صناعةُ الرّعب
لعلها من أعقدِ المشكلاتِ التي يواجهها مجتمعٌ أو دولةٌ، أن يُبتلى بـ”جائحة” رفضِ الأفكارِ الإيجابيةِ مهما كانت حقيقيةً، وتلقّفُ المؤشراتِ السوداءَ وتداولها باحتفاءٍ مريبٍ، على الرغم من أن “مذيعي النعوات” غير مظرّفين لدينا في هذا الشطرِ الشرقيّ من العالم، ولا حتى في الغربِ ربما.
إلا أن العالمَ الغربيَ عكفَ منذُ عقودٍ على تعميمِ تقنياتِ العلاجِ بالطاقة، وحققَ نتائجَ باهرةً مع تراكم السنوات، ويبدو أن ثمةَ إصراراً عميقاً هناك على طردِ الطاقاتِ السلبيةِ وترحيلها نحو الشرق، تماماً كما نجحَ بترحيلِ كل الصناعات الملوثةِ وتصدير نماذج السلوك المدمّرة، وكأن ثمة قناعاتٍ أو حقائقَ تم اكتشافها هناك بأن “الأبيض والأسود” يتوازعان هذا العالم، بالتالي إن كان ولا بد.. فليكن الغرب أبيضَ والشرق حالك السواد..
وبالفعل باتت الأزماتُ والحروب مقيمةً لا تبرح شرقنا هذا، ومنها تتوالدُ زوابعُ السوداويةِ التي تعصف بمجتمعاتنا.
الطاقةُ السلبية كارثةٌ بكل معنى الكلمة.. لأنها برزخٌ عنيدٌ أمامَ أي أفقٍ أو مستقبلٍ، تضيقُ معه مساحات الرؤية والشعور والقدرة على الاستشراف، وهذا يعني الدورانَ المتسارع – كتحصيل حاصل – في دوامات الكآبة، فكيف إذا ابتلي مجتمعٌ ما بـ”سفراء ناشطين” لنقلِ رسائلِ إحباط تم تدبيجها خصيصاً للتدوالِ حيث الناجون من الحروب المباشرة والأزمات المصنّعة؟
موجعةٌ و مقلقةٌ حالةُ مجتمع يتردد فيه العقلاءُ أو المسؤولون التنفيذيون -ويعدون للعشرة – قبل التورّط بإعلان رقم أو معطىً إيجابي، توخياً لعدم المواجهة مع “مضخات الطاقة السلبية”، وبطبيعة الحال يتحفّظ عفوياً أو غريزياً أمام الاعتراف بالسلبيات، فيكون الصمت والانكفاء خياراً على طريقة أقل الخسائر.
وهذه في أدبيات المؤسسات وأعراف الدولة مشكلةٌ معقدة، أكثر بكثير من مجرد عجز مؤقت -ولو طال لسنوات- في الميزان التجاري، أو نقص بإمدادات حوامل الطاقة، أو حتى تدني الحد الأدنى لدخل الفرد، وتوالي الأزمات المعيشية.
دعونا نقلّد الغربَ فيما جرّبَ ونجح، بما أننا اطمأنينا لعلاجاته وأدويته وتقاناته، فلنجرّب إذاً تكتيكه في حربه على الطاقة السلبية التي هزمها وطردها صوبنا، وأمست آثارها القاهرة تتعدى الحالة الفردية -الشخصية إلى ما هو مصيري استراتيجي على مستوى دول.
هنا قد يكون من المهم تدريس “قانون الجذب” وعلمِ الطاقةِ وتضمينه المناهج التربوية.. وهو بحرٌ من التفاصيل المكتنزة في عمق النفس البشرية وتالياً في أعماق البنية المجتمعيّة.
لن يخرج أي مجتمع من أزماته كلها، حتى ينجزَ أفرادُه التصالحَ المطلقَ مع الذات والأعمال.. والانتماء أيضاً، ويلفظون بإصرارِ مذيعي النعواتِ أو ممتهني البلاغاتِ الكاذبة.