ملف «تشرين».. غزة وما بعد غزة.. خبراء يستقرؤون المشهد بأبعاده الدولية والعسكرية ويتوافقون على حالة «عدم يقين» حيال المرحلة المقبلة.. والتقديرات تتأرجح بالتساوي بين الحرب واللا حرب
تشرين – بارعة جمعة:
لم يكن فجر السابع من تشرين الأول يُبشر بيوم عادي، بل بات عنواناً للنضال الفلسطيني القائم على بذل الدماء والأرواح دفاعاً عن حق الحياة، غلاف غزة لم يعد بمأمن من ضربات المقاومة.. خرج من دائرة الأمان للمستوطنين ممن أذعنوا لنار المقاومة التي طالت كل شبر منه، فغدا قطاع غزة عنوان الحرب الجديدة بأطرافها المحلية والدولية، التي تسابقت لزج قواتها ضمن مناطق عدة، مُطلقة تحذيراتها من أي تطور بالمشهد الإقليمي والعسكري، ولا سيما أن ما آلت إليه توقعات المراقبين تؤكده الكثير من الأطراف الداخلية والخارجية، باعترافات العدو نفسه الذي بات بين احتمالين، إما الدخول والاجتياح البري أو إعلان هزيمته وانسحابه من الأرض التي دخلها محتلاً، فما مدى جدية هذه الحرب الدائرة بين جبهات محور المقاومة.. وهل ما تحمله قادمات الأيام يشي بحرب كبرى تأخذ بما تبقى من احتمالات تهدئة الجبهات إلى تصعيد من نوع مختلف؟
لجم العثرات
ما حدث منذ بداية عملية المقاومة في غزة من قتل وأسر لجنود العدو وما لحقه من مجازر بحق الفلسطينيين لم يعد يفي بالغرض منه لإشباع حالة الغضب التي ولدتها المقاومة لدى كيان الاحتلال، الذي بات أمام احتمال واحد وهو اجتياح بري عسكري يبدو حتى اليوم بأن ولادته متعثرة جداً وفق قراءة الخبير العسكري وفيق نصور لمجريات الأحداث الراهنة، حيث إن نتائج الحسابات للقادة العسكريين الصهاينة مرعبة، وذلك بعد تقييمات مستمرة للقدرة الصاروخية والقتالية للمقاومة المتخندقة والقادرة على خوض معركة برية داخل غزة وتكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة، يضاف لذلك تبعات كارثية على نتنياهو وحكومته وعلى واقع ومستقبل هذا الكيان برأيه.
نصور: العدو عاجز اليوم في ظل حالة عدم الوضوح فهو
مجبر على عملية برية يدرك مسبقاً أن الهزيمة فيها مؤكدة
حالة من المراوحة بالمكان تتغلب على نتنياهو، دون أي تقدم بالمسافات، أو أي إنجازات عسكرية بدت تكلفتها باهظة جداً على قادة العدو، ما جعل من أمريكا تُرسل بإمداداتها العسكرية ودعمها المالي إليه، وهو ما يجب الوقوف عنده لجهة رصد نقاط الضعف لدى العدو نفسه برأي نصور.
خطط بديلة
ما يواجه العدو اليوم هو العجز عن إنجاز أي تقدم عسكري ملموس والذي بدوره يسوق لرسم خرائط عسكرية جديدة، فالاجتياح البري هو بمثابة انتحار لنتنياهو، باعتباره سيفتح المجال أمام احتمالات ارتكاب حماقات غير محسوبة ستؤدي لإشعال جبهات أخرى تقود بدورها لحرب شاملة في المنطقة برأي نصور.
لنذهب أبعد من ذلك.. إذا ما نظرنا للهرولة الأطلسية السريعة لنجدة الكيان الصهيوني ودعمه، والتحشيد العسكري الأميركي الضخم وتزعم أميركا لأي حرب محتملة، كل ذلك يكشف الخوف والقلق الأمريكي على هذا الكيان، عدا عن تصريح الإدارة الأمريكية عن عدم رغبتها توسيع رقعة الحرب أيضاً، والذي يرسم صورة إضافية لخشيتها من السيناريوهات المُحتملة التي لا ترغب برؤيتها خوفاً على مصالحها المُنتشرة في الشرق الأوسط، وعدم فتح جبهات أخرى خاصة جبهة الشمال.
د. مصلح: حسابات الحرب الإقليمية أكثر تعقيداً مما يدور في غزة..
فهي حسابات تتعلق بالدول الكبرى ومصالحها العالمية.. مع ذلك فإن
كل طرف يأخذها على محمل الجد ويؤكد استعداده وجاهزيته لها
حكومة العدو تقف أمام مفترق طرق برأي الخبير نصور، وقد يكون البقاء في المكان دون السير في أي طريق هو هزيمة، وقد تكون أرخص الهزائم وأقلها، وهذا ما يفسر المراوحة في المكان وعدم الوضوح للخطوة العسكرية القادمة، رغم المُصادقة على الاجتياح البري الذي لم يبدأ بعد، ومن الواضح أنه لن يبدأ بالاتساع، بالمقابل نجد الطرف الآخر المُتمثل بالمحور المُقاوم مرتاح حتى الآن، على الرغم من كل المشاكل والصعاب والتحديات التي يواجهها نتيجة الأحداث والحروب، والتي أدت لتحديات اقتصادية حرجة جداً، ويضيف الخبير نصور شارحاً تبعات الحرب البرية: «أعتقد أن الحرب البرية في قطاع غزة قد تُدمر معاملات الضبط والتحكم للجبهات الأخرى، ومن المعلوم بأن رسم خرائط عسكرية جديدة تفضي إلى تغييرات ديموغرافية في المنطقة وظهور تحديات كبيرة أمام المحور المُقاوم، بحجم ووزن يفوق تبعات حرب شاملة، لذا الجبهات ستبقى في مرحلة التسخين، وما نراه هو رسائل تذكير بالعواقب فقط».
فشل متكرر
في مجريات الميدان، لا تزال المقاومة تمتلك زمام المُبادرة وتتحكم بمُجريات الميدان، وهذا باعتراف العدو نفسه، والذي لا يزال حتى اللحظة عاجز عن تحقيق أي هدف، حسب توصيف الكاتب والباحث في الشأن السياسي الدكتور فيصل مصلح من لبنان، لتطورات الحدث الفلسطيني، ولاسيما هدف العدو المُعلن وهو القضاء على المقاومة، بينما نجد في الوقت ذاته بأن لدى المقاومة القدرة على اختراق غلاف غزة والوصول إلى المستوطنات وتنفيذ عمليات عسكرية ضد القواعد العسكرية الإسرائيلية أيضاً، وهذا ما حدث في مستوطنة زيكيم مساء الثلاثاء، يترافق ذلك مع عجز تام لدى قوات العدو من التقدم شبر واحد داخل قطاع غزة، وفق تأكيدات د. مصلح، وهذا إن دل على شيء فهو أن المقاومة لا تزال بكامل قدرتها الميدانية وجهوزيتها القتالية، والذي يؤكده فشل التقدم البري في خان يونس منذ أيام، إثر محاولة إسرائيلية التقدم لأمتار قليلة جداً عند حدود القطاع، لتتلقى بعدها ضربة قاضية من قبل المقاومين، أجبرت جنود الاحتلال على الانسحاب هرباً، تاركين خلفهم أجزاءً من عتادهم.
استعراض القوة
إمكانية تطور الحرب وتحولها إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات احتمال وارد برأي الباحث مصلح، يأخذه محور المقاومة على محمل الجد، وقد قام بالاستعدادات اللازمة لخوض حرب مفتوحة متعددة الجبهات على كل المحاور القابلة للاشتعال من لبنان إلى سورية والعراق وصولاً إلى اليمن والخليج العربي ومنطقة غرب آسيا، إلا أن لمثل هذه الحرب حسابات مختلفة أكثر تعقيداً بكثير من تلك التي تدور في غزة، ناهيك عن تعدد الفاعلين فيها من قوى إقليمية ودولية، ما يجعل جميع القوى المعنية تتجنب هذا السيناريو، لأن نتائجه غير مضمونة لحساب أي طرف من الأطراف، كما أن رقعته ستتجاوز جغرافيا الإقليم حتماً، ونتائجه ستطول كل دول العالم.
د. درويش: المقاومة زلزلت كيان العدو الذي يعيش- من جهة- حالة فشل
مسبق لعمليته البرية المقبلة.. ومن جهة أخرى يعيش حالة رعب من
الجبهات المجاورة التي إذا ما فتحت فإننا نتجه نحو حرب إقليمية
لذا نجد بأن كلا الطرفين يتجنب الانزلاق في حرب مفتوحة، لكن كل ذلك لا يمنع من قيام كليهما باستعراض قوته وقدراته وإرسال رسائل بالنار، للدلالة على جهوزيته، وهذا ما حدث ويحدث في ضرب القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في المنطقة، ومن تزايد رقعة القواعد التي تتعرض للهجوم والتهديد بضرب تلك الموجودة في الخليج العربي، وهو فحوى الرسالة التي يوجهها محور المقاومة لأمريكا والغرب، بأنه في جهوزية تامة، لكن ما يحدد ذلك هو واقع الميدان في غزة والتطورات هناك، وهو ما يصعب التنبؤ به في هذه اللحظة، ما جعل الأطراف كلها مستعدة لمواجهة ما سيحمله الغد القريب.
مغامرة خطرة
نحن نستقرأ الوضع.. وقد نُخطئ أو نُصيب، ولكي نكون دقيقين علينا القول بأنه من الصعب توقع نهاية الحرب وفق رواية الأستاذ في القانون الدولي جامعة دمشق د. أوس درويش، فالمقاومة زلزلت الكيان الصهيوني وأطراف حكومة نتنياهو- هاليفي- غالانت، ممن عانوا من ضغط المستوطنين عليهم، لإعادة اعتبارهم والذي يتطلب القيام بعملية برية، وسط إدراكهم العميق بأن هذا التحرك سيكون مقبرتهم الأبدية، عدا عن خوفهم من فتح جبهة الشمال اللبناني والعراق التي تشكل حالة رعب لهم أيضاً من جراء استهداف المقاومة نقاطاً دقيقة للعدو، الذي يعاني تمزقاً عبّر عنه غابي أشكينازي رئيس أركان العدو السابق بقوله: حالياً هؤلاء الذين يُحضرون للدخول إلى غزة غير مُدربين وسيتعرضون لهزيمة كبرى.
د. رجا: اتساع رقعة العدوان والمجازر الإسرائيلية من شأنه أن
يفتح مختلف ساحات المقاومة لتتدحرج كرة النار باتجاه اشتعال المنطقة
في أي لحظة.. إرادة الشعوب والمقاومة ستكون الأقوى وستنتصر
الأمريكي يخشى من دخول المقاومة اللبنانية الحرب، التي تهدد وجوده، فقام بإرسال حاملات الطائرات فورد وآيزنهاور، وفي حال تطور الوضع باتجاه الحرب، فالمقاومة اللبنانية قادرة على تدمير هذه الحاملات، قياساً بتدمير البارجة نيوجرسي سابقاً عام 1983 بأسلحة خفيفة، التي أدت لمقتل أكثر من 291 جندياً أمريكياً، فكيف الآن والمقاومة أقوى وتصنع أسلحتها بنفسها.. يتساءل د. درويش؟
أصحاب الأرض لن يتركوها كما يريد الكيان المهزوم، الذي يتبع سياسة الأرض المحروقة، وفي حال مغامرته بموضوع الحرب الإقليمية، ستكون نهايته لا محالة، والمقاومة جاهزة لكل الاحتمالات.
سيناريو مُحتمل
اتساع رقعة العدوان والمجازر المُرتكبة من شأنها أن تفتح مختلف ساحات المقاومة، لتتدحرج كرة النار وتشتعل بأي لحظة، كما أن أي إشارة من الممكن أن تؤدي لاندلاع حرب بريّة، رؤية قدّمها أمين سر المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة ومسؤول دائرة الإعلام المركزي د. أنور رجا، تؤكد احتمالات قيام هذه الحرب، في محاولة لفرض نظام أمني سياسي جديد على غزة – كما يهدف العدو- ولمحاصرتها من كل اتجاه، كما أن كل الوقائع على الأرض تؤكد أننا أمام اجتياح بري إسرائيلي برأيه، الذي يشكل في نظر نتنياهو مسألة حياة أو موت، لأن المقاومة أصابت مؤسسته العسكرية بالصميم وهددت وجوده وقدرته على شن الحروب، وألغت التفوق السياسي الأمني لديه، واليوم يُدرك تماماً بأن الهزيمة العسكرية إن تطورت، تعني نهاية الاحتلال بالمدى المنظور، وهو مشروع بدأ يتفكك على أرض الواقع، كما أن الحرب هي نقطة فاصلة وتاريخية، وسيترتب عليها نتائج كثيرة، كما أن أوروبا وأمريكا تُدركان هذا المعنى، ما جعلهم يُسرعون لمساندته.
لن تنتهي الحرب إلا لحساب إرادة المقاومة، ونحن اليوم نُراكم هذا المعنى عبر الانتصار المُحقق على الأرض، رغم أن المعركة مستمرة وسط تعرض العدو لضربة قاصمة لن ينجو منها، مهما قدم له سبل الرعاية والانعاش، كما أن هناك مربعات وبيوت سياسية ونهج وبرامج سياسية ستنهار أمام إرادة الشعوب، والمقاومة ستتغلب ولن تؤدي الحرب مهما كانت لطي ملف الصراع، ويضيف الدكتور رجا موضحاً عمق تضحيات المقاومة: «جميعنا يعلم بأن الثمن كبير والمعركة قاسية، لكننا ذاهبون للنصر على أساليب العدو الهستيرية، التي قدمت صور انتصار باهتة بالمجازر، ظناً منه بأنه سيحقق الانتصار، هذا الدم سيرتد ناراً حارقة على العدو وحلفائه المستسلمين، والأيام القادمة ستُثبت ذلك».
رسائل دبلوماسية
حتى هذه اللحظة لا تُشير المُعطيات إلى قيام الحرب، كون الرسائل التي تصل عبر الصناديق الدبلوماسية الدولية تدعو للتهدئة وعدم الانخراط بها، وفق تحليل الكاتب والمحلل السياسي محمد هويدي من الرياض، واصفاً ما صرحت به واشنطن بأنها استدعت الحاملات لحماية قواتها بالشرق الأوسط، بلعبة استعراض القوّة، وما يحصل ضمن هذا النهج هو ضمن إطار توجيه الرسائل لسورية وإيران، والحرب إن وقعت لن تكون إقليمية بل عالمية ثالثة وفق رؤية هويدي، بالمقابل نجد بأنه لا أحد مُستعد لخوضها، لانشغال أمريكا بأوكرانيا التي تُعد من أولوياتها في البعد الاستراتيجي، كما لها اعتبارات بشأن تايوان وتنامي النفوذ الصيني- الروسي، وهو ما يثبت أن أمريكا لا تريد الحرب، لكن نتنياهو يسعى لجرّها إليها.
د. هويدي: أي تقدير خاطئ من قبل العدو باتجاه الأطراف الإقليمية
سيؤدي إلى اندلاع الحرب وهي لن تكون إقليمية بل ستمتد لتكون
حرباً عالمية ثالثة.. الهزيمة والنصر فيها لا يمكن توقعها لأي طرف
ستبقى جبهة غزة ضمن الإطار الضيّق للاشتباكات المحدودة بالجنوب اللبناني، وبين سورية والكيان الإسرائيلي برأي هويدي.. اشتباكات لن تخرج من دائرة الصّراع المحدود، ودون ذلك لا يمكن توقع أن المنطقة ذاهبة لحرب إقليمية، وإن وقعت، فالمُستفيد الأكبر روسيا والصين، اللتان في حال انشغال أمريكا بحرب في الشرق الأوسط ، ستتنامى القدرة العسكرية لهما في المنطقة، لاسيّما بعد تصريح الرئيس الصيني شي جين بينغ بدعم استقرار الشرق الأوسط ودور مصر بالمنطقة، كل ذلك يُشير وفق رؤية هويدي إلى أن انخراط أمريكا بحرب إقليمية سيؤدي لاستهداف كافة مصالحها بالمنطقة، كما سينعكس على الإدارة الأمريكية الحالية مع قُرب الانتخابات، وبالتالي المزيد من المكاسب الجيوسياسية للصين وروسيا.
موجبات الحرب
التقديرات الخاطئة أو أي تصرف خارج إطار الحسابات الدقيقة مثل قصف الكيان الإسرائيلي لمنشآت داخل إيران أو اجتياح بري لجنوب لبنان، سيؤدي لاندلاع الحرب بالتأكيد، فالحسابات اليوم معقدة ودقيقة لحالة المنطقة وقواعد الاشتباكات برأي هويدي، إضافة لكون المنطقة لا تحتمل حرباً، بفعل ما تشهده من ازمات على كل الصعد، عسكرية وأمنية واقتصادية، لذا يجب ضبط الإيقاع ضمن إطاره الضيق، لأن الانزلاق بحرب يؤدي لرسم خرائط جغرافية جديدة، ربما تنتهي وتختفي دول وتنشأ دول جديدة إثرها.
كما لا يمكن الجزم لدى أحد بإمكانية قيام حرب إقليمية أم لا، كما أن الهزيمة والاستقرار لا يمكن توقعهما أيضاً، وعندما نتحدث عن حرب إقليمية نتحدث عن حسابات جيو استراتيجية لكل الدول العظمى، الصين، أمريكا، الاتحاد الأوروبي، بما فيها المشروع الأوراسي وطريق الحرير الصيني والمشروع الهندي الأمريكي، إذاً هي مسائل تتعلق بحسابات للدول العظمى وفق هويدي، وبالتالي وإن وقعت الحرب، فلن تكون كلاسيكية بل مُدمرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لذا الجزم بهذا الأمر صعب للغاية.
وفق المعطيات لدينا، نتوقع عدم حدوث حرب، والأساطيل لم تأتِ لتنسحب مجدداً، بل ستبقى في شرق المتوسط مع حالة توتر لكونها شرياناً حيوياً لأمريكا لتعزيز وجودها بالمنطقة وليبقى العالم منشغلاً بهذا الصراع، إضافة لكونها بمثابة رسائل لكل الدول التي تعمل على إعادة ترتيب العالم، وإنشاء عالم متعدد الأقطاب.
اقرأ أيضاً: