الانتخابات الأميركية ومفاجآت محتملة.. مع بايدن أو مع ترامب الولايات المتحدة ستستمر في إغراق العالم بالكوارث.. إلا إذا تقدم العالم الاقتصادي الجديد وقال كلمته
تشرين – مها سلطان:
.. ولايزال الأميركيون ينشغلون ويشغلون العالم معهم، برئيسهم جو بايدن، بقاءاً أم ذهاباً، رغم إنه بالنسبة للعالم (ولنا في المنطقة) بالكاد هناك فرق بين بايدن أو خصمه دونالد ترامب، أو أي شخص آخر سيكون في البيت الأبيض.. أياً يكن الرئيس فإن الولايات المتحدة الأميركية ستستمر في إغراق العالم بالكوارث.
وعلى فرض أن بايدن تنحى طوعاً أو رغماً، وحل ترامب محله، فإن هذا الأخير كل ما سيفعله هو توسيع دائرة الحرائق التي أشعلها بايدن، تماماً كما فعل بايدن نفسه الذي خلف ترامب. بايدن وسع دائرة الحرائق التي فتحها ترامب، وهذا منذ اليوم الأول لولايته الرئاسية، وستبقى حتى آخر يوم فيها، منتقلة بعدها إلى ترامب (أو أي فائز آخر، سواء من الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري).
صحيح أن ترامب يدّعي أنه الأقدر على التعامل مع خصوم الولايات المتحدة، وعلى رأسهم الصين وروسيا، وصحيح أنه يدّعي الصداقة مع رؤساء روسيا والصين وكوريا الديمقراطية.. وأنه قادر على إنهاء «حرب أوكرانيا» في 24 ساعة، ولكن أليس من الصحيح القول أيضاً أن العالم بتطوراته المتسارعة – خلال أربع سنوات من ولاية بايدن – تجاوز بأشواط كثيرة مقدرة أي رئيس أميركي على التعامل مع هذه التطورات وتجييرها لمصلحة الولايات المتحدة. هذه هي المسألة، إذ إن من السهل تدبير اللقاءات وعقد الاجتماعات مع الخصوم، ولكن هل من الممكن دفع الخصوم (وغيرها من القوى الأخرى التي باتت وازنة وثقيلة التأثير عالمياً كالهند مثلاً) إلى التخلي عن طموحاتهم ومكتسباتهم وهي كبيرة جداً، كرمى لعيون أميركا لتبقى في موقع القيادة العالمية وهم في موقع التابع؟
لن نركز هنا على الخصوم، لنركز على القوى (المستقلة) إذا جاز لنا التعبير، والذي يأتي لوصف قوى صاعدة كالهند مثلاً، التي اتخذت مساراً تصاعدياً محايداً/هادئاً، بمعنى غير تصادمي مع القوى العالمية الرئيسية، الصاعدة والتي هي في تصادم مزمن مع الولايات المتحدة الأميركية، هذه القوى «المستقلة» التي كانت تجلس في الصفوف الأخيرة، لم تكن تكتفي بالجلوس فقط والمشاهدة، بل كانت تعمل على استغلال كل ما يمكن استغلاله سواء فيما يخص إمكانياتها، أو ما يخص حالة التصادم العالمية وكل الاضطرابات والأزمات التي تولدها، وعندما حان الوقت أعلنت عن نفسها ضمن القوى الجديدة، لتحجز مكانها في عالم متعدد الأقطاب يتشكل، سواء أرادت الولايات المتحدة أم لم ترد.. حتى القارة الإفريقية بدأت في اعتماد النهج ذاته وهي تتقدم فيه بصورة متسارعة.. وأيضاً، سواء أرادت أميركا أم لم ترد.
بإمكان الأوروبيين الاطمئنان إذا ما فاز ترامب لأن تورطه في المنطقة سيكون أكبر وأعمق من أن يلتفت إليهم.. الزمان دار دورته والمنطقة اليوم ليست نفسها عندما كان ترامب رئيساً
منطقتنا هي الفارق الوحيد
ماذا عن منطقتنا «الشرق الأوسط» وحرائقها المشتعلة؟
لا بد هنا من الاعتراف أنها مع ترامب ستزداد اشتعالاً في ظل الدعم المطلق والذي يفوق بأضعاف مضاعفة، دعم بايدن، للكيان الإسرائيلي، هذا قد يكون الفارق الوحيد بين بايدن وترامب، أما ما يخص خوف الأوروبيين من ترامب فبإمكانهم الاطمئنان إلى أن انشغال/تورط/ ترامب «في حال فوزه» في الشرق الأوسط سيكون أكبر وأعمق من أن يلتفت إليهم، ومنطقتنا في الأساس تبدو كأنها في مرحلة انتقالية بين بايدن وترامب، وبات واضحاً كيف أن الكيان الإسرائيلي يتعمد تضييع الوقت وإطالة مسار التفاوض انتظاراً لعودة ترامب، لمد الحرائق إلى كل المنطقة. والأوروبيون لن يمانعوا إبداء الموافقات، وإعلان المشاركات، ما دام ترامب سيبقى بعيداً عنهم. وخلال الفترة الماضية سمعنا متزعم حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، يتحدث غير مرة عن انتظار ترامب.
مع ذلك، فإن كل ما سبق، لا يزال سابقاً لأوانه، ما دام بايدن متمسكاً بالبقاء، والسباق الرئاسي في منتصفه، وحتى مع اكتماله بوجود بايدن فإن أحداً لا يستبعد حدوث المفاجأة الكبرى وفوز بايدن «وإن بشق النفس».. لكننا أوردنا ما سبق للتدليل على أن لا فرق في السياسات الأميركية عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط والقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، هذا ونحن لم نتحدث عن أن السياسات الأميركية الشرق أوسطية (والعالمية) لا يقررها الرئيس لوحده، الذي يقال إن له نسبة 10% فقط من مسألة اتخاذ القرارات، فيما تتولى الدولة العميقة كامل المهمة عن الرئيس.
الحزب الديمقراطي حذر ومتخوف جداً من مسألة تنحية بايدن قسراً.. هذا سيعكس صورة سلبية عنه ويفقده احترام الأميركيين لتعامله المهين مع مرشحه
أياً يكن، فإن المشهد الأميركي يبدو حالياً وكأن بايدن سيتنحى غداً، وإذا لم يفعل فإن حزبه الديمقراطي سينفذ ما يشبه الانقلاب وينحيه قسراً، رغم إن هذا الخيار يبدو غير منطقي وغير ممكن لما له من آثار سلبية على صورة الحزب ومكانته، الذي قد يفضل الخسارة مع بايدن على أن يُقال إنه عمد إلى سابقة تاريخية بإطاحة مرشحه الذي هو رئيس البلاد بالقوة، أي بصورة مهينة مذلة، ستفقده احترام الأميركيين، حتى لو كان الأميركيون يجدون أن بايدن فقد أهليته وعليه التنحي (ولكن ليس تنحيته قسراً).
– بايدن لن يتنحى
ربما انتظر الديمقراطيون ما بعد قمة حلف شمال الأطلسي«ناتو» التي انعقدت في واشنطن يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، ليتخذوا قراراً نهائياً.. وقد أعطاهم بايدن مبرراً جديداً خلال القمة ليكونوا أكثر اقنتاعاً بأنه فاقد للأهلية وعاجز عن هزيمة ترامب، حيث كان له سقطتين جديدتين، الأولى عبر تقديم فلوديمير زيلينسكي على أنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والثانية عبر تقديم نائبته كامالا هاريس على أنها نائبة ترامب.
ورغم إن الحضور الأوروبي أشاد بأداء بايدن خلال قمة «ناتو»، وأنه بدا متوازناً، مطلعاً، بخطاب متماسك واعٍ تماماً بكيفية التعامل مع القضايا الأوروبية والعالمية، إلا أنهم بالمقابل لم يتطرقوا إلى السباق الانتخابي الأميركي، ولم يتحدثوا صراحة عن مسألة عدم أهلية بايدن، أو إن عليه التنحي.. وعملياً وبالمنطق فإنه لا يبدو من اللائق أن يتحدثوا في هذه المسألة، وهذا ما فعلوه، لكن بايدن استغل ذلك لمصلحته وحاول إدارة الدفة باتجاه أنه يحظى بدعم أوروبي، وأن الضفة الأطلسية الأوروبية تفضله على ترامب الذي يعتبرونه خطراً عليهم، كما قال بايدن بعد انتهاء القمة، مشيراً إلى أن حلفاء الولايات المتحدة أخبروه في القمة بأن أي ولاية جديدة لترامب ستكون كارثية عليه. وقال: لم أسمع أياً من حلفائي الأوروبيين «يقولون: جو.. لا تترشح» بل «جو.. عليكَ أن تفوز. لا يُمكنكَ السماح لهذا الرجل بالتقدُّم. سيكون ذلك كارثياً».
وجدد بايدن للمرة المئة أنه المرشح الوحيد القادر على هزيمة ترامب، وفيما يخص قدراته الجسدية والعقلية، أكد أيضاً أنه بخير، قائلاً: قدراتي العصبية يجري اختبارها كل يوم من خلال القرارات التي أتخذها.
لكن ذلك لم يشفع لبايدن، ولم يقلص دائرة المعارضين له داخل الحزب الديمقراطي، إذ انضم ثلاثة ديمقراطيين جدد إلى دائرة المطالبين له بالتنحي، وحسب شبكة «سي بي أس» الأميركية، يوم الخميس الماضي، فإنّ العشرات من الديمقراطيين يستعدون لإصدار بيانات، في الساعات القليلة القادمة، يدعونه فيها إلى سحب ترشّحه، خصوصاً مع استطلاعات الرأي التي صدرت عقب القمة وأظهرت انخفاضاً جديدة في دعم بايدن، هذا عدا عن انخفاض تدفع الأموال إلى حملته الانتخابية بشكل حاد.
الإعلام المضاد
بالتوازي، لا يتهاون الإعلام مع بايدن، ولا مع حزبه الديمقراطي، بل يضاعف الضغوط وبما لا يجد معه الحزب متنفساً أو خياراً إلا دفع بايدن باتجاه التنحي الطوعي.
صحيفة «نيويورك تايمز» طالبت عبر مجلس تحريرها، بضرورة خروج بايدن، معتبرة أن حالته تشهد تدهوراً كبيراً، وباتت أكثر إثارة للقلق، وشددت صحيفة «وول ستريت جورنال» على ضرورة انسحاب بايدن بعدما شاهده «أعداء أمريكا» وهو ضعيف متلعثم يفقد ترتيب أفكاره وسط ظهور ملامح الشيخوخة عليه بصورة لا يمكن تجاهلها، وهو ما يضر بصورة أميركا ومصالحها، وكشف موقع «أكسيوس» أن أربعة من قادة اللجان الديمقراطية بمجلس النواب «جيري نادلر، جو موريل، آدم سميث ومارك تاكانو» قالوا في مكالمة هاتفية مع زعيم الأقلية حكيم جيفريز إن بايدن يجب أن ينهي ترشيحه، وقال أحد كبار المشرعين الديمقراطيين: الناس منزعجون ويعتقدون أن عليه التنحي.
وأشار آخر إلى أن «معظم المخاوف تتعلق بالمناطق المتأرجحة والمقاعد الأكثر ضعفاً».. مضيفاً: هناك الكثير من القلق من أنه إذا واصلنا في هذا الاتجاه، فقد نواجه مشاكل في استعادة الأغلبية.
ترامب يتقدم على بايدن بـ6 نقاط ويتقدم على هاريس بنقطتين فقط وهذا ما يجب أن يقلق بشأنه.. الأميركيون ربما لا يريدون عجوزاً آخر في البيت الأبيض لذلك قد يصوتون لهاريس
هاريس إلى الواجهة مجدداً
أزمة الديمقراطيين ليست فقط في تنحي بايدن، بل في مسألة البديل أيضاً، رغم إن بات من شبه المؤكد أنهم سيختارون نائبته كامالا هاريس في حال تنحيه أو تنحيته. هاريس نفسها تشكل أزمة للديمقراطيين، فهي لا تتمتع بشعبية مؤثرة بينهم ولا بين الأميركيين، لكنها بالمقابل أفضل الموجود.
ورغم إن ترامب اعتبر أن هاريس ستكون خصماً أسهل، أشار إلى أنه لن يستبق الأمور قبل انسحاب بايدن فعلياً. ولم يتطرق ترامب إلى أحدث استطلاع للرأي نشرته شبكة «سي إن إن» والذي أظهر أن ترامب يتفوق على بايدن بـ6 نقاط، لكنه يتفوق على هاريس بنقطتين فقط .. وهذا ما يجب أن يقلق بشأنه، فالأميركيون لا يريدون عجوزاً آخر في البيت الأبيض، لذلك قد يصوتون لكامالا هاريس.