الصين وسورية… علاقات دولية بخصائص وطنية
تشرين – د. عماد الحطبة:
تشكل زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين حدثاً سيشغل الإعلام والمحللين السياسيين والاقتصاديين ردحاً من الزمن، محاولين التنبؤ بالمستقبل السياسي والاقتصادي الذي سينشأ بعد هذه الزيارة التاريخية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وسوف تنال الظروف التي سبقت وأدت إلى هذه الزيارة الكثير من الاهتمام، ومختصرها أن سورية انتصرت في الحرب التي شنت عليها وأنها تقطف ثمار هذا النصر، وأن الصين ترسم محور علاقات جديداً بعيداً عن المسطرة الأميركية – الأوروبية وقوانينها وعقوباتها.
في مكان ما من هذه الزيارة يكمن التطور الأهم في مسيرة الدول الوطنية. قبل الحروب الأميركية التي اجتاحت العالم خلال العقد الأخير، اختطت سورية والصين، مع احترام الفارق بين البلدين جغرافياً وديمغرافياً واقتصادياً، خطاً تصاعدياً نحو استقلال الإرادة الوطنية فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية، وقد قوبل هذا النهج- الذي اعتبره القطب الرأسمالي الأوحد الذي كان يهيمن على العالم- بسيل من العقوبات والتهديدات، السياسية والاقتصادية. تعرضت سورية للتهديد المباشر خلال زيارة كولن باول الشهيرة سنة 2003، ثم جاء قانون معاقبة سورية وسلسلة من القرارات الأممية والأوروبية شكلت حصاراً حقيقياً على سورية قبل «الربيع العربي» المزعوم.
تعرضت الصين لاستفزازات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، وتدخل صارخ في شؤونها الداخلية فيما يتعلق بهونغ كونغ، وجاءت الحرب التجارية التي بلغت ذروتها في عهد الرئيس ترامب، وحرمت الشركات الصينية خاصة في مجال التقنية من عقود كانت أبرمتها مع دول الاتحاد الأوروبي، بل وحتى مع بعض الدول العربية والإفريقية. كل هذا حدث قبل العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والدعم الصيني المزعوم لروسيا في هذه الأزمة.
تاريخ من صمود الإرادة الوطنية في وجه الإرادة الاستعمارية. في لحظة من التاريخ عندما تصاعد العدوان على سورية وبلغ ذروته في مؤامرة الربيع الصهيوني، لم يعتقد الكثيرون أن الانتصار السوري احتمال قائم، وكان مصطلح «صمود سورية» يُستعمل دائماً مكان مصطلح «انتصار سورية». نفس الأمر ينطبق على الصين خاصة بعد أزمة وباء كورونا والضغوط السياسية التي حاولت اتهام الصين بنشر الفيروس، ولاحقاً الضغوط الاقتصادية لتحميل الصين عواقب هذه الأزمة. سورية انتصرت، والصين عبرت الأزمة بأقل الخسائر الممكنة، وجاءت زيارة الرئيس الأسد لتفتح أبواب المستقبل السياسية، كما استطاع انتصار سورية فتح أبواب التاريخ لهزيمة القطب الرأسمالي الأوحد.
قد يوقع البلدان اتفاقيات و تفاهمات سياسية ترسخ الحضور الصيني في المشهد السياسي العالمي، خاصة أن الصين أصبحت في موقع الإدراك والقدرة من أن تحقيق مصالح الشعب الصيني لا يمكن أن يتم في المجال الاقتصادي والاجتماعي فقط، إذ لا بد من العمل السياسي المكثف والانخراط في الصراع القائم مع القطب الرأسمالي، لضمان احترام المصالح الحيوية للصين. رغم أهمية البند الاقتصادي في الزيارة، إلا أنه بالتأكيد يحتل الموقع الثاني بعد البند السياسي الذي يرسخ لرؤية جديدة للعلاقات السياسية الدولية يقوم على الاحترام المتبادل والابتعاد عن التبعية.
سياسياً، سورية بحاجة للدعم الصيني في الحرب التي تُشن ضدها، خاصة في مجال تحرير الأراضي السورية من عصابات الإرهابيين وداعميهم. في هذا المجال سورية لا تبحث عن مساعدات اقتصادية تحل أزمة قائمة، ولكن الأساس هو العمل على تطوير القدرات الذاتية واستعادة السيطرة على زمام الاقتصاد وهذا لن يتحقق دون شراكة مع دول العالم وهو الأمر الذي بدا واضحاً في سعي السياسة السورية لتحقيقه. في هذا المجال تعتبر زيارة الرئيس الأسد اختراقاً مهماً لما تشكله الصين من ثقل اقتصادي وسياسي على المستوى العالمي.
بالنسبة للصين تشكل سورية الحليف السياسي المهم والضروري. لقد لعبت سورية الدور الأهم في معركة التصدي للقطب الرأسمالي، والتحالف معها يعبر عن تموضع سياسي لا شك فيه في مواجهة هذا القطب، كما أن انتصار سورية يؤهلها للعب دور مركزي في شكل منطقة شرق المتوسط ما بعد الحرب، وهو الدور الذي تسعى الصين للاستفادة منه في سياق سعيها لخلق شراكات جديدة سياسية واقتصادية جديدة في العالم.
لا يمكن عزل زيارة الرئيس الأسد عن السياق العالمي الذي يشهد تمرداً على الإرادة والهيمنة الأميركية – الأوروبية الاستعمارية والذي ينتشر في أكثر من دولة في العالم خاصة بعض الدول الإفريقية، إضافة إلى النجاح البارز لقمة البريكس، مقابل النتائج المحدودة لقمة العشرين، التي تغيّب عنها الرئيسان الروسي والصيني،
هذا السياق الذي يشهد تطويراً لمشاريع وطنية تضمن الاستقلال عن إرادة المستعمر، وتخرج العالم، ربما للمرة الاولى في تاريخ البشرية، من الارتهان للقطبية الفردية أو المتعددة، إلى عالم التعاون والعمل المشترك على أساس التكافؤ واحترام سيادة الآخرين.
لقد أصبحت العلاقة مع سوريةا، ومع الرئيس الأسد بشكل خاص عنواناً لتحدي إرادة القطب الرأسمالي الاستعماري. رغم أن رحى الحرب ما زالت دائرة إلا أننا نستطيع النظر إلى المستقبل بثقة، ونرى في كل خطوة تتقدم فيها الدولة السورية في العمل السياسي والدبلوماسي، ترسيخاً للنصر العسكري الذي حققه الشعب والجيش السوريان.
كاتب من الأردن