تأسس سورياً خالصاً على استقلالٍ سوري خالص.. جيشنا في عيده الـ79.. الوطن حقٌّ ونصره واجبٌ مُستحق

تشرين- مها سلطان:

لا يمكن للأحداث المتفجرة التي تشهدها المنطقة إلّا أن تفرض نفسها على الذكرى الـ79 لتأسيس الجيش العربي السوري والتي نحتفي بها اليوم الخميس الموافق للأول من شهر آب، كما كل عام، «علماً أن المنطقة لم تعرف هدوءاً منذ ذلك الغزو الإرهابي الذي قادته أميركا ضد العراق في عام 2003 لتعمَّ كوارثه على الجميع فيما بعد، وما زالت تلك الكوارث قائمة وتتسع طولاً وعرضاً».
كانت سورية المستهدف الحقيقي، خصوصاً جيشها، كمؤسسة قوية متماسكة متلاحمة، مشهود لها، ولأن قوة أي دولة من قوة جيشها، فإن الجيش السوري كان المستهدف الأول، وكان لنا في الجيش العراقي الذي استهدفه الغزو الأميركي مباشرة بالتفكيك خير دليل على أن الجيوش العربية القوية جميعها مستهدفة، وعليه فإن الدولة السورية حرصت كل الحرص على جيشها، وعملت على الاستعداد بكل ما يلزم، إذ إن الاستهداف واقع لا محالة، إنها مسألة وقت فقط .. والهجمة ستكون كبيرة بلا شك، وهذا ما كان.

– «إحداثيات» جيش وشعب
أخطأ العدو في قراءة «إحداثيات» الجيش العربي السوري، خصوصاً لناحية علاقته مع السوريين من جهة، ومع القيادة السياسية من جهة ثانية، فكان أن سقطت فصول مؤامرته على جيشنا، واحداً تلو الآخر، لكن الاستهداف ما زال قائماً.. الحرب الإرهابية على سورية لم تنتهِ بل انتقلت إلى الأقسى والأشد، مستهدفة السوريين في لقمة عيشهم، بعد أن فشلت في استهداف جيشهم، فإذا لم تسقط الدولة «بتمرد الجيش» فهي تسقط بلا شك «بتمرد السوريين» هكذا كان المخطط البديل، وما زال قائماً، في رهان على الوقت، على تعب السوريين، على استفزازهم، على تحريضهم.. لكن العدو أخطأ أيضاً في قراءة «إحداثيات» الشعب السوري، فهو أشد صلابة ومقاومة، تماماً كما هو جيشه الذي خرج منه، فكانا معاً جبهة واحدة في المواجهة وفي الدفاع.

– أعرق جيش وطني عربي يتأسس مستقلاً عن أي احتلال أو تدخلات خارجية مباشرة.. مع إنجاز الاستقلال كان جيشنا القوة العسكرية الوحيدة في الدولة من دون وجودٍ لأي جندي محتل

هذا حال السوريين وجيشهم منذ البدء، منذ بدايات التأسيس الأولى في عشرينيات القرن الماضي «على يد القائد الشهيد يوسف العظمة» وصولاً إلى التأسيس الرسمي الكامل في عام 1946. أراد السوريون، وعملوا، على أن يكون التأسيس ناجزاً (إذا جاز لنا التعبير) كما كان استقلالهم عن المحتل الفرنسي ناجزاً لا تشوبه شائبة، لا من قبل ولا من بعد، فكان استقلالاً سورياً خالصاً لم يخضع لأي ضغوط (-وكانت هائلة في السنوات الأولى ما بعد الاستقلال- ولم يركن للابتزاز، ولم ينحنِ أمام كم الاضطرابات والقلاقل التي استمرت لعقد من الزمان مستهدفة الدولة حديثة الاستقلال، مستغلة أنها لم تنجز بعد عملية بناء وتصليب القوائم والدعامات.. كان السوريون أقوى وأصلب وأشد تصميماً على بناء الدولة المستقلة وتدعميها بكل وسائل القوة الممكنة، وفي المقدمة كان تأسيس الجيش العربي السوري، وكان أهم ما امتاز به- وبشهادة التاريخ والمعاصرين- أنه:

1 – أعرق جيش وطني عربي يتأسس مستقلاً عن أي احتلال، أو تدخلات خارجية مباشرة. (عندما تم الاستقلال كاملاً في 17 نيسان 1946 كان الجيش السوري فعلياً وحده القوة العسكرية الموجودة في الدولة المستقلة من دون وجودٍ لأي جندي محتل).
2 – تزامن التأسيس مع استقلال سورية والذي كان بدوره أول استقلال عربي.

النشيد الوطني السوري يستهل أبياته بتحية الجيش «حماة الديار عليكم سلام» لذلك يسميه السوريون نشيد الجيش.. نشيد حماة الديار

3 – النشيد السوري الوطني يبدأ بتحيته «حماةُ الديار عليكمْ سلامْ / أبتْ أنْ تذِلَّ النفوسُ الكرام».. لذلك فإن السوريين يسمونه أيضاً نشيد حماة الديار، نشيد الجيش العربي السوري.
4 – شعاره/ عقيدته/ يحمل كلمات «وطن.. شرف.. إخلاص» أي الوطن: سورية، والشرف: سورية، والإخلاص: لسورية.. لسورية فقط ودون ذلك الموت.
5 – تأسس جيشنا على قاعدة التحديات الكبرى والمخاطر الكبرى، في منطقة لم تعرف فترات استقرار دائمة فكان على مستوى التأسيس، وعلى مستوى كلِّ تحد.
6 – عطفاً على ما سبق.. كان الجيش العربي السوري أكثر جيش عربي تمرس في المواجهة والدفاع، وفي إسقاط المؤامرات، خصوصاً أن سورية كانت أكثر من تعرض لها ومازالت.. وأكثر من استطاع الخروج منها وبانتصارات مشهودة.

تأسس على قاعدة التحديات والمخاطر الكبرى في منطقة لم تعرف فترات استقرار دائمة فكان على مستوى التأسيس وعلى مستوى كل تحدٍّ

– في مواجهة الإرهاب
..في مواجهتها للحرب الإرهابية المستمرة منذ عام 2011 ألم يقولوا في هذه المواجهة إنّ سورية «أحدثت زلزالاً إقليمياً/عالمياً وهي تواجه حرباً كونية لم يسبق لها مثيل في التاريخ البشري».. ألم يقولوا في جيشنا وإدارته للمعارك، قيادة وحنكة وانتصارات: «من يستطيع اللعب على الحافات يستطيع أن يصنع التاريخ في الظروف المتآكلة، وهذا ما قام به الجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب الإقليمي والدولي».
نعم قالوا ذلك وأكثر، وسيقولون أكثر، فلا زالت التحديات كبيرة، والمخاطر هائلة، وسورية لاتزال في القلب منها. صحيح أن المنطقة برمتها باتت تقبع على فوهة بركان، إلّا أنّ سورية وجيشها خَبِرا جيداً، ميداناً وسياسة، كيفية التعامل مع مستويات التصعيد عالية المخاطر التي تشهدها المنطقة، ويبدو أنّ المرحلة المقبلة ستكون الأخطر، خصوصاً أن التصعيد لا يجري على مستوى الجيوش النظامية، وإن كانت هي المستهدفة، وهذا أيضاً خبره الجيش السوري جيداً على مدى الأعوام الـ14 الماضية منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية.
تبعاً لمجريات التصعيد، لا شك في أن المرحلة المقبلة ستكون الأخطر وبما يتطلب جاهزية عسكرية فائقة،على مستوى الدول والجيوش. قد لا تكون هناك مواجهات تقليدية مع تعدد أوجه الحرب واختلاف أساليبها ومستوياتها، ولنا في حرب الاغتيالات التي يشنها العدو الإسرائيلي بدعم أميركي مثال واضح، فكيف يمكن لأي جيش أن يواجه مثل هذه الحروب؟
هذه أيضاً خبرها جيشنا وهو الذي فقد خيرة أبطاله (قيادات وخبراء ومهندسون ومخططون وجنود) شهداء على دروب البسالة والتضحية.

– معادلة الجيش والقيادة السياسية
في سورية، دائماً، لمعادلات القوة مفهومها الخاص، وسماتها فائقة الاختلاف، لم يعد السوريون وحدهم من يفهم هذه المعادلات، بات العدو يفهمها أيضاً، قد لا يكون جيشنا أقوى جيش في العالم، لكنه الأقوى ثقة وإيماناً وعملاً وصموداً، وعندما يكون هذا الجيش بقيادة سياسية عالية الحنكة والتدبير والتكتيك، فهو بلا شك جيش سينتصر وإن طال الوقت سنوات أخرى.
يثق السوريون بهذه المعادلة، معادلة الجيش والقيادة السياسية، فلا يسمحون لحروب الخداع والتضليل أن تسيطر عليهم وتحرفهم عن قناعاتهم بأنّ النصر لا بدَّ قادم. ما يدعم هذه القناعات هو 14 عاماً مضت، لم يبرح فيها الساحات، ولم يتقهقر مهما بلغت المواجهات واشتدت المعارك.. مازال جيشنا على عهده بكل ذلك التصميم والاندفاع، والثقة بأنه قادر على إنجاز النصر الكامل.
وإذا كان جيشنا على هذه الثقة فنحن عليها أيضاً أياً يكن ما يبدو عليه واقع المنطقة لناحية الخطوب التي تشتد وتستحكم فلا تترك منفذاً للتفاؤل. نثق بجيشنا وبقيادتنا. هذا سلاحنا الأقوى والأمضى.. به انتصرنا وسننتصر دائماً، وتحت رايته سنحتفي في مطلع كل آب بجيش سطر أعظم البطولات والتضحيات وكان لنا عزاً وفخراً.. وسيبقى كذلك أبداً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار