هايكو وهايبون وتانكا
في ظاهرة “استعارة” أشكال أجناس إبداعية من حضارات أخرى؛ فإن المسألة هنا لا تكمن – بتقديري- في إعادة إنتاج محتوى الاستعارة بحرفيتها، بقدر ما تُشبه الحالة استيراد عبوات أجنبية، ومن ثمّ ملئها ببضاعة محلية الصنع.
وبقدر ما يُمكن أن ينتاب المرء من خشية حالة “اغتراب” أو ضياع خصوصية وهذا خوف مشروع، من هذا الاستيراد أو الاستعارة، غير إنه في المُقابل يُمكن للمتابع تفهّم مثل هذا النتاج الإبداعي رغم كلّ الريبة التي يُمكن أن تُحيط فيه.
ولنعترف؛ إنّ مختلف الأجناس الإبداعية، وعلى تنوعها؛ تبدو اليوم كأنها تصدرُ عن مُحترفٍ واحد، سمتها التشابه والتماثل، ففي الشعر على سبيل المثال؛ فإنّ القصيدة العمودية الموزونة؛ قد استنفدت مُعظم جمالياتها إن لم تكن كلها، ووصلت إلى ذروتها مع شعراء كبار منذ عصور قديمة، ومن ثم كلّ ما أنتج بعد ذلك في هذا الشكل، هو عبارة عن نظم ليس أكثر، جاءت قصيدة التفعيلة وخلخلت عمود الشعر وتفعيلاته، غير إنها لم تكن أكثر من بوابة عبور لقصيدة النثر، واليوم ورغم سعة الفضاء لتتحرك به هذه القصيدة الأخيرة، غير أنها وقعت في مطب التماثل.
على ما يبدو ثمة “هوية عالمية” تتشكل بعد حركة العولمة التي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، وربما تكون مسألة الإبداع العالمي أحد وجوهها الحسنة، ولا أظن أن ثمة فرض نموذج يأتي بالقوة هنا، وإنما سمة ملامح تتشابه لأسلوبٍ يبدو هو الأقوى، ومن حقه أن ينتشر، كما يحق لأي حضارة أن تنشر أسلوبها الأقوى سواء في الحياة على تنوعها، أو في الإبداع.
وإبداع الهايكو والهايبون وحتى التانكا، وهي أنواع من الشعر الياباني التي تنتشر منذ زمن في مختلف أرجاء العالم، حتى أن ثمة من يتحدث عن هايكو أمريكي، وهايكو عربي، وهايكو فرنسي، مع إن الهايكو كما يؤكد الكثير من النقاد لا يُمكن أن يكون إلا يابانياً، وما يُنتج هنا ليس أكثر من مُقاربة لهذه الأشكال اليابانية، وكلّ ما تفعله اليوم هذه المُقاربات؛ ليس أكثر من إلقاء حصى في المستنقعات والبرك الراكدة.
هامش:
…………..
وأنتِ
تتوهجين كقمرٍ طالعٍ
من جديد؛
سأترنّمُ بكِ
كما
يترنّمُ قلبي
أغاني الحقول:
“ضحكت
حجار الدار؛
لفيوا حبابينا”..