الضعف البشري.. وقفة في عالم القوى الخارقة
تشرين- حنان علي:
في عالم يموج بالأسرار حيث يتقافز الواقع بين الخيال والحقائق، تتداخل خيوط الفكر والجذور الثقافية لتخلق شبكة غامضة من الاعتقادات والأساطير.
سعى الإنسان على مر العصور، إلى فهم المجهول متجاوزًا حدود التجارب اليومية إلى عوالم تفوق الإدراك، لائذاً بالقوى الخارقة التي تأسر الأرواح وتلهب الخيال. لتنشأ بين تأثير العلوم الحديثة، والأديان المتنوعة، والتجارب الإنسانية العميقة، قناعات عديدة تتأرجح بين الإيمان والشك، بين الروحانية والعقلانية.
قناعات تبدو كأنها انتقال دائم بين الرغبة باكتشاف المجهول وبين سمات الحياة اليومية، ما يلهب التساؤل: هل ثمة قوى خارقة حقاً؟ وكيف تُشكل القناعات بذلك حياتنا أثناء رحلة التقصي عن الغموض الذي يكتنف وجودنا.
أساطير
تعبر القوى الخارقة عن رغبات الإنسان في التغلب على الصعوبات والتحديات، وتظهر كل ثقافة كيفية تعامل مع المجهول والمغامرة عبر أشكال متنوعة من الخرافات والحكايات الشعبية.. ففي الأساطير اليونانية، كان العديد من الآلهة مثل زيوس يتمتع بقوى خارقة لاحدود لها. الحال عينه في الأساطير الهندية، ففي الديانة الهندوسية يملك الأفاتار مثل كريشنا وراما القدرة والسيطرة. أما في الأساطير الإفريقية فتتضمن الحكايات الشعبية أبطالاً ذا قوى خارقة، يمكنهم منح الجزاء والعقاب، وغالباً ما يرتبطون بالعالم الروحي. ونذكر بالأساطير اليابانية: الشينوبي (النينجا) ومهارتهم في التخفي والحركة السريعة، بالإضافة إلى آلهة الشينتين ولا نغفل عن عالم الجن في الأساطير العربية.
الضعف البشري
يؤمن البشر بالقوى الخارقة لأسباب متعددة تتعلق بالثقافة النفسية والاجتماعية، فالقوى الخارقة تمنح الناس شعورًا بالقوة والتحكم بظروف الحياة المعقدة وغير المتوقعة، كذلك تسهم في تفسير الظواهر الطبيعية والأحداث العنيفة، هذا عدا عن الراحة النفسية والطمأنينة اللذين يوفرهما إيمان البشر بوجود قوى خارقة خاصةً في الأوقات الصعبة أو المقلقة، كما تمنحهم الخرافات والأساطير الأمل والقوة.
قوى العقل الباطن
ومع تطور وسائل الإعلام وانتشار المعرفة، يُبْدِع الفكر الإنساني أشكالاً جديدة من التفسيرات، تتشابك أحيانًا مع خيوط التاريخ والحقائق النفسية، مقدمةً تأثيرات متباينة على النفوس والعقول. فنرى طاقة العقل الباطن باتت من أبرز الشواغل في العصر الحديث، حيث يرتبط فهمها وتعزيزها بالعديد من المفاهيم التي يُعتقد أنها تُظهر قوى خارقة.
يُعتقد أن العقل الباطن يُؤثر بشكل كبير على أفعالنا وقراراتنا، من خلال تقنيات مثل التصوير الإيجابي والتأمل وإعادة برمجة العقول لتحقيق الأهداف. كما يربط العديد من المفكرين في مجال التنمية الذاتية بين طاقة العقل الباطن ومفهوم “قانون الجذب”، حيث يُعتقد أن الأفكار الإيجابية تجذب الأحداث الإيجابية إلى حياة الفرد. ومن قوة العقل الباطن وفق ما يقال، يتم الشفاء الذاتي، الإبداع والابتكار والبرمجة الذاتية والتأثير في العلاقات.
في المجمل، يُنظر إلى طاقة العقل الباطن كأداة قوية قادرة على التغيير الشخصي والتحقق من الأهداف، ما يزيد من ممارسات استخدامها في العصر الحديث ويعزز الاعتقاد بأنها تمتلك قوى خارقة حقيقية.
تبدل المعتقدات
لا يزال تغير القناعات بشأن القوى الخارقة عبر الأزمان، يعكس تطورات الفكر البشري وتبدل المعتقدات، وتعمل التوجهات العلمية الحديثة على تقديم تفسيرات علمية لفهمها وفق المناهج العلمية بدلاً من التفسيرات الروحية أو الأسطورية. وكان لظهور المدارس الفكرية أثر بجعل النقاش حول القوى الخارقة أكثر انفتاحًا، ولا ننكر تأثير وسائل الإعلام، بما في ذلك الأفلام والكتب والمقالات جنباً إلى جنب مع الروايات الشعبية في بناء سلوكيات ومعتقدات جديدة حول ما هو ممكن من عدمه.
ما برح البحث عن القوى الخارقة، يخلق شغف المعرفة صائغاً أسئلة وجودية عميقة، موضوعها الجوهري روح الإنسان وطموحه في فهم الآتي. وفي النهاية لايزال السعي إلى التفاؤل في أوقات الأزمات، ما يدفع الأفراد للجوء إلى مفهوم القوى الخارقة كوسيلة للهروب والخلاص.