محمد س حمود يُبدع توائم فنيّة… والموضوع المُكرر مرتين ليس واحداً

تشرين- لبنى شاكر:
رغم حالة التوءمة التي حرص التشكيلي محمد س حمود (السلمية/1951)، على اتقان تفاصيلها وجزئياتها، في معرضه الفردي العاشر المقام مُؤخراً في المركز الثقافي في أبو رمانة، إلا أن فرجةً مُتأنيّةً وتأمّلاً في اللوحات والمنحوتات الموضوعة بشكلٍ متقابل، تكشف اختلافاتٍ تتباين أسبابها، لكن أصلها لا شك يعود إلى فروقاتٍ وتقاطعاتٍ بين النحت والرسم، قِوامها الخامة وما تستوجب من أسلوب واشتغال، بحيث تصعب المقارنة بين ستٍ وعشرين لوحة ونظيراتها من المنحوتات، مع أنها تبدو مُتماثلة، أو يُهيأ للناظر إليها، غير أن الموضوع المُكرر مرتين، ليس واحداً في حضوره وأثره.

يعتني حمود بقواعد فنيّة لطالما عُرِفت عنه في مُقدمتها الاختزال والتضمين القادرَين على الذهاب بالمتلقي إلى مساحاتٍ رحبة بالدلالات والإشارات…

استقى حمود عنوان معرضه “لوحة ومنحوتة” من المشهدية البصرية التي سعى لِتكوينها بين عمودي التشكيل، عبر أشكال وحالات عديدة، من بينها طيور وأسماك وشخوص وبورتريهات، طغت عليها هالة من الأسطورة والخيال والرمز، مُتمثلةً بكائناتٍ تتوالد من نفسها، وثانيةٍ تغيب ملامحها، إضافةً إلى جسد بهيئة ساعة رملية، وآخر برأسٍ مُشوّه، وأكثر من عملٍ عن التفاح، أحدها ليدٍ تضم بقايا تفاحة وأخرى تربطها بحبلٍ طويل، إلى جانب طيور تمط أجسادها استعداداً للطيران، وأسماك تجمع في أجسادها أجزاءً بشرية، وعلى حد تعبير حمود في حديثٍ إلى “تشرين” فالتنوّع مقصود، والغايات الضمنية في كل عمل واسعة جداً، لأنه من غير الصحيح أن تكون اللوحة أو المنحوتة بلا هدفٍ أو مقولةٍ ما.

يجمع حمود في أعماله بين البساطة والغموض في آنٍ معاً، ففي حين تبدو بعضها واضحة وقابلة لتعدد القراءات، وتأتي أخرى فلسفية مُبهمة ومُحمّلة بأفكار ومقاصد مختلطة…

في اللوحات استخدم الفنان ألوان الزيتي والمائي والإكريليك مُضافاً إليها الرصاص، لكنه بنى اختياراته بالاعتماد على ما يُناسب المنحوتة، بمعنى أنها كانت قاعدةً للعمل الثاني، في حين يتوقف اختياره للخشب على المُتوافر في مُحيطه، ولأن خشب الزيتون موجودٌ بكثرة حيث يُقيم في طرطوس، طوّعه في منحوتاته، ويُضيف: هنا “الشجرة المُباركة تُعطي عملاً جميلاً دائماً، ولا سيما أن جذوعها مليئة بالتعرقات التي تظهر في القطع النحتية بشكلٍ لافت، كذلك استخدمتُ خشب السنديان والبلوط والرمان”، وما يُمكن الإشارة إليه في هذا السياق، اهتمامه بخلفية اللوحات التي أعطت بُعداً وقراءةً مختلفين عن المنحوتة، تحديداً مع تركيزه على اللونين الأخضر والأزرق فيها، بينما يُمكن رؤية المنحوتة من مُختلف الجهات في صالة العرض باللون البني.

استقى حمود عنوان معرضه “لوحة ومنحوتة” من المشهدية البصرية التي سعى لِتكوينها بين عمودي التشكيل…

يعتني التشكيلي حمود بقواعد فنيّة لطالما عُرِفت عنه، في مُقدمتها الاختزال والتضمين، القادرَين على الذهاب بالمتلقي إلى مساحاتٍ رحبة بالدلالات والإشارات، من ذلك منحوتته / لوحته عن جسدٍ على هيئة تجويف مائلٍ، يبرز منه رأسان صغيران، كأنّ الذين نحبهم ينبتون من صدورنا، وفي عملٍ ثانٍ يخرج جسدٌ من عنق، وفي ثالث كائنٌ يضم جناح طائر وذيل سمكة ورأساً بشرياً، وفي رابع ينشق طيرٌ من جذعٍ بفمٍ مفتوح، كما لو أن الكائنات تتخلى عن أبدانها ليختلط الريش بالزعانف والمفاصل، فتصبح حرةً من قيود الصياغة الأولى، لكنها لن تكون بلا معاناةٍ مهما تمرّدت وتحوّلت.

يجمع حمود في أعماله بين البساطة والغموض في آنٍ معاً، ففي حين تبدو بعضها واضحة وقابلة لتعدد القراءات، تأتي أخرى فلسفية مُبهمة ومُحمّلة بأفكار ومقاصد مختلطة، تتجاوز الهم الشخصي نحو العام، مع أنه لا يبتعد عما نعرفه في التاريخ والعمارة والتراث الشعبي، وهو ما يجعله تشكيلياً مُتمكناً، أنشأ هويته الخاصة، بل إن تجربته في التوليف بين اللوحة والمنحوتة، نتيجة لممارسة وتجريب وإجادة، اكتسبها عبر الزمن والعمل، فهو كما يُؤكد أقدم نحاتٍ في طرطوس، عرض فيها أول مرة عام 1969، وفي رصيده معرضان في السلمية، ومعرض “تحية إلى الفنان الرائد الراحل مجيب داوود” في ثقافي طرطوس، والكثير من المشاركات الجماعية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار