“منصبٌ” بقرارِ مواطن
قد يكونُ من الممكنِ النأيُ بعضويةِ مجلسِ الشعبِ بعيداً عن مضمارِ المنصبِ كمفهومٍ دارجٍ، لكن بالتأكيد لا يمكن بتاتاً فصلها عن المسؤوليةِ بما تنطوي عليه وترتبهُ من أوزارٍ على من يتنكبها.
من هنا نبدو اليومَ – من حيث الشكل- ونحن نتحضّرُ لانتخاباتِ مجلسِ الشعب بعد أيامٍ قليلةٍ، أمامَ حالةٍ ملفتةٍ لجهةِ السّعي المحمومِ باتجاهِ التصدي للمسؤولياتِ المفترضِ أنها ماثلةٌ أمامَ “المؤسسةِ التشريعية” في المرحلةِ القادمةِ، التي تغصّ بأولوياتٍ متزاحمةٍ على قائمةِ الانتظار.. مايثيرُ تساؤلاتٍ كثيرةً، ومطلوبةً في الواقع، عن الخلفيات الكامنةِ وراءَ هذا التهافت، أي هل هو الشغفُ بالامتياز .. أم الاستعدادُ لتحمّل المسؤولياتِ الجسامِ ومواجهةِ الاستحقاقاتِ الصعبة..؟
في الشكلِ علينا ألا نغفلَ عن حقيقةِ أن “تمثيل الشعب” هو شرفٌ وتشريفٌ في مجتمعٍ يكترثُ كثيراً بالاعتباراتِ المعنوية، لكن نعود لنسألَ عن أي جذوةٍ “تشوّف” تلك التي تستدعي ضخَ كتلٍ ماليةٍ كبيرةٍ جداً و”إزهاقها” في مضمارات السباق إلى ماتحت قبةِ مجلس الشعب..؟
فإن كانت تقاليدُ الدعايةِ الانتخابيةِ تسمح بتسويق الذات مهما كانت الوسيلةُ والتكلفة، تبقى الهواجسُ قائمةً اليوم من سطوة المال وقدرتهِ على إيصال أصحابه، على حساب أصحاب الفِكر والرّؤى والخبرات، وهؤلاء أكثرُ من نحتاجهم اليوم – أمسّ الحاجة – في رحلة العودة من الأزمةِ المزمنةِ باتجاه استعادةِ التعافي الشامل، أي بناء وصياغة وترتيب البنى المجتمعية كافة لا مجردَ الاقتصادِ الذي تقتصرُ في دائرته كلُّ البرامج التي تعلّق بها المرشحون للوصول إلى مقصدهم.
المهمةُ هذه المرة – الدور التشريعي الوشيك – مختلفةٌ، ويجب أن تكون مختلفةً كلياً، بما أن الاستحقاقات مختلفةٌ بثقلها النوعي، وهذا يتطلب عقولاً ورؤى مختلفةً، وبالتالي يتطلب أشخاصاً مختلفين، لايكون شغلهمُ الشاغلُ طوال أربع سنوات قادمةٍ مجرد الاستعراض وحجزَ فرصةٍ لأنفسهم لأربع سنوات أخرى، عبر إشغال المواطن ببثٍ فيسبوكيٍ بغيضٍ، أي ممارسةُ الدعايةِ الانتخابيةِ من تحت القبة، عبر الردحِ وافتعالِ منصات “القصف العشوائي” بكل الاتجاهات، دون تقديم فكرةٍ أو قيمةٍ مضافةٍ يمكن أن تكون ورقةً مفيدةً في “دوسيهات” استشراف المستقبل.
حسبنا أن يكونَ كلّ من انبروا للتصدّي للمسؤوليات القادمة على درايةٍ كاملةٍ بحقيقة المهام الصعبة التي تنتظرهم، وألا يكونوا ذاهبين نحو امتيازاتٍ لا مسؤوليات، و يهرولون إلى حيث”منصب” مختلفٍ بمرجعيةِ القرار، أي بتوقيع مواطن هذه المرة.. فخذلانُ المواطن خذلانٌ للوطن، وهذا مانتوجّسُ منه جميعاً.