ملف «تشرين».. سيناء مصر والأردن.. المخطط الصهيوني الأبعد من غزة .. سيناريوهات ستتكشف ما بعد الاجتياح البري وربما قبله ؟!
تشرين – هبا أحمد:
منذ الـ7 من الشهر الجاري والسيناريوهات المتعددة التي دخلت في سياقها المنطقة بعد عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة المحاصر، عاد إلى الواجهة الحديث القديم الجديد حول ما يُسمى الوطن الفلسطيني «البديل أو الجديد» وقناة «بن غوريون» بما يفعّل مسار الاستهداف الأمريكي- الصهيوني الواسع للمنطقة والإقليم برمته على مستوى الأمن القومي السياسي والاقتصادي على حد سواء، والذي لم يتوقف يوماً بطبيعة الحال، بل تتجدد «الفرص» لإحيائه لدى الكيان بما يؤكد أننا أمام خطر أكبر من التساؤلات التي تطرح حول اندلاع حرب من عدمها.. هذا الخطر الأكبر هو الحرب الحقيقية بمستوياتها السياسية والأمنية والاقتصادية وحتى الديمغرافية التي تسري تبعاتها ليس فقط على فلسطين المحتلة، بل على الإقليم وتحديداً مصر والأردن انطلاقاً من فلسطين.
المنطقة العربية اليوم أمام الاستهداف الأميركي- الإسرائيلي الأخطر والأكبر
من مجرد التساؤلات التي تطرح حول اندلاع حرب إقليمية أو عدم اندلاعها
النقطة الأولى.. قناة “بن غوريون” التي يعمد الكيان الصهيوني لتنفيذها بين البحرين الأحمر والمتوسط وهي استهداف مباشر للأمن القومي المصري أولاً وبدرجة ثانية للأردن، إذ تنبع الأهمية الاستراتيجية البحرية للكيان الصهيوني من كون 90% من التجارة الإسرائيلية مع العالم تجري عبر البحر، وأن 80%من المياه المستخدمة في البيوت والمصانع تأتي من مشاريع تحلية مياهه، بالإضافة إلى أنّ البحر المتوسط تحوّل إلى مصدرٍ لإنتاج الغاز له، وكما تشير المعلومات، تتمثل الأهداف الصهيونية من وراء تنفيذ مشروع القناة بثلاثة أهداف، الأول، يتمحور بالسيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً، والثاني فهو خنق قناة السويس المصرية، التي تُساهم الآن فيما يزيد على 8 مليارات دولار من الدخل لمصر، أما الهدف الثالث فهو يتمحور في أن تصبح هذه القناة، بالإضافة إلى «الموانئ الإسرائيلية» حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، ولاسيما بعد أن وقّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، وهذا يعني كما أشارت العديد من التحليلات أن الرياض ستسيطر منفردة على مضيق تيران، الذي يتحكّم في الملاحة البحرية في خليج العقبة، وهذا الأمر، بطبيعة الحال، جائزة استراتيجية للكيان الإسرائيلي.
تساهم قناة السويس بـ8 مليارات دولار من المداخيل، وعند تشغيل القناة الصهيونية ستنخفض إلى 4 مليارات، ومن المتوقع أن يكون مدخول القناة الجديدة 6 مليارات دولار سنوياً، وبالتالي فإن إنشاء القناة الصهيونية يعني خنق قناة السويس الاستراتيجية بالنسبة لمصر، فالقناتان متقاربتان في الطول باعتبار أن المسافة بين العقبة والبحر المتوسط مساوية تقريباً للمسافة التي أنشئت عليها قناة السويس، غير أن كيان الاحتلال سيقوم بخفض المسافة في قناة «بن غوريون» بالمقارنة مع تلك التي تجتازها السفن في قناة السويس إلى البحر المتوسط، ما يعني خلق منافسة غير متكافئة أبداً بين القناتين، كما أن القناة الإسرائيلية ستكون بممرين؛ أحدهما من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط والآخر من المتوسط إلى البحر الأحمر، ما يشكل ضربة إضافية لقناة السويس ذات الممر الواحد الذي يستخدم بالتداول، يوم للسفن القادمة من البحر الأحمر في اتجاه البحر المتوسط.. ويوم للسفن القادمة من المتوسط في اتجاه البحر الأحمر، أضف إلى ذلك أن القناة بعمق 50 متراً، أي زيادة 10 أمتار عن قناة السويس، وستستطيع سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار-وهي أكبر قياس السفن في العالم- العبور في القناة الصهيونية.
أيضاً تتحدث التحليلات عن أن القناة تعتبر خطوة إضافية للحلم المزعوم «إسرائيل الكبرى»، إذ إن هذا الحلم لم يعد يعتمد على تمدد الاحتلال جغرافياً بل يقوم على «السيطرة» الاقتصادية السياسية والمالية على دول المنطقة سواء بالتطبيع معها، أو الدخول إلى هذه الدول عبر الفتن والصراعات والحروب.
أما بالنسبة للأردن، فيتحدث خبراء في الشأن أن الأمر سيكون مُحرجاً للدولة الأردنية، وذلك كونه باعتبارات المصلحة سيكون أفضل للأردن، غير أنه باعتبارات سياسية وعربية فسيكون له كلفة عالية على الأردن، حيث لن يستخدم الأردن القناة -في المرحلة الأولى على الأقل- تجنباً للإحراج مع مصر، أضف إلى ذلك أن الأردن سيجد نفسه أمام حالة مستفزة من النشاط الإسرائيلي في منطقة قريبة من حدوده البحرية، وربما يعطل مشاريع أردنية مثل مشروع «ناقل البحرين». كما أن مشروع القناة ربما يكون مقدمة لمشاريع أكبر مثل مد أنابيب عبر الأردن أو بطريق محاذي للأردن، وذلك لمد أوروبا بالنفط والغاز.
ويخطط الكيان الصهيوني لأن تتحول القناة إلى مشروع متعدد الأوجه، وفضلاً عن دورها التجاري كبديل لقناة السويس، فهي تهدف إلى إقامة مدن صغيرة وفنادق ومطاعم ونوادٍ حولها، وسيتفق الكيان الصهيوني مع 3 مصارف أمريكية لإقراضه 14 مليارات دولار هي تكلفة تنفيذ المشروع بفائدة 1 في المئة على مدى 30 سنة، وهكذا يكون الصهاينة قد بنوا القناة من قروض أمريكية بفائدة بسيطة، بينما هي تستفيد بقيمة 6 مليارات دولار سنوياً.
أميركا تسعى لتثبيت دعائم دائمة للعدو الإسرائيلي بمخططين رئيسيين:
سياسي/ ديمغرافي، واقتصادي/ أمني.. الأول «فلسطين البديلة» والثاني قناة «بن غوريون»
النقطة الثانية والأهم وعلى الدرجة ذاتها من الخطورة وهي قديمة متجددة، فهي مسألة تهجير الفلسطينيين وإقامة «دولة / وطن بديل» لهم في الأردن ومصر وما لذلك من تداعيات وتبعات خطرة على جميع الأطراف أهمها وأخطرها تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي وإقامة – ليست دولة – بل شبه دولة للفلسطينيين إن جاز التعبير، في مصر/سيناء، وشرق نهر الأردن، وهذا تهديد مباشر للسيادة والأمن القومي المصري – الأردني.
بالنسبة للمخاطر على الأردن، فالتصور التقليدي الشائع لمسألة «الوطن البديل» هو إقامة دولة فلسطينية قاعدتها الجغرافية شرق نهر الأردن أساساً، وتلتحق بها الكتل السكانية غرب النهر، وهذا المشروع إضافة إلى دوره المرسوم لتصفية القضية الفلسطينية، سيكون مقدمة لما هو أبعد من ذلك، أي إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة برمتها، وإعادة توزيع الأدوار بين دولها.
أضف إلى ذلك أن أحد الطروحات التي يجري الحديث عنها ولو بصورة غير علنية، لكنها تثير الهواجس، أن المقصود بالوطن البديل هو حل وتفكيك الأردن وقيام دولة فلسطينية بدلاً منه، وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية من دون إنهاء الاحتلال، وزوال النظام الأردني، وحتى لو لم يكن الأمر بهذه الطريقة الفجّة فإن «الوطن البديل» على أراضي الأردن من شأنه أن يُحدث تغيراً جوهرياً في الدولة، أي في ما معناه التأثير على المستقبل السياسي للأردن والاقتصادي والأمني والهوية الوطنية للشعب الأردني، هذا عدا عن التأثير على تغير الميزان الديمغرافي.
بالنسبة لمصر فإن تهديد الأمن القومي يمكن معرفته من خلال ما عبّر عنه أحد المحللين، حيث أشار إلى مساعي إقامة وطن بديل في مصر شارحاً بالتفصيل الخطة الصهيونية، حيث اتضح أن التهجير القسري للفلسطينيين من غزة مجرد مرحلة أولى وأن الهدف ليس تهجيرهم لسيناء كنهاية المطاف وإنما الهدف الحقيقي نقلهم لمدينتي 6 أكتوبر والعاشر من رمضان لإبقاء سيناء خالية من السكان تمهيداً لمرحلة ثانية في المستقبل لابتلاع سيناء بتهجير هؤلاء الفلسطينيين إلى سيناء، مقابل امتيازات مادية ضخمة.
ويشرح المراقبون بأن أحد التحديات الرئيسية لتوطين الفلسطينيين يتمثل في الجوانب الأمنية والسياسية، إذ سيكون من الصعب تحقيق الاستقرار الأمني في سيناء، خصوصاً مع التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة بشكل عام، علاوة على ذلك، تثير مثل هذه المشاريع مخاوف الفلسطينيين بشأن فقدان هويتهم وتمثيلهم السياسي. قد يرى البعض في هذه المشاريع محاولة لإزاحة الفلسطينيين عن القضية الفلسطينية الأصلية وتقسيمهم وتفريقهم في مناطق مختلفة.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. المقاومة العراقية- السورية على مسار واحد مع غزة.. تثقيل الهجمات على القواعد الأميركية