عن بدايات الدراما.. وتحديات كبيرة أسست لانطلاقة التلفزيون العربي السوري
تشرين-ميسون شباني:
كأنها تحليقٌ في الفضاء.. صنعنا الدهشة والإبهار عبر أول إرسالٍ تلفزيونيّ سوريّ عام 1960 .. لحظاتٌ من السحر صنعها صندوق العجائب “التلفزيون” في ذلك الوقت، واليوم وبعد مرور أكثر من 64 عاماً على ذكرى تأسيس التلفزيون نستعيد بعضاً من أهم المواقف التي شهدتها مرحلة الإنطلاقة الأولى عبر مذكرات د. صباح قباني والتي حملت عنوان “أوراق العمر” وصدرت عام 2007 تحدث فيها عن أدق التفاصيل التي تخص مرحلة التحضير والاستعدادات لانطلاقته باسم التلفزيون العربي بالتزامن مع احتفالات أعياد ثورة تموز وانطلاق شارة بث التلفزيون المصري في القاهرة في الوقت ذاته.
*أوراق العمر..
الكتاب يعتبر وثيقة حية وزمنية لامس د.قباني فيها عبر كلماته روح تلك المرحلة.. يقول بأنه “خلال الأيام العشرين التي سبقت موعد افتتاح تلفزيون دمشق راح يتملّكنا أنا وزملائي بعض التوتر الذي كان يزداد كلما اقتربت ساعة ذلك الموعد الذي حددناه بالساعة السادسة من مساء السبت 23 تموز، وعلى الرغم من ذلك التوتر والقلق كان إيماننا عميقاً بأننا سننجح في اجتياز هذه التجربة الرائدة في حياتنا وحياة بلدنا، فلقد أعددنا لكل شيء عدته، ودققنا في كل تفصيلات ما نحن مقبلون عليه، وراجعنا هذه التفصيلات مرة بعد مرة لأننا كنا نريد أن يكون ما نقدمه منذ إطلالتنا الأولى على الناس جميلاً ومتقناً وراقياً.. ويضيف د. قباني في أوراقه بأن التحدي للإطلاق لكونه أول تلفزيون في المنطقة العربية، لذا كان لا بد أن نبتكر كل شيء من العدم، أما التحدي الثاني فهو أن الإرسال التلفزيوني في دمشق سيكون بوقت واحد مع الإرسال في القاهرة، الأمر الذي خلق لدينا الكثير من التوتر والقلق لأن القاهرة تعني تاريخاً فنياً عريقاً ورائداً في المسرح والإذاعة والسينما والفنون التشكيلية التي تُعدّ كلها أعمدة مهمة يقوم عليها صرح الفن التلفزيوني، في حين أن سورية حينها لم تكن تملك من هذه الفنون إلا القليل الذي يمارسه بعض الهواة بشكل متقطع: “وهكذا كان علينا أن نمارس العمل التلفزيوني مباشرة من دون أن تكون عندنا الأرضية الفنية التي توصلنا إلى المحصلة التلفزيونية التي ننشدها”..
*”هنا دمشق”
من سفح جبل قاسيون الذي يطل على ساحة الأمويين، وفي الساعة السادسة من مساء السبت 23 تموز عام 1960 في ظل الوحدة بين سورية ومصر أعلن المذيع سامي جانو بكلمته الشهيرة “هنا دمشق” عن ولادة التلفزيون السوري.. وكانت الصوت الذي دوى في الأرجاء، بعدها قال مديره الأول د. صباح قباني في كلمة بثها التلفزيون على الهواء مباشرة، مخاطباً المشاهدين: “إن التلفزيون هذا الصديق الجديد الذي تحتفون به اليوم إنما له ما لأصدقائكم من ميزات كثيرة وهنات صغيرة، فاغفروا هذه الهنات فنحن في أول الطريق، وسنبذل خير ما عندنا لنصل إلى خير ما ترضون”.
ويستذكر د.قباني أن عدد العاملين في إطلاق التلفزيون يوم افتتاحه كان ستة وخمسين شخصاً، من مخرجين ومذيعين ومهندسين وإداريين ومحررين وعمال وسائقين، ولخص الرؤية التي صاغت انطلاقة التلفزيون في كتابه بالقول: الشاشة التي ستدخل إلى بيوت الناس، هي نافذة انفتحت أمامهم على العالم.. عالم الثقافة والحضارة والمعرفة، لذلك كان اهتمامنا الأول بذلك القطاع الأكبر من المواطنين والمواطنات، ممن لم تتح لهم ظروفهم الاجتماعية أن يتزودوا بمختلف أنواع العلم والمعرفة، وهي ما يتعين أن يتزود بها الإنسان في هذا العصر.
*انطلاقة الدراما
بداية الدراما التلفزيونية كانت عبر فصول تمثيلية وسهرات مسرحية بثت على الهواء مباشرة بسبب عدم وجود وسائل المونتاج آنذاك.. اعتمد التلفزيون الوليد حينها بعدها على الأعمال الدرامية القصيرة والبرامج المنوعة ويعدّ برنامج “الإجازة السعيدة” أحد أوائل البرامج التي بثت على شاشة التلفزيون السوري سنة 1960 وأول برنامج منوع يظهر فيه مشهد درامي كان من إخراج خلدون المالح وبطولة دريد لحام ونهاد قلعي وناجي جبر إضافةً إلى لوحات تمثيلية ضمن برنامج سهرة دمشق، من عناوين هذه اللوحات: “لوحة السائق” بطولة دريد لحام وتاج الدين وترافقت مع حضور لفرقة الفنون الشعبية التي قدمت أجمل لوحات التراث الشعبي للشاشة الصغيرة، وأطلت هيام طبّاع في برامج الأطفال، وناديا الغزي في برنامج “البيت السعيد”..
*تحول نوعي
بعدها انطلق فن العرائس بخبرات يوغسلافية ومواهب سورية من خلال برنامج “المسرح الصغير” وشخصية “ديبو الفهمان”، وانضم الفنان عمر حجو إلى عالم التلفزيون ليقدم فقرات التمثيل الإيمائي الضاحك، وبعد أقل من عامين كان التلفزيون السوري قد أطلق إنتاجه الدرامي عبر عدد من التمثيليات منها تمثيلية “ثمن الحرية” التي أخرجها عادل خياطة، وكانت أول عمل درامي تلفزيوني، وهي من بطولة: عبد الرحمن آل رشي، ثراء دبسي، رفيق سبيعي، طلحت حمدي، نزار شرابي، عدنان عجلوني، فاطمة الزين، وغيرهم، وتتالت البرامج والأعمال الدرامية التي امتازت بتنوعها، ولعل أهم الأعمال العالقة في الذاكرة تمثيلية “نهاية سكير” التي كتبها حكمت محسن وأخرجها نزار شرابي، ومن التمثيليات الفكاهية تمثيلية «مجلة الهموم» وكان بطلها فهد كعيكاتي “أبو فهمي”، و”فركة إدن” إخراج عادل خياطة، و”راكبو البحار” للفنان الراحل يوسف حنا، و”الأرض هي الأقوى” من إخراج جميل ولاية..