعني أن أميركا تسعى إلى منع الحرب الموسعة، لكنها لا تريدها قبل ترتيب أوضاعها والتأكد من أن نتائجها ستصب في مصلحتها ومصلحة كيانها.. وعليه فمن المتوقع أن يستمر المسار الحالي أشهراً مقبلة، بين تفاوض من جهة، وجولات تصعيد من جهة أخرى، من دون أن تكون هناك ضمانات بألا تؤدي إحدى هذه الجولات إلى اشتعال المنطقة.
جولة بلينكن
في ظل هذا الوضع الذي يقيد المنطقة برمتها إلى «حافة هاوية» يواصل بلينكن جولته في المنطقة بدءاً من الكيان الإسرائيلي، حيث يستكمل اليوم الإثنين لقاءاته مع مسؤولي الكيان، ومنهم بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت.
وكان بلينكن قد التقى أمس الأحد رئيس الكيان يتسحاق هرتسوغ، ليعلن بعد اللقاء أن المفاوضات الجارية «ربما تكون الفرصة الأخيرة» للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في قطاع غزة، مضيفاً: هذه لحظة حاسمة، ربما تكون الفرصة الأفضل وربما الأخيرة لإعادة المحتجزين والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، ووضع الجميع على مسار أفضل نحو السلام والأمن الدائمين.
وتابع: أنا هنا كجزء من الجهود المبذولة للوصول بالاتفاق إلى خط النهاية، لقد حان الوقت لتحقيق ذلك، سوف نتأكد من ألا يأخذ أحد خطوات قد تعطل هذه العملية.
وأشار بلينكن إلى أنه كان يعمل على ضمان عدم حدوث تصعيد إقليمي، وسط ترقب الرد الإيراني، وفقاً لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» الإسرائيلية.
وكانت جولة المفاوضات الجديدة التي شهدتها العاصمة القطرية الدوحة على مدى يومين انتهت إلى الفشل، ليُعلن تمديدها في جولة ثانية الأربعاء المقبل في العاصمة المصرية القاهرة، بينما تستمر المحادثات بين الجولتين، في ظل ما تقترحه أميركا لـ«تقليص الفجوات».
وعشية استئناف التفاوض، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن تفاؤله بأن التوصل إلى اتفاق مازال ممكناً، وقال في تصريحات ليل الأحد/الإثنين، بعد رحلة استجمام قضاها في منتجع كامب ديفيد: إن المحادثات لا تزال جارية ونحن لن نستسلم.. التوصل إلى اتفاق لايزال ممكناً.
مسار التفاوض
بالتزامن، جدد وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت مطالبته نتنياهو بإحالة المفاوضات إلى مجلس الوزراء، وقال: مع اقتراب لحظات اتخاذ القرار بشأن صفقة التبادل، فمن الواضح أن هذه ليست صفقة إطلاق سراح الرهائن فحسب، بل هي أيضاً قرارات صعبة ستؤثر في ساحات متعددة في الوقت نفسه.
وأضاف غالانت: «إسرائيل» على مفترق طرق استراتيجي، الامر يتعلق بـ«اتفاق حرب إقليمية»، لأنه إذا فشل الاتفاق فهناك خطر متزايد من التصعيد العسكري، ما سيؤدي إلى دخولنا في حرب إقليمية، لا يمكن وقفها، تشمل حزب الله وإيران.
«تقليص الفجوات» وفق المقترح الأميركي فشل مسبقاً والكيان الإسرائيلي يقول إنه على مفترق استراتيجي وفشل التفاوض سيدخله في حرب إقليمية لا يمكن وقفها
وحسب القناة الـ«12» الإسرائيلية قال نتنياهو لفريق التفاوض: من المستحيل التفاوض والانسحاب بعد يومين، وردّ الفريق بالقول: «نحن لا نجري مفاوضات لمدة يومين.. نجري مفاوضات لعدة أشهر».
وحسب القناة فإن غالانت قدّم هذا الطلب مرتين، الأولى يوم الخميس الماضي والثانية أمس الأحد، بحضور ثلاثة مسؤولين أمنيين كبار، لكن نتنياهو لم يوافق.
جبهة الشمال
في الاثناء يستمر التصعيد بصورة أوسع على جبهة الشمال/حزب الله، حيث أعلن الحزب، اليوم الإثنين، التصدي لمجموعة من الجنود الإسرائيليين، تسللت إلى حرش حدب عيتا على الحدود الجنوبية، وإجبارها على التراجع وإيقاع إصابات مؤكدة فيها.
وقال في بيان: «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، وبعد مراقبة ومتابعة لقوات العدو الإسرائيلي، وعند رصد تسلل مجموعة من جنوده إلى حرش حدب عيتا، تصدى لها مجاهدو المقاومة الإسلامية اليوم الإثنين واستهدفوها بالأسلحة الصاروخية وقذائف المدفعية، ما أجبرها على التراجع وأوقعوا فيها إصابات مؤكدة».
وكان حزب الله قد أعلن عن تنفيذ 11 عملية نوعية ضد الكيان الإسرائيلي أمس الأحد، مستخدماً أسلحة مختلفة.
وكان الطيران الحربي الإسرائيلي قد اعتدى ليل أمس على عدة بلدات في جنوب لبنان، وحسب الوكالة الوطنية اللبنانية للأنباء فإن العدوان استهدف بلدة حولا في قضاء مرجعيون بالنبطية، وأطراف بلدة عيتا الشعب، وبلدة بيت ليف.
وأضافت: إن العدوان الإسرائيلي على بلدة بيت ليف أسفر عن تدمير منزل أحد المواطنين من دون وقوع إصابات. بينما أسفر الهجوم على بلدة حولا عن إلحاق ضرر كبير بأحد المنازل في حي الحمامير قرب النادي الحسيني.
وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، قد كشفت أمس أن التقييم داخل الكيان الإسرائيلي يفيد بأن حزب الله سيهاجم قريباً رداً على عملية اغتيال القيادي فؤاد شكر، مشيرة إلى أن الحزب ينتظر فقط حدوث أزمة في المفاوضات بشأن صفقة الأسرى، التي انتقلت مباحثاتها إلى القاهرة، وبعد ذلك سينفذ إطلاق نار واسع النطاق على «إسرائيل» من لبنان، بما في ذلك استهداف تل أبيب، للمرة الأولى في الحرب، وبهذه الطريقة لن يُنظر للحزب على أنه من أفسد الصفقة، لكن من وجهة نظره سيكون لديه مبرر للهجوم، مشيرة إلى أن «هذا تقييم حديث وليس خبراً، لكن إسرائيل تستعد أيضاً لهذا السيناريو».
ونقلت «يديعوت أحرونوت» عمن وصفتهم بمسؤولين أمنيين كبار قولهم: إن رد إيران أو رد حزب الله لا يفترض أن يأتي بالضرورة بشكل هجوم صاروخي وطائرات من دون طيار كما هو متوقع، بل يمكن أن يأتي على شكل محاولات اغتيال لشخصيات إسرائيلية، بمن في ذلك وزراء وأعضاء في «الكنيست»، وضباط كبار، ومسؤولون في «الموساد» و«الشاباك»، سابقون وحاليون.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن هذا الأمر طرح للنقاش أمام المجلس الوزاري والسياسي الأمني، وتمت التوصية باليقظة وتشديد الحراسات.
أسلحة أميركية عالية النوعية لـ«إسرائيل»
يأتي ذلك بالتزامن مع ما كشفته مصادر أمنية إسرائيلية أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وافقت قبل عدة أيام على صفقة أسلحة نوعية لـ«إسرائيل» من بينها طائرات «F15EX» الهجومية التي تعد الأكثر تقدماً في العالم في سبيل تعزيز تفوقها الجوي في المنطقة (عددها 50 بقيمة 40 مليون دولار)، إضافة إلى قنابل (أم كيه 83) تزن نصف طن يقدر عددها بـ1700 قنبلة، ونوعيات ذخيرة أخرى.
وحسب المصادر نفسها فإنّه خلال الأشهر التسعة الماضية وحدها، أرسلت الإدارة الأميركيّة ما لا يقل عن 14 ألف قنبلة بوزن 2000 رطل إلى «إسرائيل» إضافة إلى 6500 قنبلة بوزن 500 رطل، و2600 قنبلة بوزن 250 رطلاً، و3000 صاروخ هيلفاير، و1000 قنبلة خارقة للتحصينات غير محددة، من بين ذخائر أخرى.