صراخ بكل اللغات

لا يمكن التعويل على النزيف المالي الذي يعتري «إسرائيل» ولا التفاؤل بردعها عن مواصلة حربها المجنونة على قطاع غزة مهما بلغت متوالية الخسائر.. فمليارات الدولارات التي استهلكتها الحرب لا تصلح في زمن التحديات المصيريّة إلّا «للشماتة» بحماقات معتدٍ دفع بنفسه نحو هاوية محققة..
بالفعل لا يمكن التعويل على الرادع المالي النقدي، بما أن ثمة مكناتٍ نشطةً تعمل هناك في الولايات المتحدة الأميركية ومعظم دول أوروبا الغربية، لضخ «أطنان الدولارات» وكل أشكال الإسناد المالي والعسكري للكيان.
والواضح أن لا سقوف محددةً للإنفاق الأميركي عندما يتعلق الأمر بـ«إسرائيل – إسرائيل وحسب»، وأحدث الأرقام التي تحتفظ بها ما تسمى «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فقد أحصت حوالى ٢٦٠ مليار دولار مساعدات موثقة على جدول العلاقة المزمنة بين أميركا وإسرائيل، وهناك جهات أخرى تكشف أرقاماً مختلفة أكثر أو أقل، ما يشي بأن لا رغبة في الإعلان الصريح وإلّا ستتحرك دوامات فضائح في الداخل الأميركي، فالسقوف مفتوحة لقيم مالية ستكون مذهلة فيما لو تجرأت جهة ما على الإفصاح، والأميركان ليسوا مبتدئين في علم الإحصاء، لكن التحفظ على الأرقام يكون دوماً لأسباب متعلقة بالرأي العام والجماعات– القليلة- المناهضة لسياسات البيت الأبيض.
إلّا أن قادة الكيان لا يكترثون كثيراً بحجم الخسائر المالية والتجارية والاقتصادية عموماً التي تكبدوها في عدوانهم المديد على القطاع، بما أن ثمة من هم مستعدون للتعويض وتسديد الفاتورة مهما بلغت، كما لا نظنهم يهتمون للمأزق الصعب الذي ورّطوا أنفسهم به، كما ورَّطوا شركاءهم، في الممرات البحرية وخطوط التجارة، بل ما يؤرقهم كثيراً هي التحديات الوجودية والمصيرية لكيانهم والرعب والانحطاط المعنوي غير المسبوق الذي يعصف بهم كما يعصف بجنودهم ومستوطنيهم.
لكن إن كان ثمة ما يثير زوابع قلق عميق في قلب الكيان، فالزوابع ذاتها بدأت تطول داعميه، بما أن التطورات المتوالية في معادلة الصراع الراهنة، اتخذت أبعاداً أوسع لدائرة المواجهة، وكشفت عن تزايد متسارع في مفردات الحرب والمعنيين بها، فما يجري في مضيق باب المندب ليس مجرد عمليات مشرّفة للمقاومة في اليمن، بل تحوّل يستحق القراءة بتمعّن على مستوى المشهد العام للصراع مع أميركا لا الكيان الصهيوني وحسب، ولعلّنا لن نكون مخطئين إن نسبنا التطورات المتسارعة إلى سياق التنازع العالمي بين قطب صاعد وآخر يصارع كي لا يكون بائداً.
أمام التحولات الدراماتيكية وتشظيات الوضع في غزة، نستطيع أن نجزم بأن الحرب باتت حرب استنزاف لأميركا ولمعظم داعمي الكيان المعلنين، ولأولئك الذين يتلطون في الممرات البحرية وهم «يفزعون له» ويتحفظون على الظهور.
والآن يمسي السؤال.. إلى أي حدٍّ تبدو الولايات المتحدة مستعدة للاستمرار في إمداد كيان وقع في دوامة إخفاقات بالغة السرعة.. وأي مسوغات متبقية لدى بايدن ليتحرك خلالها؟
والسؤال الأهم.. ماذا تنفع الإمدادات بكل أشكالها، مع كيان منكسر معنوياً تتسرب ملامح الخوف والإحباط، بل والشلل، إلى قادته العسكريين وجنوده، كما تعتري مستوطنيه حالة من الرعب حتى لو تأبَّطوا أسلحتهم وهم في الأسواق والمطاعم وكل المرافق التي يرتادونها في يومياتهم الكئيبة..؟؟
لن يكون «النزول عن الشجرة» يسيراً هذه المرّة، بل لعلّه غير ممكن على المدى المنظور، لا للكيان ولا لأميركا، لأن الحسابات أمست مختلفة كثيراً بعد شهرين وأكثر من الانعطافات الحادة على مستوى الوقائع ومن ثم بنية وتموضعات أطراف الصراع بمشهده العام والواسع، ولاسيما أن الكثير من «المهمرجين» والمصفقين للكيان قد انكفؤوا أو يفكرون بالانكفاء.
فإن كانت الخسائر الاقتصادية ليست أولوية في حسابات بني صهيون أمام التحدي الأكبر الذي يتفاقم أمامهم، فإنها أولوية متقدمة لدى من بدؤوا يحصون خسائرهم التجارية الهائلة في أعالي البحار.. ولعلّنا سنكون أمام ضروب جديدة من التوجع والتفجع التي تسربها تكنولوجيا التواصل من داخل الكيان، وتعني الكثير لكل من يجيد التحليل واستشراف المستقبل القريب والبعيد أيضاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار