بشائر الخير من بكين سياسياً واقتصادياً.. قوة الجغرافيا ومسارات الاقتصاد والسياسة المفتوحة
تشرين- رشا عيسى:
إذا كانت السياسة أساس التنسيق لتحقيق صيغ التفاهم والاتفاقات الدولية، فإن الاقتصاد الجغرافي مفتاح هذه السياسة والانطلاقة الفعلية نحو اتفاقات اقتصادية وسياسية وأيضاً دفاعية.
الجاموس: الزيارة مهمة جداً ويمكن أن نقول إننا شرعنا بالتجهيز للعملية الجراحية لاقتصادنا الوطني
وزيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين تكتسب أبعاداً غاية في الأهمية، فهي من جهة تعطي العلاقة بين دمشق وبكين المزيد من القوة والترابط، ومن جهة ثانية هي تأكيد على قوة العالم متعدد الأقطاب الذي بأوراقه الاقتصادية والقانونية قادر على إعادة صياغة التوازنات السياسية والاقتصادية في العالم الذي يتجه نحو إلغاء سيطرة القطب الواحد.
بوابة العبور
الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس يرى أن الزيارة مهمة جداً ويمكن أن نقول إننا شرعنا بالتجهيز للعملية الجراحية لاقتصادنا الوطني، مبرزاً أهمية مبادرة الحزام والطريق التي تأخذ طريقين بري «من الصين والهند وايران ثم العراق وسورية، ومن سورية ثم إلى الأردن ودول الخليج العربي».. وبحري «عبر الموانئ بالبحر الأبيض المتوسط للدول المشاركة في المبادرة».
وبيّن الجاموس في حديثه لـ «تشرين» أهمية وجود سورية جغرافياً في المبادرة حيث إن وجودها يشكل بوابة العبور نحو دول الخليج العربي والتي تسجل رقماً جيداً جداً بحجم مبادلاتها التجارية مع الصين.
وتعد المبادرة إحياء لطريق الحرير القديم والذي كان مستخدماً في القرون الماضية واستمر حتى هام 1700 ميلادي وتم تجديده من قبل الصين وإطلاق اسم مبادرة الحزام والطريق بوجود دول داعمة أساسية وهي الصين وروسيا وباكستان، ووجود دول مشاركة ودول مساهمة، وأعلنت الصين المبادرة عام 2013 وبدئ العمل بها عام 2018 للربط البري والبحري بين الدول في ثلاث قارات، أوروبا وآسيا وافريقيا.
ويحدد الجاموس سلسلة من المنعكسات الإيجابية للمشاركة السورية في المبادرة:
أولاً، اختراق الحصار الجائر من قبل دول قوية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وتشكل اليوم القطب الأقوى في الاقتصاد العالمي الجديد ولها بعد سياسي.
ثانياً، الاقلاع بإعادة الاعمار عبر إعادة تهيئة البنية التحتية سواء الطريق البري كالسكك الحديدية والتي تمر منها المبادرة، أو الطريق البحري والموانئ وهذا يعني إمكانية تقديم المساعدة من الدولة المشاركة والداعمة للمبادرة.
ثالثاً، كما يوضح الجاموس، أننا اليوم بمرحلة تهيئة للبنى التحتية وسينعكس ذلك قريباً على المبادلات التجارية وتوفير المواد الأولية، ما يعني تخفيضاً للأسعار والحصول على المواد الأولية اللازمة للانتاج، وتشجيع الصناعة والزراعة والبناء والسياحة، فضلاً عن سهولة العمليات التجارية، وسهولة النقل، ما يقلل التكلفة وبالتالي يساهم في تخفيض أسعار السلع وهو بالمحصلة تشجيعا لاقتصادنا الوطني.
تسهيل عمليات الإقراض
ويركز الجاموس على أن تفعيل المبادرة يؤمن الحصول على قروض دولية، ما يعني توفير العملات الأجنبية، لأن المبادرة بجميع دولها وعلى رأسها الصين تتقدم للحصول على التمويل لهذا المشروع من الواردات المحلية أو من ميزانيتها، أو من خلال قروض دولية سواء من البنوك العالمية الكبيرة، أو من خلال صندوق النقد الدولي وغيرها، ومن هنا سيكون متاحاً للدول المانحة والداعمة لهذا المشروع أن يقدموا الدعم بالقروض، أو يساعدوا للحصول على القروض التي لا نزال محرومين منها في بلدنا، ما سينعكس تحسناً في سعر الصرف وتشجيع الاستثمارات الداخلية، وهذا سيقود إلى البدء بوضع قوانين، وتهيئة الاقتصاد الوطني، والتخفيف من عبء الإجراءات الحكومية التي كانت الطريق الوحيد المتاح في المرحلة المنصرمة.
إعادة صياغة التوازنات السياسية والاقتصادية
بدورها، الباحثة المهندسة مريم جودت فيوض ترى أن أهمية الزيارة في توقيتها البالغ الحساسية والذي يترافق مع إعادة صياغة التوازنات السياسية والاقتصادية في العالم الذي يتجه نحو إلغاء سيطرة القطب الواحد عالمياً والتوجه نحو عالم متعدد الأقطاب مبني على تحقيق العدالة والتنمية الاقتصادية لجميع شعوب الأرض.
فيوض: أهمية الزيارة تترافق مع إعادة صياغة التوازنات السياسية والاقتصادية في العالم الذي يتجه نحو إلغاء سيطرة القطب الواحد
مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين منذ عام 2013 تهدف إلى بناء سوق كبير موحد والاستفادة الكاملة من الأسواق الدولية والمحلية من خلال التبادل الثقافي والتكامل لتعزيز التفاهم والثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء، وصولاً إلى نمط مبتكر مع تدفقات رأس المال وتجمع المواهب وقاعدة بيانات التكنولوجيا.
معالجة فجوة البنية التحتية
وتنطوي هذه المبادرة على أهمية كبرى لكونها تعالج فجوة البنية التحتية وبالتالي لديها القدرة على تسريع النمو الاقتصادي عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا ووسط وشرق أوروبا، حيث يقدر أن آسيا وحدها تتطلب أكثر من 900 مليار دولار للإنفاق على البنية التحتية سنوياً على مدى العقد المقبل وبنسبة 50% أعلى من معدلات الإنفاق الحالية على البنية التحتية.
وأكدت فيوض أن مبادرة الحزام والطريق واحدة من أكبر مشاريع البنية التحتية والاستثمارات في التاريخ والتي تغطي أكثر من 68 دولة بما في ذلك 65% من سكان العالم و40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حيث يُبنى المشروع على طريق التجارة القديمة التي كانت تربط الصين بالغرب وطرق ماركو بولو وابن بطوطة في الشمال وإعادة إحياء طريق الحرير القديم، ومن هنا يأتي الدور المحوري والأساسي لسورية في هذا المشروع بحكم موقعها الجغرافي المهم لكونها عقدة الوصل الأساسية في طريق الحرير وإنجاح المشروع، وهذا ما يجعل من زيارة الرئيس الأسد إلى الصين وفي هذا التوقيت بالذات بالغ الدلالات والأهمية، فسورية التي خرجت من حربها ضد الإرهاب منتصرة تعيد ترسيخ التموضع السياسي الإستراتيجي في العالم والذي حددته القيادة السياسية بالتوجه شرقاً انسجاماً مع المبادئ والمنطلقات التاريخية للسياسة السورية الرافضة للهيمنة الامبريالية والسيطرة الغربية على مقدرات الشعوب وإمكاناتها.. وبالتالي، فسورية اليوم منسجمة مع تاريخها الإنساني والحضاري والسياسي وهي جزء من المحور العالمي الراغب بالتخلص من الهيمنة والاستغلال وتحقيق العدالة الإنسانية والمجتمعية والتكافؤ السياسي وفي هذا السياق تأتي اليوم زيارة الرئيس الأسد والوفد المرافق له إلى الصين والتي سيكون لها بالغ الأثر على المشروع على الصعيد العالمي وعلى المجتمع السوري بالكثير من المنعكسات الإيجابية على الصعيد الاقتصادي.
إعادة تموضع
رئيس الأمانة العامة للثوابت الوطنية الدكتور حسام الدين خلاصي أكد لـ «تشرين» أنه لا يمكن فصل أهمية الزيارة عن مجمل المتغيرات الدولية التي تدور حول العالم من حيث إعادة تموضع الدول وفق التعددية السياسية الناشئة، ومراكز القوة الجديدة الذي بدأت معالمة تتوضح من قبل روسيا والصين وإيران ومجموعة «بريكس» ومنظمة «شنغهاي»، تأتي الزيارة لتؤكد دور الصين في الإقليم عموماً وسورية خصوصاً والتي بحكم موقعها الجغرافي ذات تأثير مهم في مبادرة الحزام والطريق بعد تأمين كامل الدولة من المخاطر القائمة، وهنا ستلعب الصين دوراً اقتصادياً مهماً في كسر الحصار المفروض على سورية، وسورية كدولة عانت من آثار الحرب وما زالت آفاق الاستثمار فيها عديدة والجانب الصيني بات ذا خبرات واسعة مصحوباً بقوته وثقته العسكرية في مواجهة التحديات العسكرية والسياسية الأميركية.
خلاصي: لا يمكن فصل أهمية الزيارة عن مجمل المتغيرات الدولية التي تدور حول العالم من حيث إعادة تموضع الدول وفق التعددية السياسية الناشئة
ووجد د. خلاصي أن الولايات المتحدة الأميركية أدركت خطورة مبادرة الحزام والطريق الصينية على مصالحها الاقتصادي وعلى تسرب الدول من تحت وصايتها من خلال تعاملها مع منظومة الدول الجديدة التي رسمت دورها في مبادرة الحزام والطريق.
ومن هنا طرح الرئيس الأميركي جو بايدن مشروعاً لوصل الهند بأوروبا «الممر الهندي» مروراً بالسعودية والأردن وكيان الاحتلال الإسرائيلي في خطوة مواجهة مع مبادرة الصين ما يؤدي لتصعيد أكبر بينهما.
وبالتالي سورية ليست بمأمن عن المطامع الأميركية في تحدٍّ للصين وفي تأمين حدود الكيان الإسرائيلي، لذلك تمعن في عرقلة الحل السياسي وتدعم كل المجموعات الإرهابية والانفصالية لجهة عدم استقرار سورية.
العمل الإستراتيجي
من جهته، الباحث الاقتصادي الدكتور معن ديوب بين أن الزيارة تدخل في إطار العمل الإستراتيجي والمتغيرات على مستوى العالم، والصين عملاق اقتصادي وأكبر المصدرين في العالم، ولها علاقات طيبة مع سورية ولها عمق إستراتيجي عالمي ومن ضمنها آسيا والشرق الأوسط والذي يدخل ضمن الجغرافية الاقتصادية.
وتدخل سورية ضمن المشروع الاستراتيجي الاقتصادي (الحزام والطريق) بالإضافة إلى موقف الصين العادل ما يساهم في تحقيق الاستقرار بالمنطقة، وهذا سينعكس إيجاباً على عملية إعادة الاعمار والنمو الاقتصادي.
في سورية نتعامل مع كل المواقف الدولية على أساس مبادئ القانون الدولي والتعاون المشترك، والصين حليف مهم جداً، ونعول في سورية على الدور الصيني، حيث لم تبخل بكين بدورها العادل ضمن مفاهيم القانون الدولي.
وتمثل سورية موقعاً إستراتيجياً تتوسط فيه ثلاث قارات إضافة لغناها بالثروات، ويهمها أن تحقق علاقات اقتصادية تتميز بالشفافية ضمن مفهوم الاقتصاد العالمي، والصين بلد مؤهل ليلعب دوراً مهماً على مستوى الاقتصاد العالمي، و في سورية نسعى لبناء علاقات عادلة وجيدة والصين بلد يحتل مكانة مهمة في مجال التكنولوجيا والصادرات.