ملف «تشرين».. رؤية عصرية بنمط تفكير متوازن.. الرئيس الأسد يضع خطوط المرحلة المُقبلة بشفافية واتزان .. العدالة الاجتماعية والإنتاج أولاً..
تشرين – بارعة جمعة:
“إذا أردنا أن ننطلق من الوضع المعيشي.. لا نستطيع إلا أن ننطلق من العنوان الأساسي بالنسبة لنا كحزب وهو الاشتراكية .. التي هي بالنسبة لنا حسب ما نفهمها العدالة الإجتماعية”.. رؤى عصرية حملها السيد الرئيس بشار الأسد في خطابه ضمن اجتماع اللجنة الموسع للحزب في الرابع من أيار الجاري، عكست مفهوماً جديداً وشاملاً لنمط التفكير الاقتصادي، بما يضمن التوازن والاكتفاء لكافة الطبقات الاجتماعية، التي أنهك غالبيتها الفقر، وقضى على ما يُسمى الطبقة الوسطى، الحامل الحقيقي للاقتصاد المحلي، الذي لم يغب عن حديث الرئيس الأسد بكل تفاصيله البنيوية والمعيشية والمالية والمؤسساتية.. إلى جانب الكثير من التساؤلات والتطلعات التي سيحملها الغد القريب ضمن سياسات حكومية، كانت محط اهتمام الخبراء والمتابعين للشأن الاقتصادي بكل فروعه، آخذين من كلمة الرئيس الأسد منهجاً وتحليلاً لمستقبل الاقتصاد.. فما الذي يحمله القادم من الأيام؟ وما هي الدلالات والمؤشرات التي استدل بها الخبراء للمستقبل؟
معنىً شامل
“لا يمكننا العودة للتعاريف المكتوبة والأكاديمية والنظريات القديمة بأن الملكية الكاملة للقطاع العام وإلغاء القطاع الخاص”، من هنا انطلق الرئيس الأسد في حديثه عن أهمية التعاون والتكامل بين القطاعين، بعيداً عن سياسة إلغاء أحدهما، التي أخذت حيزاً كبيراً من تحليلات الخبراء مؤخراً حول مستقبل القطاع العام في البلاد، ومن ثم الانتقال للشأن المعيشي، الهاجس الأكبر للغالبية من شرائح المجتمع، والذي كان الحديث عنه من قبل الرئيس الأسد من منطلق إحساسه بنبض المواطن والشارع السوري، وفق رؤية استشاري التدريب والتطوير في سورية الدكتور عبد الرحمن تيشوري، الذي أكد في حديثه لـ”تشرين” عمق الخطاب المًوجه للشعب، والبعيد عن المفهوم السائد لكلمات رؤساء الدول عامة، من حيث الاكتفاء بالحديث عن أيام بيضاء وأخرى سوداء فقط.
د. تيشوري: الخطاب هو لقاء بين القلب والعقل بشكل مباشر ومن دون أي زخرفة
هو لقاءٌ بين القلب والعقل، بشكل مباشر ومن دون أي زخرفة، هذا ما وصف به د. تيشوري الخطاب، الذي تضمن كلمة شاملة بمفاهيم سياسية، اقتصادية، اجتماعية، حللت الواقع الراهن وما جرى في سورية وأكدت بعض المواقف والثوابت السورية أيضاً، في وقت لم يغب المضمون الاقتصادي، خاصة في حديثه وتعبيره عن هموم المواطن السوري اليوم، وقراءته للمستقبل والوضع المعيشي.
د. تيشوري: ما ذكر بالخطاب يُلخص مشاكل تحمل أوجهاً عدة للاقتصاد السوري
مقاربات مشتركة
كل ما ذكر في الخطاب يُلخص مشاكل تحمل أوجهاً عدة للواقع السوري برأي د. تيشوري، والتي تنحصر بثلاث نواحي، الجزء الأول منها يتعلق بإدارة المنظمات والإدارات والشركات والمؤسسات الحكومية بكفاءة وفعالية، وتحقيق رضا العاملين الذي غاب نتيجة الفوضى الناتجة عن الحرب على سورية، التي تفرض وفق رؤية تيشوري تغييراً لأسلوب وإستراتيجية الإدارة عامة، بعقلية جديدة لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي، لتقديم خدمات عامة للمواطن من المرة الأولى وبالوقت المناسب.
إذا ما استذكرنا تجربة المعهد الوطني للإدارة العامة، الذي أُحدث بالمرسوم التشريعي رقم 27 لعام 2002، الذي هو بمثابة تجربة فرنسية الغاية منها إدارة الهيئات والشركات بمنطق جديد يضمن التنمية المُستدامة كما في كل دول العالم، سنجد بأنه فشل في تحقيق غايته برأي
د. تيشوري، لذا وكلنا أمل بإعادة تقييم التجربة بالكامل، من الألف إلى الياء، فاليوم يضع الرئيس الأسد مشروعاً كاملاً للإصلاح بجانبه الاقتصادي، لذا ومن هنا أدعو
– والحديث للخبير تيشوري – لتكوين ادارات ناجعة، مهنية، مُشبعة بخدمة الصالح العام والشهداء وأسرهم.
د. تيشوري: ما قام به الحزب من حالة إعمار جديدة تحمل قيادة الحزب مسؤولية وضع مشروع اقتصادي كبير
ويتابع د. تيشوري مقدماً اقتراحاته بمسائل ذات ارتباط أمامي وخلفي لتحقيق رؤية السيد الرئيس داعياً إلى إعادة هيكلة الوزارات والعلاقة بينها وتقليصها واستثمار الخبرات من خريجي الإدارة، لكونهم رافعة حقيقية لإنقاذ الإدارة وتطوير الاقتصاد، بإعادة تكوين الطبقة الوسطى التي سحقتها الحرب، وزيادة الحد الأدنى للرواتب بحيث يصل لمليون ليرة بأقل تقدير، إلى جانب اعتماد اللامرفقية واللاوزارية واللامركزية، والشفافية وحرية الإعلام، لضمان وجود إعلام حر جذاب استقصائي تنموي، على أن يكون قانون الإعلام نقلة نوعية بهذا الاتجاه.
حالة فريدة
كل ما قام به الحزب خلال الشهرين الماضيين من انتخاب واختيار لجان مركزية ولجان رقابية هي حالة إعمار للحزب برأي الخبير والاستشاري د.عبد الرحمن تيشوري، يجب أن يتبعها انتقاء فروع وشعب حزبية وممثلين للحزب بالبرلمان في الانتخابات القادمة، فعندما نقوم بهذا “الميكانيزم” وبكل الاتجاهات نسير بالاتجاه الصحيح ونُصلح الوضع المعيشي، فالجميع ينتظر من السيد الرئيس حل هذه المشكلات، التي برزت بخطابه الذي تميز بالشفافية والعمق والمباشرة، كما سمى الأمور بمسمياتها، إلى جانب اعتراف بالأزمة الاقتصادية المعيشية، ما يحمل قيادة الحزب برأي د.تيشوري مسؤولية وضع مشروع اقتصادي اجتماعي كبير، يفرض على البرلمان والحكومة القادمين ويجبرهما بتحقيق إنجازات ملموسة بهذا الإطار.
لذا لا بد من وضع خطة إنقاذ وتعاف شاملة ومحاسبة المسؤولين عن التنفيذ كل ربع أو نصف عام، لأن أداء الجهات العامة لم يكن فعالاً، عدا عن كميات الهدر والاستنزاف بالموارد، ما يدعونا للنظر للمسائل كحزمة واحدة، وإيجاد الحلول لتأمين حياة كريمة وأكثر أماناً للمواطن.
د. الجاموس: الجميل بالخطاب المستوى الفكري العالي بمعالجة الأزمات فالسيد الرئيس رجل الاقتصاد والسياسة
نعم هو نمط من التفكير لا الحديث عن نموذج اقتصادي، والهدف من النمط الجديد معالجة القضايا الاقتصادية حسب توصيف الخبير الاقتصادي مجدي الجاموس لأهمية الخطاب، الذي حمل أبعاداً وإشارات استثنائية، تبدأ من إيجاد الحلول الحقيقية للأزمات، وفق منظور جديد ينطلق من قواعد اقتصادية، أكدها السيد الرئيس في حديثه عن مفهوم السوق الاجتماعي، الذي غدا الحل الأمثل في بلدان عدة كالصين وغيرها، كيف لا وهو رجل الاقتصاد كما السياسة.
منهج واضح المعالم المعطيات تضمنه الخطاب بالوقوف إلى جانب الفقراء، كما احتوى مطالب الاقتصاديين بحلول يجب أن تكون منهجاً للحالة الاقتصادية في البلد ضمن ركائز عدة أهمها العدالة الاجتماعية والتوازن الايديولوجي، والتركيز على الإنتاج، ووضع مفهوم وآلية للدعم ، والتأكيد على دور القطاع العام وتنوعه بين (خدمي وإنتاجي) بالتركيز على النوعي منه والاهتمام بالقطاع الزراعي ضمن آليات جدية وفاعلة بدعم المزارع المنتج فقط، ومكافحة الفساد ومسبباته بكل أشكالها.
تحقيق العدالة الاجتماعية
إذا ما عدنا للاشتراكية كمفهوم يتضمن ملكية وسائل الإنتاج، نجد بأن السيد الرئيس أكد تطور المفهوم ليشمل ملكية للقطاع الخاص لتنشيطه إيجاد خدمات أخرى وفق رؤية د. الجاموس، فالمقصود هنا تمكين الخدمات والعامة من صحة وتعليم وتمكين الخاص من إثبات نفسه وتحقيق أرباح تعود بالنفع على الجميع ضمن زيادة الضرائب.
الجميل في الخطاب هو المستوى الفكري العالي في معالجة الاقتصاد، الذي سيقود لتحقيق التوازن الاقتصادي الاجتماعي، أي الانطلاق من القواعد الاقتصادية أو من الايدولوجيا، والجواب برأي الجاموس الانطلاق من نهج اقتصادي وسط الأزمات يتلاءم مع المعطيات الاقتصادية الحالية وضعف إمكانيات القطاعات كافة، والنقطة الأهم هي التمييز بين الحالتين، لنجد بأن الهدف من ذلك تحويل كل مواطن فقير لمنتج رابح وداعم لنفسه والاقتصاد الوطني بآن معاً، ودعم المشروعات المنتجة الرابحة، والنتيجة تكمن في الانطلاق من قواعد اقتصادية ينعكس على الاقتصاد الاجتماعي.
د. الجاموس: الخطاب يحمل أبعاداً ونقاطاً استثنائية وسط اعتراف صريح بالأزمة
ما سبق يثبت ضرورة إحداث توازن بين اقتصاد السوق والاقتصاد الاشتراكي اي (اقتصاد السوق الاجتماعي)، بحيث نضمن تحقيق المنافسة بين الاغنياء وتحسين أوضاع الفقراء وفق قراءة الخبير الجاموس، إلى جانب تقديم الدعم بطرق مختلفة، بالتركيز على الإنتاج لدعم التصدير والاحتفاظ المستوردين، وبالتالي دعم خزائن المصرف المركزي الذي أشار السيد الرئيس لاستهلاكها بطرق وسياسة الدعم غير المدروس، هنا لابد من النظر مجدداً لتركيز الخطاب على أهمية القطاع العام واقتراح بيع الإنتاجي منه لا الخدمي الذي يقدم خدمات عامة والاحتفاظ بالنوعي منه، الذي يحقق أرباحاً وخصخصة القطاع العام الخاسر، وتكوين بيئة استثمارية جاذبة للعمل.
عفيف: تأكيد الخطاب على عدم ترك الاقتصاد للسوق يبشر بنمط تفكير جديد لنظام اقتصادي متفرد يؤمن به الحزب
حلول جذرية
ما نعانيه اليوم هي نمطية التفكير، التي لطالما تحدثنا عنها مراراً وتكراراً، واليوم يأتي الخطاب لتعديل هذا الاتجاه الذي بات يحمل السوق الاجتماعي أكثر مما يحتمل برأي الخبير التنموي أكرم عفيف، الذي رأى في اقتراح السوق الاجتماعي حلاً حقيقياً لكنه لم يُنفذ سابقاً بالرغم من توجيهات سابقة للسيد الرئيس ضمن اجتماع الحكومة المُصغر، الذي تم الحديث فيه عن آلية ضبط الأسعار وأفكار مهمة لكن للأسف لم تُطبق.
يأتي خطاب السيد الرئيس اليوم لتشكيل رؤية اقتصادية للمرحلة القادمة وفق رؤية عفيف، بالتركيز على التصدير الذي يتطلب وفرة بالإنتاج الزراعي الذي لازال يتعرض لصعوبات كبيرة برأيه، مثل: التسعير والتكاليف العالية وضعف التمويل وغياب العمل التعاقدي، إلا أن الخطاب أكد أيضاً عدم ترك الاقتصاد للسوق، حتى يتحول لاقتصاد متوحش والتركيز على ضرورة التوازن، ما يُبشر بنمط تفكير جديد لنظام اقتصادي مُتفرد يؤمن به الحزب، وتحويل الاقتصاد لتأدية هدفه بعيداً عن أي توغل بالسوق أو افلاس للدولة برأيه.
الحلّاق: الحلول الجريئة تأتي من التوصيف الجريء وهو ما تضمنه الخطاب
توصيف جريء
نعم.. الحلول الجريئة تأتي من التوصيف الجريء، هذا ما أكده عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلّاق، الأسباب معروفة لكن الموارد والإمكانيات المتاحة لم تظهر بعد برأيه، كما أن الفرص المُتاحة تحتاج التعاون بشكل أكبر بين الحكومة وقطاع الأعمال، الذي بات قادراً عبر التوصيف الدقيق للواقع ضمن خطاب السيد الرئيس لوضع خطة عمل مناسبة، وهذا لا يلغي ولا يشكك بعمله السابق، الذي يحتمل الصواب والخطأ برأيه.
كما أن الوضع الراهن لم يعد قادراً على تحمل تجارب، وما نحتاجه اليوم هو وضع الهدف والتخطيط لتنفيذه ومتابعته وتقييمه بكل مرحلة من قبل كفاءات عالية من قطاع الاعمال المخلص، وذلك ضمن إطار زمني محدد وهو مهم جداً لهذه المرحلة، ولا ينبغي أن يتم من قبل المُنفذ، بل من طرف محايد مبني على علم وثقافة وتاريخ مثمر، لتجاوز أي نسبة انحراف بالعمل ومحاولة لاحتوائها منذ البداية، فما قرأه قطاع الأعمال بين سطور الخطاب هو مبشر برأي الحلّاق، لجهة التعاطي مع المشاكل برؤية جديدة من زوايا مختلفة للحصول على نتائج مختلفة، التغيير يكمن بالخطة لا الهدف، الذي يجب أن يكون متفق عليه من قبل الجميع، حسب الموارد المُتاحة (بشرية، اقتصادية، اجتماعية)، كما أن تحدي الزمن كبير لا يحتمل المماطلة أكثر، لذا علينا رسم الخطط والمدة الزمنية بطريقة واضحة ومُعلنة للجميع.
اقرأ أيضاً: