ملف «تشرين».. الارتباك الأميركي يُوسّع حجم الفضيحة ويُعمق الهزيمة الإسرائيلية.. أي دعم سينفع في رد «طوفان الأقصى»؟
تشرين – مها سلطان:
لن نعرف قبل يوم غد الإثنين نوع وحجم الدعم الأميركي الذي تبحثه إدارة الرئيس جو بايدن لاحتواء «طوفان الأقصى» الذي يواجهه الكيان الإسرائيلي والمستمر منذ صباح أمس السبت. ورغم أن الإدارات الأميركية لم تبخل يوماً على هذا الكيان بالدعم العسكري والمالي، وحتى بالحروب التي أشعلتها في المنطقة، إلا أننا نتساءل فعلياً أي نوع من الدعم ستقدم إدارة بايدن؟ وربما إدارة بايدن نفسها تتساءل وتسأل ما الفائدة من تقديم المزيد من الدعم؟ وماذا كانت نتيجة سبعة عقود ونيف «منذ زرع إسرائيل كياناً غاصباً في منطقتنا على أرض فلسطين»؟ ماذا كانت نتيجة ما قدمناه من دعم عسكري ومالي، والذي ما زلنا نقدمه؟ النتيجة شاهدها العالم بأسره، ولا مفر أمام الأميركي إلا الاعتراف.
أي فعلٍ أميركي لن ينفع، لا الدعم ولا الضغط ولا إشعال حروب جديدة في المنطقة، ولا حتى أن يوجد الأميركي كقوة احتلال على أقرب نقطة من الكيان الإسرائيلي، كل هذا بات يدركه يقيناً الأميركي والإسرائيلي بعد «طوفان الأقصى».. لم يبقَ إلا النووي، هل نقصف قطاع غزة بالنووي؟.. ورغم أن السؤال مبالغ فيه، فهذا لن يحدث، بل يستحيل حدوثه، ليس حباً بالفلسطينيين طبعاً، بل لأن «إسرائيل» ستكون في الكارثة سواء بسواء، إلا أننا نطرحه من باب القول إن المقاومة الفلسطينية أغلقت بإحكام شديد كل الخيارات، باستثناء خيار الإقرار بالهزيمة والرضوخ لها والتصرف على أساسها.
أي فعلٍ أميركي لن ينفع.. لا الدعم ولا الضغط ولا إشعال الحروب.. ولا حتى الوجود كقوة احتلال على أقرب نقطة من الكيان الإسرائيلي.. كل هذا بات يدركه يقيناً الأميركي والإسرائيلي
مع ذلك، ليس الإسرائيلي ولا الأميركي في وارد الإقرار، وإن كان إعلامهما ينطق بما لا ينطقان به: «الصدمة.. الفشل.. الكابوس.. الهزيمة»، إذاً كيف سيكون شكل الدعم الأميركي، وكيف يمكن للعدو الإسرائيلي أن «يرد» غير تنفيذ عملية عسكرية جديدة ضد قطاع غزة، ستفشل كما سابقاتها في احتواء المقاومة الفلسطينية التي ازدادت قوة وقدرة وخبرة على كل المستويات، بعد كل عدوان إسرائيلي؟
حتى العملية العسكرية لا يملك العدو الإسرائيلي إلا أن تكون محدودة، في ظل التحذيرات المنهالة عليه بأن أي توسيع لها معناه المخاطرة باتجاه «حرب إقليمية» ضده، وعندها أي دعم أميركي لن ينفع.
بايدن أعلن في كلمة مقتضبة جداً أمس أنه «حشد فرقة» لضمان حصول «إسرائيل على كل ما تحتاجه» ولتكون على «اتصال دائم» مع مختلف الدول في المنطقة وأوروبا، ومع الفلسطينيين، بينما قال مسؤول كبير في البيت الأبيض: إن الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي أجريا أمس السبت «مناقشات معمقة» بشأن «الاحتياجات العسكرية» لمواجهة المقاومة الفلسطينية.
نعتقد أن النقطة الأساسية هنا هي في «الاتصالات»، أي ممارسة الضغوط والابتزاز والالتفاف على الهزيمة الكبرى، ومحاولة العودة إلى ما قبل «طوفان الأقصى» وكأن شيئاً لم يكن، هذا جلَّ ما ستفعله إدارة بايدن، مع هدف مترافق يتعلق بشكل خاص بمنع توسع الطوفان إقليمياً، خصوصاً شمالاً حيث المقاومة اللبنانية، فإذا ما تدخلت ستكون الهزيمة مزدوجة، حيث مستوطنات الشمال كلها ستقبض عليها المقاومة اللبنانية، وربما أكثر من ذلك.
النقطة الأساس في الدعم الأميركي ستكون ممارسة الضغوط والابتزاز والالتفاف على الهزيمة مع هدف أبعد هو منع توسع «الطوفان» إقليمياً خصوصاً شمالاً حيث المقاومة اللبنانية
الأميركي مثل الإسرائيلي تماماً، يخشى زواله من المنطقة، والأخطر بالنسبة له أن وجوده بات مرتبطاً بالوجود الإسرائيلي. كلُّ توسع في نطاق الحرب سيطوله، وهو بالأساس مُحاصر، ونحن هنا نتحدث عن وجوده الاحتلالي على الأرض السورية، وعليه تصبح المعادلة كالتالي: نجاة الإسرائيلي من نجاة الأميركي، وعلى هذا الأساس سيتم تقديم الدعم الأميركي، مع الإشارة مجدداً إلى أنه لن يكون عسكرياً بقدر ما سيكون اتصالات مكثفة على قاعدة الابتزاز والضغوط.
كثيرون ربطوا بين الموقف الأميركي الحالي بما كان عليه في حرب تشرين التحريرية، وأن واشنطن لا بد ستتأهب لنجدة «إسرائيل»، وهذا صحيح لكن مع فارق كبير جداً لا يمكن إغفاله يتركز في:
أولاً، لا تحتاج الولايات المتحدة إلى جسر جوي عسكري، كما في حرب تشرين التحريرية، فهناك جبهة واحدة فقط يُفترض أن «إسرائيل» تزنرها من كل الجوانب (بما فيها الجانبان الأردني والمصري) ويُفترض أن قطاع غزة هو مساحة صغيرة جغرافياً قياساً بمساحة كيان الاحتلال، ولا يحتاج الأمر إلى أسلحة استراتيجية للتعامل معه، ويُفترض أن الكيان الإسرائيلي لديه من الأسلحة ما يكفي ويزيد، خلال عقود من التسليح الأميركي له.
ثانياً، لا تحتاج الولايات المتحدة إلى مبعوث فوق العادة من مستوى هنري كيسنجر مع جولاته المكوكية إلى المنطقة كما في حرب تشرين التحريرية، فظروف المنطقة مختلفة كلياً، ميدانياً من جهة، وسياسياً من جهة أخرى، وأغلب الدول العربية منخرطة – أو تستعد للانخراط – في اتفاقات مع الكيان الإسرائيلي، ومنها الطرف الثاني الأساسي في حرب تشرين التحريرية «مصر».
ثالثاً، في «طوفان الأقصى» هناك طرف ميداني واحد فقط، هو المقاومة الفلسطينية، لكنه ليس دولة، ويفترض أن التعامل معه «بمعنى محاصرته والضغط عليه» أسهل، وأقل وقتاً في الاحتواء، وحتى التعامل معه عسكرياً، وليس كحرب تشرين التحريرية التي استمرت فعلياً عدة سنوات حتى وضعت أوزارها.
رابعاً، إذا كانت الولايات المتحدة استطاعت احتواء انتصار كامل في حرب تشرين التحريرية بالالتفاف والاحتيال السياسي الذي مارسه كيسنجر، ففي قطاع غزة الوضع مختلف جداً، هناك محور مقاومة كامل في المنطقة يتأهب ومستعد، وينتظر ساعة الصفر، وهو لا يخضع للضغوط والابتزاز، وقراره غير مرتبط إقليمياً «أو عربياً» إلا بما تمليه قواعد المقاومة وتحرير كل شبر من الأرض المحتلة «وإن هادن مرحلياً في بعض الأوقات لضرورات وتوازنات وأهداف معروفة للجميع»، هذا المحور ينتظر إشارة واحدة من المقاومة الفلسطينية ليقلب الدنيا على الإسرائيلي (والأميركي)، وإذا لم يحدث ذلك في هذه المواجهة فهو لا بد سيحدث وفي أقرب مما هو متوقع.
ما يجعل «طوفان الأقصى» الأخطر وجودياً على «إسرائيل» أنه جاء في التوقيت القاتل إسرائيلياً وأميركياً وإقليمياً.. من غير المعروف تماماً النطاق الكامل للكارثة وما هو القادم.. ولا شكل التفاوض وعلى ماذا سيتم؟
خامساً، كثيرون صنفوا «طوفان الأقصى» بأنه الأخطر في تاريخ «إسرائيل»، لقد وصلت المقاومة الفلسطينية إلى عمق 40 كم داخل الكيان الإسرائيلي، اقتحمت وسيطرت وتمركزت، دمرت وقتلت وأسرت، ورافقت كل ذلك بتغطية إعلامية مباشرة أذهلت العالم.. وهذا ما لم يحدث في حرب تشرين التحريرية، لكن هذا لا يقلل من قيمة هذه الحرب باعتبارها كانت حرب أمة واحدة بقرار عربي وتنفيذ عربي ثم بانتصار عربي وأنها أسست لكل ما تحقق من انتصارات لاحقة للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، بل كانت الأساس في تأسيسهما.. مع ذلك فإن ما يميز «طوفان الأقصى» ويجعله الأخطر وجودياً على الكيان الإسرائيلي أنه جاء في التوقيت القاتل إسرائيلياً وإقليمياً وأميركياً، فحتى الآن غير معروف تماماً – داخل الكيان – النطاق الكامل للكارثة التي أوقعها «طوفان الأقصى» في الكيان الإسرائيلي، ومن غير المعروف كيف سيكون شكل التطورات اللاحقة في اليوم التالي، ولا شكل التفاوض، وعلى ماذا سيتم التفاوض؟ لقد قالتها المقاومة الفلسطينية منذ اللحظة الأولى: «فتحنا معركة ستتسع وتتصاعد وتتعمق».. والمقاومة انتصرت فعلياً بغضّ النظر عن التطورات المقبلة، وإذا ما كانت إسرائيل قبل «طوفان الأقسى» تقف على «رجل ونص» فهي بعده ستقف على «ركبة ونص» مثخنة بجراح الهزيمة والعار التي لن يشفيها تفاوض ولا دعم أميركي.
قبل «طوفان الأقصى» كانت «إسرائيل» تقف على «رجل ونص» وبعده ستقف على «ركبة ونص» مثخنة بجراح الهزيمة التي لن يشفيها تفاوض ولا دعم أميركي
التزامن مع ذكرى حرب تشرين التحريرية ليس هو فقط ما قاد إلى تلك المقارنة الواسعة النطاق والمستمرة، هناك تشابه كبير جداً يكاد يكون كلياً، ونحن عندما نتحدث عن «فارق كبير» فهذا يتعلق فقط بالموقف الأميركي والإسرائيلي وطبيعة الرد والتحرك، أما في الجوهر فهما متماثلتان في القرار والتنفيذ وعنصر المفاجأة والمباغتة، وقوة التخطيط والتنسيق والتركيز والتزامن، وتعميم حالة الصدمة والرعب في قلب العدو.
وعليه.. هو تشرين التحرير الثاني، فلنحفظ وليحفظ العالم كله تاريخ 7 تشرين الأول 2023 ولينتظر ويترقب.. «الطوفان» لم ينتهِ بعد.
أقرأ أيضاً: